لا نبعث اليأس بالنفوس ... ولكن أمانتنا المهنية الوطنية تقتضي أن نتحدث بصراحة أكبر من السياسيين... فليس هناك ما يمكن أن نخاف عليه... أو نخاف منه الا خالق العباد.
لذا أصبحت المراجعة والتقييم ومواجهة الذات غاية بالأهمية والضرورة ... وتحديد معالم الخطوات والاتجاهات مسألة علمية بحتة يمكن أن توفر أرضية التقدم وعلى كافة الصعد والمستويات ... وأن نعرف ماذا نريد ؟!!
لما للسؤال من أهمية بالغة ... وبما يشير اليه من حالة التوافق والرضا عما نفعل ... ومدى حساب القدرات المطلوبة ... حتى لا نسبح بخيال الوهم ... ونصبح على كابوس الواقع الذي يبدد أحلامنا ... ويبعثر جهودنا وطاقاتنا .
تصريحات مبعثرة متناقضة محطمة لما تبقى من أمال ومعنويات ... كل شيء نصبح عليه يثير في النفوس مزيدا من الغضب والاستهجان ... مما يجعلنا في موقف النقد الذاتي ... للمشهد المؤلم والمأساوي الذي لا يرتقي لمستوى المرحلة وتحدياتها ... ولا حتى لتفاصيل المشهد الذي نعيش بداخله وما ألم بنا من خراب ودمار بفعل احتلال مجرم ... وبفعل أيدينا.. فكرنا ونهجنا.. ومواقفنا ... كل شيء لدينا بحاجة الى مراجعة وتقييم واعادة نظر ... وحتى لا نستمر في تعليق قصورنا على الاحتلال المجرم وجميعنا يعرف ما الت اليه أوضاعنا وحياتنا ... ولا نسمع ولا نرى ... ولا نشاهد فارسا من الفرسان ... أو قائدا من القادة أو سياسي من الساسة ... قد خرج علينا بمفاجأة الاعتراف أننا قد قصرنا هنا أو هناك ... أو أننا أخطئنا هنا أو هناك ... او اننا تعلمنا من هذه التجربة او تلك ... أو اننا استخلصنا ذلك الدرس... لا نسمع الا كلمات وطحن بالهواء ... يجب ... وعلينا ... ولا بد ... كلمات ومفردات تصيبنا بالغثيان ونحن نحاول تصوير أنفسنا بأننا لا نخطئ وكل من حولنا يخطئ ... لا نكذب وكل من حولنا يكذب... أي اننا( ولا غلطة في كل شيء ) ... وليس فينا من فاشلين ... ولا حتى أنصاف فاشلين ... كلنا ناجحين ومتقدمين وتجاوزنا كافة الامتحانات الصعبة ... ويمكن أن نصدر للآخرين ما لدينا من خبرات اذا ما ارادوا تخريب ما لديهم من انجازات ونحن أفضل الناس ... وكل الناس كذا وكذا ... والاحتلال ابن كذا ... وابن كذا !
نحن من أكثر الشعوب التي تعرف ماذا يعني الاحتلال وممارساته ووسائله ... ومن اكثر الشعوب التي اكتوت بنار الاحتلال ... واصبحنا ذات خبرة طويلة بحكم أطول احتلال لا زال مستمرا ... وجرائم ومجازر لا زالت على حالها ... ومخططات ملعونة بإقامة المستوطنات وتوسيعها والتفافها حول مدننا وقرانا ... واستباحة مقدساتنا ومحاولة تهويدها ... مخططات ملعونة وذات وجه قبيح ... وهناك من القبح حتى ولو كان مغلفا بخباثة ومكر لا حدود له بما يمكن ان يسمى تسهيلات ... فلا يقل لنا أحد أن الاحتلال هو السبب في كل ما نحن فيه ونقطة ... كل ما يمكن ان يقال عن الاحتلال وممارساته وأساليبه ومخططاته أشبعنا شعبنا بها ... والذي يمتلك من الخبرات الطويلة التي يستطيع ان يعرف الجميع عن الاحتلال وجرائمه وممارساته ... لأن شعبنا هو من يقتل ويجرح ويعتقل وتدمر منازله وتسلب أرضه وتدمر مزروعاته ومصادر رزقه ... شعبنا الذي يفقد الأب والأم والابن والبنت ... ليس بحاجة الى ان نقول له ان الاحتلال السبب الرئيسي للمصائب والويلات والكوارث التي ألمت بنا ولا زالت ... ولكن المهم و الأصعب كيف نخترق داخلنا وما في نفوسنا وقلوبنا ... وما يعشعش في فكرنا ... وما نمارس من سياسة بهلوانية لا قاعدة لها ... ولا أساس لصحتها ولا حتى هناك امكانية واحدة لاستمرارها ... بهلوانية السياسة ... وشطارة الشطار ... وكأننا في عزبة او مزرعة والشعب يفلح بها بأوامر الكبار والسادة والقادة ... والسياسيين واولى الأمر ... أوامر وقرارات باتجاه واحد ... ولا يسمح بالاتجاه الاخر أن يرسل شعبنا حجم متاعبه وضائقته وما وصل اليه حال الناس من هموم ومتاعب وضائقة مالية وبطالة متفشية وما يعانيه المواطن من انعدام الخدمات ورداءتها ... وما تعيشه البلاد من حصار وغلاء... ولا زال الالاف في العراء وأماكن الايواء دون مأوى والشتاء قادم ... حتى أن مرحلة القطف لم يخرج عنها لا زيتون... ولا زيت يمكن ان يضئ شمعة على طريق حالكة الظلام .
ماذا نريد ؟!! وطن موحد .. شعب موحد .. سلطة موحدة .. قرار موحد .. سلاح موحد .. سياسة موحدة .. أهداف موحدة .. مؤسسات موحدة .. هل يمكن ان يقل لي أحد أن هذا ما نريد ؟!
اذا قال لي أحد ان هذا ما نريد ... سأقول له أن كل ما نفعل ويصدر عنا يتناقض مع ما قيل سابقا ... بدليل أننا أصبحنا كجسد يد هنا ويد هناك ... قدم هنا وقدم هناك ... فكر هنا وفكر هناك ... نوايا هنا ونوايا هناك ... سياسة هنا وسياسة هناك ... كل شيء ونقيضه ... كل شيء وعكسه تماما ... ليس هناك حالة من الرضا والتراضي ولا حتى التوافق والانسجام وكما قال المرحوم الفنان دريد لحام في احد مسرحياته( حارة كل من في ايدو الو) ليس هكذا وينتهي المشهد بل تصريحات اعلامية نتبارى فيها بإظهار مدى الخلل والخلاف بداخلنا ... وحتى مدى استمرار حقيقة انقسامنا على أرض الواقع والامعان بالتباهي والتفاخر على ما نحن عليه ... مما يجعلنا أمام انتقاد شديد من قبل الاخرين... واستياء كبير من قبل شعبنا الذي لا يعرف هل يفرح أم يبكي ... هل يشعر بالأمل أم يعيش حالة اليأس ... هل يشعر بالغد الأفضل .. واقع صعب لا يؤخذ فيه حال المواطن على سلم اولويات من يجتمعون ويقررون ويمتلكون اتخاذ القرار وعند السؤال ماذا نريد ؟! نجد من العموميات والكلمات الفضفاضة.. والعناوين البراقة .. ما يحاول المتحدث ان يوصله للمستمع او المشاهد او حتى للقارئ مع ان السؤال حول ماذا نريد ؟! وغياب الاجابة الشافية والقاطعة أدركت اننا قد اصبحنا بحالة رضا تام على ما انقسمنا عليه... بحالة رضا تام على ما نحن عليه بكافة تفاصيل حياتنا ... بحالة رضا تام على ما أصابنا من مصائب ... بحالة رضا تام على ما يزيد من تعكير الأجواء ... بحالة رضا تام اذا ما اخطأ احدنا ... بحالة رضا تام اذا ما استمر كل منا بموقعه ومكانه ومكانته التي ورثها والتي سيتم توريثها لمن يأتي بعده .
ان شعبنا الفلسطيني يدرك ملامح المشهد وتفاصيله .. ويفهم سياسة دغدغة العواطف .. والنطنطة على الحبال ومحاولة شطارة الشطار ... كما ويدرك خطأ التقدير والحساب... وما يرتكب من خطيئة وخطايا ... كما ويدرك أن مفاوضاتنا مع عدونا عبثية ولا فائدة مرجوة منها في ظل مماطلة وتسويف ... لكنهم لا يفهمون المعنى والمغزى والهدف من اتفاقية مصالحة بين أبناء الشعب الواحد وأبناء القضية الواحدة ... وابناء النظام السياسي الواحد ... وابناء المصالح الواحدة... وهم مستمرون بالجدل.. والتمهل.. والتواصل ما بين اجتماع واخر... وما بين فترة واخرى وكأن الزمن في صالحنا... بينما الزمن يقتلنا ... وينخر بعظامنا ... ويبدد امالنا ... فلا تكونوا من صناع اليأس... بل كونوا صناع الأمل بحياة أفضل .
واذا ما جاء الوقت الذي يخرج علينا فصيلا شجاعا ... أو قائدا فذا ... أو فيلسوفا كبيرا... أو مفكرا ملهما... او شيخا جليلا ليجيب لنا على سؤال ماذا نريد ؟وعندما تقتنع الغالبية العظمي بالإجابة المطروحة ... سيكون السؤال الاخر كيف يمكن لنا ان ننفذ ما نريد ؟ وعندها اما ان نجد من يشكر ... واما ان نجد من يلعن ... وما ان نجد من كان فاقدا للأمل ... لأن طموحاتنا وامالنا وحجم تضحياتنا أكبر مما نشاهد على مرمى البصر ... وما يمكن ان نقرأ بآفاق مستقبل مجهول محفوف بالمخاطر والاخطار ... من هول ما هو قادم !!
الكاتب/
وفيق زنداح