كيس كيري وهيبة الشرطي

بقلم: أسامه الفرا

عادة ما تلاحق وسائل الاعلام الدولية وزير خارجية اميركا علها تستحوذ على سبق صحفي، أو حتى كلمة يدلي بها يكون لمفاعيلها اهتزازات قوية في اسواق المال العالمية، لكن هذه المرة لم تجد وسائل الاعلام لدى الوزير "جون كيري" ما يشبع رغبتها، سوى كيس البلاستيك الذي يمسك به "كيري" بيده اليمنى في قاعدة أندروز الجوية، وهو يهم بركوب الطائرة التي تقله إلى الشرق الأوسط للمشاركة في مؤتمر إعادة إعمار غزة، اهتمام وسائل الإعلام بكيس "كيري" فاق اهتمامها بكلمته في مؤتمر إعادة الإعمار، بات الكيس هدفاً للصحفيين لإطلاق تخميناتهم حول محتوياته، المؤكد أن ما بداخله ليس له علاقة بالحرب والسلم الدوليين، حيث الحقيبة في يده الأخرى تتكفل بالأوراق والملفات ذات الأهمية.

تحدث كيري في مؤتمر إعادة إعمار غزة، لم تحمل كلمته هذه المرة ملامح سطوة شرطي العالم، تاهت مفرداتها وسط زحمة الخطابات المركزة التي تحدث بها المشاركون سواء من سبقه في الحديث أو من جاء بعده، لم يتضمن خطابه شيئاً يذكر يمكن التوقف عنده، الجمل فقدت بريقها ولم تعد تصلح للتداول، وهي غير قادرة ألبتة على تطويع الإرادة الدولية وترويضها في الحظيرة الاميركية كما جرت العادة في السابق.

العالم لم يعد يحتمل صلف وعنجهية الحكومة الاسرائيلية، ولم يعد في الوقت ذاته قادراً على تجرع الموقف الاميركي الحاضن والداعم للغطرسة الإسرائيلية، صحيح أن الإدارة الاميركية ما زالت تمسك بناصية العالم وتقوده إلى حيث تريد، لكن الواضح أن قبضة اميركا لم تعد بذات القوة التي كانت عليها في الماضي، ولم يعد بمقدور وزير خارجيتها مخاطبة زعماء العالم بصيغة الأمر، كما فعلت وزيرة خارجية اميركا السابقة "كونداليزا رايس" حين التقت بقادة الدول الكبرى في روما وأبلغتهم بصيغة القرار المطلوب تبنيه في مجلس الأمن إبان الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، يومها لم تترك الفرصة للحضور للتعقيب أو إبداء ملاحظاتهم.

لا يعني ذلك ألبتة أن الإدارة الاميركية فقدت قدرتها على لعب دور شرطي العالم، ولا يلوح في الأفق نيتها التخلي عن هذا الدور، لكن الواضح أن شرطي العالم فقد الكثير من الأصدقاء، ففي الوقت الذي كانت فيه كوبا تغرد منفردة في عدائها لاميركا وسط جمهوريات الموز، خرجت اليوم دول اميركا اللاتينية من بيت الطاعة، وباتت تصوغ مواقفها السياسية والاقتصادية بعيداً عن الهيمنة الاميركية، والربيع العربي الذي حمل ملامح الصناعة الاميركية عاد بالسلب على اميركا في علاقاتها بدول الشرق الأوسط، حين لمس الجميع أن الادارة الاميركية لم تدافع عن أصدقائها في المنطقة بل أنها خططت وساعدت على الإطاحة بهم.

الأزمة المالية التي عصفت بدول الاتحاد الأوروبي كشفت حقيقة "سوبرمان العالم" في عجزه عن مد يده لمساعدة المتعثر منها، وجاءت فضيحة التجسس على هواتف قادة دول الاتحاد الأوروبي، بمن فيهم الأكثر قرباً وصداقة مع الإدارة الاميركية، ليزيد الطين بلة، يضاف على ذلك أن دول الاتحاد الأوروبي باتت تستشعر خطورة الإرهاب عليها، وهي تدرك قبل غيرها الدور الاميركي في صناعته.

حدد "كيري" مساهمة بلادة في إعادة إعمار غزة بمبلغ 212 مليون دولار، وهو اقل مما تعهدت به بعض الدول الصغيرة في العالم، وعاد إلى موطنه ليجد أن اسواق المال الاميركية فقدت 744 مليار دولار من قيمتها المالية في غضون ثلاثة أيام، اجتهدت وسائل الاعلام في محاولة فك شفرة كيس البلاستيك ومحتوياته، وهذا الاهتمام له ما يبرره حين فقد شرطي العالم الكثير من هيبته.