انعكست الأوضاع الجيو سياسية غير المستقرة في العالم العربي وخصوصاً الصراع الدائر بسوريا والعراق على أسعار النفط , حيث مع عدم الاستقرار الأمني وتراجع حجم الطلب العالمي على المشتقات النفطية, انخفضت أسعار سعر البرميل دون المائة دولار , حيث انخفض سعر برميل خام برنت بحدود 20% ليصل إلى أدنى مستوى له منذ العام 2010 في ظل استمرار حالة الركود الاقتصادي الناجمة عن الأزمة المالية العالمية 2008 , هذا التراجع في سعر النفط سينعكس بالسلب على أداء الاقتصاديات وخصوصاً الدول المصدر ة للنفط كدول الخليج وأهمها السعودية أكبر مصدر للنفط بالعالم والتي تقترب صادراتها اليومية من حدود 10 ملايين برميل أي قرابة ثلث صادرات دول الأوبك البالغة يوميا 30 مليون برميل , هذا الانخفاض في الأسعار سيشكل ضغط على الموازنة العامة لتلك الدول عبر تقليص النفقات أو تقليل الدعم وهذه السياسات التقشفية تعيد بالأذهان لمشكلة الاقتصاد العربي ولطبيعة الاقتصاد النامي والفقير والتابع لدول المركز المتقدم , فعلى الرغم من امتلاك تلك المنطقة المهمة في العالم لمصادر الطاقة والثروات الطبيعية والمناخ الجيد والذي تاريخياً كانت سبباً لتوغل المغول والتتار سابقاً في الشرق, حجم الثروات الكبير وخصوصا الفوائض المالية والتي من المتوقع وصولها وحسب تقارير عدد من الخبراء لحدود 34 تريليون دولار في العام 2030 لم ينجم عنها أي تغيرات ملموسة يشعر بها المواطن العربي ولم تؤسس لمرحلة من الاعتماد على الذات وتقليص الاعتماد على النفط وأحادية التصدير لتلك البلدان حيث تعتمد هياكلها على النفط كأهم مكون للناتج المحلي الإجمالي والذي يزيد عن ثلثي الموارد المكونة للناتج المحلي الإجمالي وعنصراً رئيسيا لتمويل الموازنة ذات الطابع الريعي واللا منتج, وفي المقابل فإن انخفاض أسعار النفط يصب في مصالح الدول المستوردة له حيث تبلغ الفاتورة السنوية لتجارة النفط تريليون دولار ومع انخفاض الأسعار لحدود 8% فإن الدول المصدرة قد فقدت 80 مليار دولار خلال الأيام القليلة الماضية , انخفاض الأسعار وارتفاع مستويات الاستهلاك الترفي بدول الخليج واستمرار الأزمة المالية العالمية منذ العام 2008 وفقدان الصناديق السيادية لها بأسواق المال لنسبة كبيرة من أرصدتها ينذر بأزمة اقتصادية وإن كانت استناثية بدول الخليج خلافا لمرحلة ارتفاع الأسعار في الفترة 1978-1974وهي الفترة الذهبية لتلك الدول والتي حققت فوائض كبيرة ناجمة عن ارتفاع الأسعار بحدود 400% ورغم تلك الفوائض إلا أنها ذهبت للاستهلاك والباقي استثمر في البورصات المالية العالمية وخصوصا أسواق الأسهم والعملات والتي كانت فريسة سهلة لموجة الابتكارات والتكنولوجيا المستحدثة بواسطة مهندسو المال بكبرى الأسواق وخصوصا نيويورك والتي استطاعت أن تكون كالنبوت الذي يضرب بكل قوة في هذا الجسد الكبير من الثروات عبر انصياعها وخدمتها لتلك المؤشرات والرموز المالية الافتراضية , الاعتماد الكبير لتلك الدول على الاستثمارات المالية رغم اشتداد الأزمة ينذر بسنوات رمادة وعجاف في الاقتصاد الخليجي , ما لم تعيد تلك الدول سياساتها الاقتصادية وخصوصا فيما يتعلق بقطاعات التنمية الاقتصادية , وللتجربة النرويجية إسهامات في ذلك ومنها أن جعلت 4% من عوائد النفط في خدمة قطاعات اقتصادية أخرى , وهو ما تسعى الآن الامارات العربية المتحدة فعله من تقليل الاعتماد على النفط والاهتمام بقطاعي العقارات والسياحة وما زالت تلك الخطوات بطيئة كالسلحفاة ولا ترتقي لمستوى الثروة التي تمتلكها.
ويمكن القول أن العقود الثلاثة الأخيرة ورغم تعدد الأزمات الاقتصادية التي تعرض لها الاقتصاد العالمي كان لرؤوس أموال الخليج دوراً في كبح جماحها وخصوصا ً أن الفوائض هي بالدولار الأمريكي ووجودها بأسواق الدول المتقدمة , وأن خسائرها زادت عن انتاج ودخل النفط لعدة شهور في بعض السنوات وتحديداً بعد أزمة 2008.
تلك الفوائض المالية التي تزيد عن حجم الاقتصاد الحقيقي في الخليج ستكون كالثلج قاسي ولكن في انهيار التوت والنبوت !!