قناة عربية قطرية أصبحت وخلال سنوات مثار جدل ونقاش ... وصل الى حد الاتهام ... من خلال ما تحاول قناة الجزيرة اشعاله واثارته وتغذيته بالعديد من الدول من جبال قندهار وافغانستان وحركة طالبان والقاعدة وحتى داعش وجبهة النصرة وما بينهما من قوى متطرفة لا هدف لها الا مزيدا من القتل وسفك الدماء واثارة الفوضى تحت شعارات ومسميات لا علاقة لها بديننا الحنيف ... لكنها بالمؤكد ترجمة واضحة للسياسة الامبريالية التي تحاول زعزعة استقرار وامن المنطقة من خلال ما يسمى بالفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد والكبير وتقسيم المقسم وتجزئة المجزئ .
اعلام مسيس وممول بميزانية دولة وربما أكبر وأكثر من دولة وجهة لتحقيق أغراض لا علاقة لها بنقل الخبر وتحليله ... ولا بتعزيز الديمقراطية وممارستها ... ولا بإظهار الرأي والرأي الاخر ... بل أصبحت الرسالة الاعلامية للجزيرة رسالة مفخخة وملغمة وفيها من عوامل التفجير بأكثر من عوامل التهدئة والاستقرار ووحدة الشعوب وحقها في ممارسة الديمقراطية وتداول السلطة بالطرق القانونية والدستورية ومن خلال الانتخابات الديمقراطية .
ليس لقناة الجزيرة او لغيرها من القنوات الاعلامية مهمة التدخل بالشؤون الداخلية للدول بقدر ما تؤدي دورها الاعلامي في نقل الحدث وتحليله بعيدا عن الاثارة والتشويش واثارة الفوضى وخلق القلاقل والاضطرابات من خلال ممارسة التحريض والتعبئة الزائفة ومن خلال معلومات خاطئة وفكر منحرف .
فمن مارس العمل الاعلامي ولسنوات طويلة يستطيع قراءة المواقف التي تنتهجها مثل هذه القناة والتي يصعب على المشاهد العادي اكتشاف مدى الخلل والتناقض بالرسالة الاعلامية ومحاولة زرع بذور الفتنة وعدم الثقة ... سياسة اعلامية تنفرد فيها الجزيرة والتي تترجم سياسات وتعبر عن مواقف محددة بعيدا عن الاعلام الحيادي والمهني والرأي والرأي الاخر كشعار تحاول تمديده وتسويقه على المشاهدين ... وهذا ما سوف أحاول توضيحه من خلال النقاط التالية :
أولا: في صلب العمل الفني الاعلامي البرامجي ... وعندما يكون هناك برنامجا سياسيا بعنوان محدد تقوم الجزيرة باستضافة أشخاص غير متكافئين بمعنى ضيف الجزيرة الرئيسي وصاحب الفكر والانتماء والموقف والضيف الاخر (الديكور) الأقل خبرة وامكانية وحتى لو امتلك ذات القدرات مع ضيف الجزيرة يكون الخلل في أداء الحوار وطبيعة الأسئلة هل هي من نوع الأسئلة الاسترسالية المفتوحة أو من نوع الأسئلة المغلقة والتي تحتاج لإجابة بنعم أو لا فالذي يحصل في واقع برامج الجزيرة أن يتم طرح السؤال على ضيف الجزيرة الرئيسي صاحب الفكرة والتوجه للاسترسال بالإجابة واعطاء كم كبير من المعلومات الخاطئة والمغلوطة والتي يصعب تفنيدها في الوقت القصير الذي يمنح للضيف الاخر وتدخل المحاور بإيقافه عدة مرات وارباكه ومن ثم التحول الى ضيف الجزيرة صاحب الفكرة والانتماء والسياسة ليسترسل مرة أخرى وعندما يعود الى الضيف الاخر بعد المدة الكافية التي أخدها ضيف الجزيرة تكون المقاطعة ويبدأ المحاور في الحديث عن الوقت الذي لا يسمح بالخروج عن موضوع الحلقة مع أن ضيف الجزيرة صاحب المكان يكون قد خرج ودخل وفعل ما يشاء في موضوع الحلقة وغيرها وأوصل ما يريد دون موانع زمنية ودون أدنى تدخل للمحاور الا في اتجاه الاثارة والاشعال وزيادة حدة الخلاف وتنتهي الحلقة دون أن يكون هناك رأي ورأي اخر بل رأي واحد وضيف اخر (ديكور) ويشعر عندها المشاهد البسيط أن ضيف الجزيرة صاحب المكان والفكرة والسياسة قد ملئ الفضاء وأقنع المشاهدين بما قاله من مغالطات وأخطاء تصل الى حد التحريض والاساءة الشخصية للضيف الاخر وحتى الى بلده .
ثانيا : التسهيلات المفتوحة وعدم الممانعة بحرية الحركة المطلقة والتي لا تستطيع قنوات اخرى الحصول عليها يضع الكثير من علامات الاستفهام حول قدرة هذه القناة التي تتعدى حدود أنها وسيلة اعلامية ... فالمتابعة الاعلامية ترى أن مراسلي الجزيرة ومع احترامي لشخوصهم وعدم المساس بوطنيتهم يتواجدون من البيت الأبيض الى جبال قندهار وسهول طالبان والقاعدة وحتى داعش في العراق وسوريا وما بينهم وما يتعداهم من تشكيلات لا زالت تلاحقهم علامات الاستفهام حول مصادر تمويلهم بالمال والسلاح ومدى قدرتهم على التحرك ما بين الدول مما يزيد من التساؤلات حول امكانية تحرك المراسلين الى أكثر المناطق سخونة ومواجهة وقتال دامي وداخل جماعات تكفيرية ارهابية تقتل الصحفيين والمدنيين وكل من يقابلهم باستثناء الجزيرة المنطلقة ببثها المباشر وتقاريرها المصورة .
ثالثا : التقارير المصورة ومدى صحة الانسرتات من حيث الزمان والمكان وطبيعة الحدث الذي تم من خلاله عملية التصوير واللقاءات والخلاصة والاستنتاج والمراد ايصاله بحسب موضوع التقرير فاذا كان التقرير الغرض منه تأكيد الفكرة والسياسة التي تنتهجها الجزيرة سنجد العديد من الألغام ومحاولة تبرير بعض المفردات والكلمات التي ستؤدي في نهاية المطاف الى خلاصة مركزة تسعى لإقناع المشاهد بفكرة التقرير وما وصل اليه بالاستنتاج .
رابعا: الديمقراطية والتي تتغني بها الجزيرة من حيث المكان ومصادر التمويل التي لا تؤمن بالديمقراطية ولم تمارسها ... ومحاولة الجزيرة أن توصل رسالة للمشاهد أنها الأحرص على الديمقراطية وممارستها داخل المنطقة العربية ... ولكن ليس كل المنطقة العربية بل بحسب التوجهات والسياسات المرسومة والمكلفة بها القناة للتطبيل والتزمير ... وفتح البرامج المباشرة واستقبال الاتصالات المبرمجة والمنظمة والمحددة ... بمعنى اتمام الطبخة الاعلامية بالمحتوى والمذاق الذي يسهل تناوله وتصديقه ... برغم كل ما في داخله من ديماغوجية وتلفيق واضح وادعاءات لا تمد للحقيقة بصلة .
خامسا : مصطلحات ومفردات سياسية اعلامية يتم ترديدها والحديث عنها بنشرات الأخبار وفي داخل التقارير الاخبارية وعبر المراسلين ومن خلال الاسئلة المطروحة على ضيف الاستوديو لتحليل الخبر أو عبر البث المباشر أو الاتصال الهاتفي مع ضيوف اخرين والدفع بما يراد قوله واثباته بحسب سياسة الجزيرة والممولين لها .
سادسا : بإمكان الجزيرة القطرية أن تعلن وبصراحة وعلى الملأ انها تنفذ أجندات محددة وتطبق سياسة معينة وتؤيد دول وجماعات معروفة وأن تترك الاختيار للمشاهد في تبيان الحقيقة ... لا أن تدعي الحقيقة المطلقة بمنظورها وعبر سياساتها ومضمون رسالتها الاعلامية... وأن لا تسمح لنفسها بالتدخل بالشؤون الداخلية للدول تحت غطاء الاعلام.
سابعا : الجميع يعرف أن قناة الجزيرة القطرية ترجمة وتطابق للسياسة القطرية وهذا شيء طبيعي بحكم المكان والملكية والتمويل ولا غضاضة في ذلك ... لكن الاستمرار بالحديث عن الحياد والمهنية والمصداقية والرأي والرأي الاخر ... وما يجري في الواقع من اشعال للفتن الطائفية وتغذية الخلافات ما بين القوى المتناحرة ... وتعكير أجواء النسيج الاجتماعي والسياسي داخل العديد من الدول سيبقى مثار تساؤلات وعلامات استفهام حول طبيعة الأهداف التي من أجلها كانت الجزيرة ورسالتها الاعلامية .
ثامنا : الجزيرة ترى بأعينها وحسب سياساتها ... ولا ترى الحقيقة خاصة اذا ما تعارضت وتوجهاتها وعلى سبيل المثال وليس الحصر ... في مصر تم عزل الدكتور محمد مرسي عن منصب رئيس الجمهورية من خلال ثورة 30 يونيو وخروج ما يزيد عن 30 مليون مصري مطالبين بعزله ورحيله وادعاءات الجزيرة بأن ما حدث في مصر انقلابا وهذا مخالف للحقيقة ولكافة المتابعين للشأن المصري لأن الانقلابات لها طريقتها ومظهرها وأهدافها وهذا ما كان يحدث في العراق في عهد عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف وما كان يحدث في سوريا في عهد نور الدين الأتاسي وحافظ الأسد وما حدث في دول عديدة في افريقيا ... لكن ما حدث في مصر ثورة شعبية وارادة شعب قد قرر ... وانتخابات ديمقراطية قد تمت ... ورئيس قد تم انتخابه ... ودستور جديد قد تم تنظيمه والاستفتاء عليه ومرحلة انتقالية وقد تولى مسؤولية رئاسة الجمهورية اقامة جمهورية كبيرة أي أننا شاهدنا الديمقراطية الحقيقية وتداول السلطة ما بين رئيس انتقالي ورئيس منتخب ... ولا زالت قناة الجزيرة على موقفها مع أن موقفها لا يسمن ولا يغني من جوع ولا يغير مجريات الأحداث وتطورها ولا يمكن للحقيقة ان تغطى بغربال .
تاسعا : نحن لا ننكر ما قامت به قناة الجزيرة من نقل الحدث الفلسطيني وخاصة في ظل الاستهدافات المستمرة من قبل هذا الاحتلال المجرم, وكل التحية لمراسلي الجزيرة وما قاموا به من نقل للأحداث وما أكدوه من مهنية عالية وشجاعة فائقة ووطنية خالصة ... لكن هذا لا يعني أن تغطية الجزيرة عبر سنوات الانقسام لم تكن حيادية واثارت في النفوس غضاضة ولم تكن القناة عاملا مساعدا لا نهاء الانقسام وتخفيف ما ترتب على الانقسام من سلبيات ومشاعر ومواقف لأنها التزمت بالميل الى جانب دون الجوانب الأخرى من المشهد الفلسطيني العام.
بالمقابل مظاهرات للمعارضة في تركيا واستخدام العنف من قبل الشرطة لا نرى الجزيرة تتحدث وتحلل وتفتح البرامج المباشرة مع أن تركيا فيها طوائف عديدة ولهم حقوق متعددة وبإمكان الجزيرة أن تمارس ديمقراطيتها وأن تحقق الرأي والرأي الاخر الا أنه يبدو أن التوجهات بعكس ذلك كما في السودان كما في قطر بحد ذاتها .
قناة الجزيرة وأن تعلن انتمائها ومصدر تمويلها ومنهجها والأهداف المراد تحقيقها يسهل عليها مهمتها ولا يجعلها في موقف التساؤل والى حد الاتهام.
الكاتب/
وفيق زنداح