مواجهة العقلية الطائشة

بقلم: عباس الجمعة

بات الكل يجمع على أن تردي وتدهور مفهوم العمل التنظيمي قد وصل إلى مداه الشيء الذي بات ينذر بموت السياسة و بنهاية فصائل وقوى بعدما تحولت معظمها قوى تتنامى فيها ظاهرة الانتهازية بشكل فظيع حيث أصبحت من أخطر الآفات التي تنخر في أوصال التنظيم و أسسه ، و معولا هداما يعمل على القضاء على ما تبقى من القيم و المبادئ ،لاسيما وأننا نلمس المبدأ الانتهازي في زمننا هذا أكثر من أي زمن مضى ، و لا نعني بكلامنا هذا أن الشعب الفلسطيني لم يعرف هذه الفئة من الناس إلا في زمننا هذا فالانتهازية ليست مفهوما جديدا يستخدمه المثقفون و السياسيون في مصطلحات القاموس السياسي الحديث ، بل كان أسلوبا متبعا منذ القدم ، فهي ظاهرة إنسانية خطيرة تطفح بشكل عنيف في النفوس الشريرة و تظهر على السطح في الظروف العصيبة ، و لها عواقبها و انعكاساتها السيئة على اي حزب او تنظيم كسائر الظواهر والآفات الاجتماعية الأخرى ، لأن الانتهازي يحطم صمود التنظيم ويجعله في بلبلة شديدة ويفقده قدرة التمييز بين الحقيقة والزيف بحيث تضيع المقاييس و المعايير فيتمزق من ويصبح كالأشلاء بل إن ممارساته الضيقة الأفق تشكل مدخلا يدفع التنظيم وبكل ما يمتلكه من قيم ومثل و مبادئ عظيمة و تاريخ حافل إلى هوة سحيقة ،ولتناول هذه الظاهرة ،وسنحاول حصر المنابع الرئيسية للانتهازيين ، ونقترح ضرورة المعالجة الرامية إلى محاربة هذه الظاهرة ، وإلى تنقية الاوضاع من أدران الانتهازيين .
من هنا يدور الحديث عن شخص تحبه او تكرهه ، ولكن هو اقدم منك في حزبك او تنظيمك ، وله دور مشهود ، وهو ليس بحاجة الى شهادتك ، لانه عندما انتمى للثورة الفلسطينية ، لم تكن انت موجود ، إن ما اتحدث به اليوم هو ما نمر به من ازمة على صعيد العمل الوطني الفلسطيني ، كما تعبر عنها حالة ما وصلت اليه امور بعض الفصائل والاحزاب الفلسطينية الراهنة، تتجاوز في أبعادها كافة المحاولات السابقة، وغير الجادة للخروج من متاهات ، وخاصة انني اعلم عندما اكتب عن هكذا مواضيع لم تؤت بالثمار المرجوة، فالأزمة كما نتصورها هي ازمة مفهوم عاجزعن مواكبة المستجدات الواقعية، وخاصة اذا رأيت ان هناك شخص يحب هوية القيادة ويشكو نقصا معرفيا حادا بمفهوم حقوق رفاق له وماهيتها وكيفية التعامل مع الظروف تكون المصيبة ، وابسط دليل على ذلك ان هناك اشخاص تسلقوا سدة المسؤوليه بدون وجه حق في احزابهم وفصائلهم همهم الاساسي الغاء الاخر لانهم يفتقرون الى العمل التنظيمي السليم وإلى القدرات القيادية الراهنة فهما واستيعابا وتوظيفا للمنجزات المتحققة من قبل هذا المناضل او ذاك ، فالصورة الراهنة عند البعض ما تزال أسيرة انا وبس وهذه الوسائط التقليدية تجاوزها الزمن، لعل من المفيد هنا ان الشخص المغرور بنفسه حتى ولو رأيت حوله من يدعمه سيسقط في اول مستنقع يقع فيه ، فالقائد ليس بالشهرة وليس بالتسلط وليس بركب السيارة الفخمة وليس بلابس فخار وليس بالشقق الفخمة وليس بالصور وليس بالخطابات والمواقف الرنانة او ان يكون من حيتان المال ويمارسون الفساد ، القائد والمناضل الصادق هو المستعد ان يكون في خدمة الناس وهو مستعد للنضال والتضحية في سبيل شعبه وتنظيمه وحزبه.
من هنا كنا نتوق إلى اليوم الذي نرى فيه قادة مناضلين يبدعون، يعملون بمشقة النضال وتضحياته وعذاباته يتابعون الطريق، أن ينشئوا لأمتهم، لشعبهم، لأولادهم، المستقبل الزاهر الجدير بأمتنا وبمكانتها وبعبقريتها، ولكن بين العهود النضالية السابقة وبين ما نراه اليوم ودون روادع ان حقوق المناضلين تهدر وتعطى اصحاب المحسوبيات والمعارف الحقوق على حساب هؤلاء الذين افنو عمرهم في النضال ، لذلك نرى ان ما يتم هو دون أصالة تكمن في أعماق النفس وترفع نفس المناضل .
وفي ظل هذه الاوضاع نقول ان المغريات تنال مما يتم التعاطي معهم على اساس مناضلين ، مما تؤثر على البعض، لذلك لا بد من التصحيح ما يجري وبذلك تكون البداية، والامتحان، وحتى لا يؤدي هذا الوضع المتأزم الذي يعيشه المشهد الفلسطيني في تنامي ظاهرة الانتهازية اليوم بشكل فظيع حيث أصبحت من أخطر الآفات التي تنخر في أوصال اي حزب او تنظيم وأسسه ، ومعولا هداما يعمل على القضاء على ما تبقى من القيم و المبادئ ،لاسيما وأننا نلمس المبدأ الانتهازي في زمننا هذا أكثر من أي زمن مضى ، و لا نعني بكلامنا هذا أنه موجه الى الجميع ، لان الانتهازي هو ظاهرة إنسانية خطيرة تطفح بشكل عنيف في النفوس الشريرة و تظهر على السطح في الظروف العصيبة ، ولها عواقبها وانعكاساتها السيئة على الحزب والتنظيم كسائر الظواهر والآفات الاجتماعية الأخرى ، لأن الانتهازي يحطم تنظيم او حزب و يجعله في بلبلة شديدة ويفقده قدرة التمييز بين الحقيقة والزيف بحيث تضيع المقاييس والمعايير فيتمزق من الداخل و يصبح كالأشلاء ، بل إن ممارساته الضيقة الأفق شكلت مدخلا يدفع اعضاء وانصار واصدقاء التنظيم او الحزب وبكل ما يمتلكه من قيم ومثل و إنجازات عظيمة وتاريخ حافل إلى هوة ، مما يستدعي محاربة سرطان الانتهازية وإلى تنقية التنظيم من أدران الانتهازيين .
لهذا اقول ان اي انسان انتهازي يلفق ما يراه من كلام يتقن فيه الغاء الاخر من رفاقه او من المناضلين ، فهو لم يكن سوى انسان انتهازي ، وعليه غرس رأسه في الرمال ، لان من يلغي دور اي قيادي او مناضل في صفوف الحزب او التنظيم يجب فضح طبيعته الانتهازية التي تطبع تصوره ومواقفه، وحتى نتناسى الاساءات ومحاولة التجريم والتعدي على المناضلين الحقيقين ، نعلم اننا نتعرض للتجريح ، ولكن يبقي الحق والدفاع عن فلسطين والتنظيم والحزب، لاننا نخشى من وصول الامور إلى حدود الاستعصاء على الحل، وإلى التسبب بفقدان اي دور عملي على صعيد النضال الوطني، لا أنكر أنني كنت مثيرا للجدل في بعض ما كنت أقوله وأفعله، وأعرف أن الجميع، بمن فيهم الذين كانوا لا يكنون الود تجاهي، كانوا يتعاملون معي بهيبة واحترام.
ربما يكمن خطأي في كوني رسمت صورة للواقع الذي نعيشه لم يستطيع البعض أن يتقبلها، لانهم لم يقرأوا ما قاله المتنبي، على قدر أهل العزم تأتي العزائم، فضاقت ساحات نضالهم، وضاقت، بفعل ذلك، فسحة الأمل ، وظلوا على ضفاف النهر ينتظرون، فعليهم قراءة عن التاريخ حتى ينهض البعض من الغفوة التي يعيشها مع ذلك، أجدد اعتذاري منهم، وأجدد أملي في أن يتعافوا، من هذه القراءة المبسطة لعلم التناقض، وأملي في أن تستنهض جميع الفصائل والاحزاب والقوى من كل الشوائب، وحتى تبقى فلسطين البوصلة وحتى تحفظ هذه القوى مناضليها وقادتها وتاريخها بما يليق بكل المناضلين، ولا سبيل إلى ذلك إلا بانهاء حالة الانتهازية والحفاظ على أدبياتنا .
وعلى هذه الارضية لكي نجعل من تجربتنا الثورية اسس ثابتة ، اقول لا يمكن ان تتم عملية اصلاح بين ليلة وضحاها ، هذه التجربة الثمينة التي هي خلاصة تجارب اي حزب او تنظيم ثوري، وخلاصة نضال لكي نجعل منها بالفعل وبالوعي وبالوضوح والتخطيط التجربة التي تتسع للجميع ، وأملنا وطموحنا بأن تغتني التجربة وان ترتوي بدروس الماضي وعبره، لأن مناضلينا و شعبنا بحاجة ماسة، بافتقار كبير، بشوق شديد إلى الضوء الهادي الذي يدل على الطريق ويتقدم الطريق، ويحمي مسيرة الثورة والنضال وإنجازاتها وبالروح التي تلهمها وتسيرها ، هذه التجربة تجربة كافة المناضلين حصل فيها نكسات وايجابيات مشرقة ، يجب ان تبقى الاساس لمسيرة النضال.
من هنا كل مناضل يطمح إلى المزيد من استيعاب التجربة الفلسطينية ومن تجربة حركة التحرر العربية والعالمية ، نطمح إلى مزيد من الاستيعاب، وعندما نذكر الايجابيات التي ميزت هذه التجربة لنلق نظرة سريعة على الماضي لنرى كيف أحسنت تجربة هذه القوى التناحر الصبياني والتكتلات والتسلط بهدف عكس الصورة التي أردنا أن يكون عليها تكون فيها احزابنا وقوانا افضل ، بمعنى من المعاني إنقاذا لمستقبلها ، إنقاذا لصورتها في أذهان الشعب، وحتى نجعل النضال لذة للمناضل حتى يلمس حب شعبه له في كل يوم، في كل لفتة، في كل حركة، يشعر بأنه هو وشعبه شيء واحد، جسم واحد ، من خلال القضاء على العقلية الطفولية الطائشة التي تقوم بتصرفات بالخفة وبالسطحية إن لم نقل أحيانا باللاأخلاقية.
وفي ظل هذه الظروف نقول اي مناضل يعيش خارج شرعية الامر الواقع، ويريد ان يغير ذلك الواقع ، يتطلب منه تهيئة الاوضاع الموضوعية للقيام بحركة نهوض وطني شاملة عليه ان يؤمن بحتمية الانتصار في تلك المهمة مهما يطل الزمن، في الوقت نفسه، ان ذلك الانتصار يحتاج الى اعوام، وممكن ان يعيش ليشهد زمن الانتصار، حتى يقرب ذلك الزمن ، ويمنحه الشعور بالرضى والحرية ، هذا الشعور ينبغ من الفهم العميق لحركة التاريخ الانساني، بأن حركة التاريخ تسير، في المحصلة الاخيرة، الى الامام في اتجاه الحرية والتقدم، وان كانت احيانا تسلك طريقا متعرجا فيه انكفاء وتراجع، وكان ذلك الايمان يحمي المناضلين من صقيع الزمن الرديء الذي نمر به، ويبعث في ضميرهم القدرة على تحدي هذا الزمن، والاصرار على النضال للوصول الى زمن تنتصر فيه مبادئ الحرية والعدالة.
بالمعنى العلمي فعلاً وعلميا توجد أسماء، ويوجد بعض قيادات، لا يمكن أن تنهض، لكن هذا يتوقف ، على ما يطرحه بعض المفكرين والمثقفين التقدميين الفلسطينيين، مثلاً إذا كان هناك فشلاً، لماذا لا نستفيد منه مثلاً لنستنهض قوة جديدة، هذا الموضوع بتقديري يتوقف على القوى التي ترغب في تجديد نفسها، والموضوع برأيي ليس موضوع أسماء، أو أشخاص، وإنما موضوع برامج، وتفكير، ومواقف سياسية، برأيي هذا هو الموضوع، وليس أن هذا الاسم، أو هذا الشخص انتهى، يجب أن نعترف بأن قوى عديدة فشلت.
ولكن، إذا اعترفت هذه القوى بفشلها، يجب أن يتم الاستفادة منها ومن تجربتها من قبل الشعب الفلسطيني والثورة الفلسطينية، لأنها بهذا المعنى تملك الاستعداد لتجديد نفسها، ولأن الأشياء ستفرض نفسها، مثلاً، إذا كانت هناك الآن قوى تشكل وزنا كبيرا، وقامت هذه القوى بنقد نفسها، وإذا اعترفت بفشلها، فإن ذلك يفضي لاستعدادها لتجاوز فشلها عبر تصحيح مواقفها، وتجديد نفسها، مما سيفضي إلى اندماجها مجددا بشكلٍ صحيح في مسيرة النضال، وهذا بحد ذاته مكسب للثورة وللشعب الفلسطيني سيفرض نفسه، ولكن، لا يجوز بتقديري أن نأخذ الموضوع فقط على أساس أن هناك قوى فشلت وانتهت، المهم أن تمتلك تلك القوى الشجاعة على الاعتراف بفشلها وأن تمتلك أيضا الاستعداد لتغيير نهجها الذي انتهى بها إلى الفشل.
ان ممارسة النقد الذاتي، هو ان تنقد تجربتك يعني ان تعدل من مسارك وفكرك، في التعامل مع المعطيات المرحلية، وان تحافظ على الثوابت، أضف الى ذلك ان تعلقه بالاطفال يتجاوز المستويين العاطفي والرمزي الى الايمان بالمستقبل، لا بكيفية غيبية، وعلى شبابنا ان يشحذ عقله ويشمر عن ساعده ويندفع للعمل، متخطيا اخطار التهميش والاستلاب والاغتراب، وان ينمي روح التمرد الايجابي ، لان التجديد لا يمكن أن يتم من خلال الأشخاص فقط، التجديد يجب أن يتم من خلال الرؤية، من خلال البرامج، من خلال البنية التنظيمية. بمعنى الهيئات، ومن خلال الأشخاص أيضا.
وامام كل ذلك نرى ايضا ان على هذه القوى ان لا تبقى عاجزة عن اخذ دورها في منظمة التحريرالفلسطينية ومؤسساتها ، من خلال العمل الديمقراطي والشراكة الوطنية ، نحن نريد التمسك بمنظمة التحرير ومشروعها الوطني، ولكننا في الوقت نفسه تريد ان نكون شركاء حقيقين في كل مؤسسات المنظمة فلا يجوز ان نبقى اسماء او يسمى هذا التنظيم او ذاك بعض المحسوبين عليه في بعض المؤسسات او اللجان ويبعد المناضلين عن ذلك طبعاً هناك فصائل لا توافقنا على هذا الرأي.
ختاما : في ضوء هذه الرؤية، ستبقى اقلامنا تكتب الحقيقة نحن لا نوجه سهامنا لاحد بقدر ما نراه اليوم من ممارسات خاطئة ، وسنبقى ملتزمين بقضايا النضال العربي بشكل عام، والفلسطيني بشكل خاص، باعتبار أن الشعب الفلسطيني يحظى بدور استثنائي وأولي في مواجهة المشروع الصهيوني، والغاية الأساسية هي إعادة قراءة التاريخ والتجربة بعقل نقدي، علمي وهادئ إلى أبعد حد، وذلك للمساهمة بارتقاء رؤية وأداء قوى النضال إلى مستوى الأداء والمعايير اللذين يضبطان ممارسة المشروع النقيض من خلال مغادرة حالة التخلّف إلى مرحلة النهوض والتقدم والانتصار، ورسم برامج عمل واضحة وخطط جادة، من كل القوى والفصائل والأحزاب الفلسطينية والعربية، ومهمة كل المثقفين الفلسطينيين والعرب، لانه يجب علينا جميعا أن نسهم في إمكانية جدية لبلورة مشروع متكامل حتى نستطيع هزيمة المشروع الصهيوني ودحره عن ارض فلسطين واستعادى الاراضي العربية المحتلة.
كاتب سياسي