لا تكمن أهمية تصويت البرلمان البريطاني لصالح قيام دولة فلسطينية في البعد السياسي فقط، بل تعدى الأمر ذلك إلى أبعاد اجتماعية ونفسية وتاريخية؛ تعكس وجدان مجتمع غربي ضج من كذب اليهود، وضاق ذرعاً من الممارسات العدوانية الإسرائيلية.
لقد فضح رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون نفسه حين صوت ضد القرار، ليؤكد من خلال وقوفه مع الأقلية الضئيلة جداً في البرلمان، أن ما تمارسه بريطانيا من سياسة خارجية تجاه القضية الفلسطينية يتعارض مع قناعة أغلبية الشعب البريطاني، الذي يعكس بوعيه السياسي التحول في عقلية المجتمع الأوروبي بشكل عام، وليس في عقلية بريطانيا التي يعتبرها البعض ترمومتر المتغيرات الغربية التي عبرت عنها رسمياً دولة السويد.
تصويت البرلمان البريطاني لا يعني تصويب المواقف السياسية البريطانية من القضية الفلسطينية، تصويت البرلمان البريطاني يعكس ما يتفاعل في وجدان المجتمع الغربي من كراهية لليهود بشكل عام، وهذا ما عبر عنه قادة التجمعات اليهودية في أوروبا، الذين حذروا في أكثر من مناسبة قادة إسرائيل من ردة فعل المجتمع الغربي، الذي عبر عن غضبه من صمت الحكومات على مواصلة الاستيطان في الضفة الغربية، ومواصلة حصار قطاع غزة، وتواصل العدوان العسكري الإسرائيلي ضد المدنيين هناك، وقد صار التحذير الرسمي من عبور الكراهية لليهود إلى كل قارات العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها، التي شهدت في الفترة الأخيرة عدة مظاهرات شعبية حاشدة مناوئة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
من المؤكد أن التحولات العميقة في الفكر الغربي تجاه اليهود بشكل عام، وتجاه دولة إسرائيل بشكل خاص، هذه التحولات ستكون لها انعكاساتها المباشرة على السياسية الإسرائيلية تجاه قطاع غزة تحديداً، الذي مثلت فيه البطولة من جهة، وصمود الشعب الفلسطيني من جهة أخرى أسس التحولات في الرأي العام الدولي تجاه القضية الفلسطينية، ولاسيما أن صرخة الدم الفلسطيني قد نفضت غبار الكذب عن ذاكرة أوروبا، وأعادت لها صحوة الضمير.
من حق قادة إسرائيل أن يكونوا الأكثر قلقاً من مستجدات الوعي الجماهيري في أوروبا، لذلك سيحرص الإسرائيليون على فك الحصار عن قطاع غزة، وفتح المعابر في الأيام القادمة على مصراعيها، وإدخال كل ما كان ممنوعاً بما في ذلك مواد البناء، والهدف هو إعادة اعمار غزة سريعاً، لإخفاء آثار الجريمة التي تذكر العالم بحقيقة دولة اليهود الإرهابية.