الأموال تزيغ العقول، والأموال تنيخ الذلول، والأموال تفتح الشهية للطمع والسرقة والنهب والتدليس، والأموال التي لا تخضع للمحاسبة والمسائلة والمراقبة والتدقيق يسهل السطو عليها، والتغطية على كل أشكال النصب بتقارير أو فواتير مزورة، ولعل تجربة الثورة الفلسطينية من أغنى تجارب الشعوب في هذا المضمار، وهنالك مئات قضايا الفساد المالي الذي بلغت عشرات المليارات من الدولارات المفقودة، والتي لم تستطع أن تلاحقها لجنة مكافحة الفساد، ولم تستطع أن تسترد منها سنتاً، وهنالك مئات الهاربين بأموال الشعب الفلسطيني، ومنهم من يوظف مال الشعب لمحاربة الشعب، والتآمر عليه.
الأموال المقدمة للشعب الفلسطيني مخصصة لعمار غزة، لأن المؤتمر الذي عقد في القاهرة خصص لإعادة اعمار غزة، فكيف تحول نصف المال المجلوب إلى ميزانية السلطة في رام الله، ليكون نصيب غزة المنكوبة النصف فقط؟ إن هذا التطفل على مال اعمار غزة، وحرفه عن مساره، ليعطي إشارات تحذير كبيرة، وليفرض على حركات المقاومة في غزة أن ترفع صوتها عالياً، ولاسيما أن اللجنة العليا لعمار غزة تتضمن شخصيات من الضفة الغربية، وهذا أولاً، أما ثانياً، فقد تأكد أن الوفد الفلسطيني الذي حضر مؤتمر القاهرة لا يمثل ألوان الطيف السياسي.
الأموال المقدمة لعمار غزة خط أحمر، لقد دفعنا مقابلها دم أولادنا، وزهوة حياتنا، وعليه فإن الرقابة على أوجه صرف الأموال يجب أن تكون شعبية ورسمية وتنظيمية وأهلية وعربية ودولية، فنحن شعب شكاك بحكم التجربة، ونريد أن نطمئن على مستقبل شعبنا، ولاسيما أن رقابة المجلس التشريعي على أوجه الصرف لما تزل غائبة، ورقابة الضمير الثوري ثبت زيفها، بعد أن تحولت أموال المانحين طوال سنين إلى حساب شخصيات لما تزل تمارس الحكم والسياسة.
لن يفوتني في هذا المقام أن أهنئ أخي وحبيبي طارق ابن الرئيس محمود عباس، الذي اشترى فندن فور سيزونز الفاخر في عمان بمبلغ 28 مليون دينار أردني فقط.