وسط ذهول الحراس، دخل خليل الوزير أبو جهاد مكتب الرئيس محمود عباس، دخل وهو يلوح بقبضته، ويهتف للمقاومة، ويلعن كل من يضع يده في يد الصهاينة.
في البداية، تفاجأ السيد محمود عباس، وبدا مرتبكاً من مشهد الرجل الغاضب، فحاول أن يبتسم في وجه أبي جهاد، وهو يمد إليه يده مصافحاً، ويردد: أهلاً أخي أبي جهاد، أهلاً قائد الثورة، تفضل، البيت بيتك، والثورة ثورتك.
لكن أبو جهاد الغاضب يرفض مصافحة عباس، ويصرخ في وجهه: ما الذي أسمعه من الناس يا محمود عباس؟ هل حقاً أنك تمنع المقاومة؟ هل حقاً تقوم بسجن المقاومين؟ هل صحيح ما جاءني عن التنسيق الأمني، والتعاون مع المخابرات الإسرائيلية ضد المقاومة؟ هل حقاً تعترف بإسرائيل، وتتلقى منها السلاح والرصاص لحراسة طرق المستوطنين الالتفافية؟
يتمالك محمود عباس نفسه، ويبلع ريقه، ويهمس بهدوء: نعم يا أخ أبو جهاد، كل ما ذكرته صحيح، ولا نقوم بكل ما سبق إلا حرصاً على الثوابت الوطنية، ولمصلحة شعبنا!!
ينتفض أبو جهاد بغضب، ويقول: هذا عار، منذ اللحظة لن أسمح بالتنسيق الأمني، منذ اللحظة سأشرع بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي بكل ما أوتيت من بأس؛ بما في ذلك المقاومة المسلحة، وسأحاسب بقسوة كل من يضع يده في يد الإسرائيليين، وينسق معهم أمنياً.
تمالك محمود عباس نفسه، وقال بكل ثقة: يا أخ أبو جهاد، أنت غريب عن هذه الديار، وأنت بعيد عن الواقع، ولا تدري عن المتغيرات الموضوعية شيئاً، ولا تعلم ظروفنا الذاتية ً، فلا تتسرع، تريث حتى تتذوق حلاوة أيامنا، وتشاركنا بهجة السلطة، وبعد ذلك تصرف.
أبو جهاد يتقدم في اتجاه محمود عباس، يدفعه جانباً، وهو يصرخ بغضب: لا، ليس من عادة الثوار أن يستسلموا للواقع مهما كان صعباً، وليس من طباعهم الغرق في ملذات الدنيا، لا للاعتراف بإسرائيل، ولا حياة مع المذلة، ولا قيمة لحياتنا بلا مقاومة، سأبدأ من اللحظة مقاومة الصهاينة، وسأبدا بمحاسبة العملاء فوراً.
يتمالك السيد محمود عباس نفسه، يكظم انفعالاته، وينظر باتجاه أبو جهاد، وهو يحرك يده للحراس بإشارة سمحت لهم بالانقضاض على خليل الوزير، لقد ألقوة أرضاً، ووضعوا القيود في يديه، وجروه إلى زنزانة في إحدى سجون الضفة الغربية
في الزنزانة: يئن أبو جهاد، وهو يلوح بيده: أنا أبو جهاد، أنا قائد الثورة الفلسطينية، أنا رفيق درب أبي عمار، أنا قائد القطاع الغربي، أنا الذي اغتالتني إسرائيل في تونس، وتركت غيري يتربع على الكرسي، أنا الذي خرجت الضفة الغربية وغزة ثائرة يوم استشهاده، أنا عاشق فلسطين، أنا الذي أفنى عمره في الثورة على أمل الانتصار!!!
في مساء ذلك اليوم، أصدرت اللجنة المركزية لحركة فتح بياناً أدانت فيه خروج أبو جهاد عن الإجماع الوطني، وخيانته للأمانة، ومحاولته إفساد حالة الاستقرار السائدة في المنطقة، وقررت فصله من عضوية اللجنة المركزية نظراً لارتباطه بالمخابرات الإسرائيلية.
بعد منتصف الليل، أعلنت إسرائيل أنها ألقت القبض على المخرب خليل الوزير، وأنه قد تم نقله إلى السجن نفسه الذي يقضي فيه السجين مروان البرغوثي حكم المؤبد.