فلسطين واختبار مجلس الامن

بقلم: عباس الجمعة

امام الضغوطات العربية والدولية التي تتعرض لها القيادة الفلسطينية لمنعها من التوجه لمجلس الامن الدولي ، ندرك ان هذه التراجعات في الوضع العربي هي من اوصلت الشعب الفلسطيني إلى ما نحن فيه، لم تكن معزولة أبداً عما جرى و يجري في المنطقة من ازمات تقودها قوى ارهابية ملتزمة بثقافة القوة العنصرية وبتوجهات لصلف الامبراطورى الامريكي المهيمن على العالم، إلا أننا ندرك أيضاً أنه لولا هذه التراجعات العربية ومواقف بعض الدول الاوروبية التي شكلت قاعدة و مناخاً عاماً عبر أدواتها السياسية ، بهدف الضغط على القيادة الفلسطينية لوقف التحرك باتجاه الأمم المتحدة والطلب من مجلس أمنها التصويت لمصلحة مشروع قرار يعترف بدولة فلسطينية مستقلة على حدود العام 1967 وجلاء الاحتلال خلال فترة زمنية، هذا بالإضافة إلى ضغوط مشابهة حصلت خلال مؤتمر إعمار غزة على القيادة من قبل عواصم عربية أيضا تعلن غير ما تخفي من المواقف تجاه الفلسطينيين وكلها تهدف للعودة الى المفاوضات ، فإن ذلك لا يعني الصمت أو الركون و الاطمئنان، لأن الصراع المستمر مهما كانت الظروف سيستمر، لان من حق الشعب الفلسطيني ان يعيش مثله مثل بقية شعوب الارض على ارض وطنه بدولته المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس .
ونحن اليوم على مقربة من ذكرى اعلان الاستقلال الوطني وذكرى استشهاد الرئيس الرمز الشهيد ياسر عرفات الذي حمل بندقية الثائر بيد وغصن الزيتون باليد الاخرى على اعلى منبر في الامم المتحدة ، علينا ان نقول ان الشعب الفلسطيني لا يمكن ان يتخلى عن فلسطين مهما كانت مواقف الادارة الامريكية ، فهذا الشعب العظيم الذي قدم التضحيات الجسام يناضل من أجل نيل حقوقه المشروعة وتحويل دولته إلى واقع ملموس ، من خلال حق تقرير المصير وتجسيد إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وضمان حق العودة لابناء شعبنا اللاجئين الى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها وفق القرار الاممي 194 .
ان القرار الفلسطيني بالتوجه الى مجلس الامن الدولي بعد خطاب الرئيس محمود عباس في الامم المتحدة جاء ليؤشر على إغلاق مرحلة دامت اكثر من عشرين عاما من المفاوضات الغير مجدية ، وهذا يؤسس لاستراتيجية جديدة على طريق تحقيق اهداف الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة ، هذه الاستراتيجية تشكل خطوة ا وعنصرا هاما من عناصرها وهي استراتيجية لا بد من استكمالها بعناصر اخرى قاعدتها الاساسية تفعيل المقاومة الشعبية بكافة اشكالها ضد الاحتلال وتوحيد شعبنا وزج طاقاته في هذه المعركة الى جانب تعزيز التضامن الدولى مع شعبنا في شتى بقاع الارض، خطوة لابد من دعمها ومساندتها في مواجهة الضغوط ومن يفعل غير ذلك لن يكون مفهوما على الاطلاق.
نقول ذلك وخاصة أن منظمة التحرير الفلسطينية قد أحرزت بالفعل العديد من الإنجازات على المستوى الدولي والإقليمي والعربي، بعد ان نجحت في الحصول على قرارات دولية وإقليمية تؤكد تمثيلها للشعب الفلسطيني، وعلى الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية، باعتبارها "أراضى محتلة"، وأن إسرائيل دولة قائمة بالاحتلال، وملزمة باحترام قواعد القانون الدولي الإنساني، وقوانين حقوق الإنسان.
ويتزامن التحرك الأمريكي مع إبداء عدد من الدول الأوروبية قبولها بفكرة الاعتراف بدولة فلسطينية، بعد المبادرة الجريئة لحكومة يسار الوسط السويدية الجديدة، التي أعلنت فيها نيتها الاعتراف بدولة فلسطين، وتأييد الحكومة الفرنسية مبدئياً لفكرة المبادرة السويدية، وتبني مجلس العموم البريطاني قراراً ، بالغالبية الساحقة ، يدعو الحكومة البريطانية للاعتراف بدولة فلسطين، وإن كان هذا القرار غير ملزم سياسياً أو قانونياً لحكومة "حزب المحافظين" ، إلا أنه يشكل عاملاً ضاغطاً ومؤشراً مهماً على تحول كبير في توجهات النخب السياسية البريطانية إزاء الصراع العربي والفلسطيني- الإسرائيلي، نظراً للمسؤولية التاريخية، الأخلاقية والقانونية والسياسية، التي تتحملها بريطانيا منذ وعد بلفور النكبة الفلسطينية.
ان صمود الشعب الفلسطيني وتضحياته والتضامن الدولي معه بهذا الوضوح وتعاظم التأييد العالمي لقضية شعبنا وحقوقه المشروعة في دول امريكا اللاتينية فنزويلا وكوبا والأكوادور والبرازيل والأرجنتين وتشيلي وبوليفيا حكومات وشعوب شكّلت سنداً وداعماً حقيقياً لشعبنا في الوقت الذي رأينا فيه حجم التواطؤ الرسمي العربي، وزيف ما يسمى بالربيع العربي، فينبغي استثمار هذه الانجاز المعمّد بتضحيات شعبنا وصموده وبسالة مقاومته وهي أعظم معاني الوفاء للشهداء وفي مقدمتهم الرئيس الرمز ياسر عرفات الذي اطلق بصوته الهادر اعلان الاستقلال الفلسطيني، فدرب النضال شاق وطويل على طريق دحر الاحتلال.
أن التغير الإيجابي في مواقف بعض الدول الأوروبية حيال الاعتراف بدولة فلسطينية يعضد مواقف الكثير من القوى الدولية والإقليمية الكبرى الداعمة لقيام هذه الدولة والاستجابة لحقوق وتطلعات الشعب الفلسطيني، وأبرز تلك القوى روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا.
ومن هنا نرى ان الادارة الامريكية ستسعى مع حلفائها في الضغط على القيادة الفلسطينية لتأجيل التوجه إلى مجلس الأمن والعودة إلى المفاوضات، باستخدام سلاح إعادة إعمار قطاع غزة والدعم المالي ، وهذا ما يجب الحذر منه، امام ما يتعرض له الشعب الفلسطيني.
لقد دافعت الادارة الامريكية بكافة المحافل الدولية عن هذا الكيان الاحتلالي، واستخدمت حق النقض الفيتو بمجلس الامن الدولي لمنع اي ادانة لهذا الكيان على جرائمه ، وعاقبت الدول التي ناصرت القضية الفلسطينية على مواقفها المؤيدة للحقوق الوطنية والشرعية، ودعمت هذا الكيان بالسلاح والمال بكل حروبه التي شنها على الدول العربية، وبذلت الادارات الامريكية المتعاقبة كل جهودها من اجل ان يبقى الكيان الصهيوني متفوقا عسكريا وتكنولوجيا واقتصاديا على كافة دول المنطقة، ضارية بعرض الحائط كافة المناشدات والنداءات من اجل احلال السلام العادل والشامل بالمنطقة، عززت علاقاتها معه بكل المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاستخبارية والمعلوماتية والتكنولوجية والاعلامية، حيث كان بالعديد من الحالات تظهر ان امريكا هي اسرائيل واسرائيل هي امريكا.
ونحن نرى ان هنالك خطر حقيقي، يستهدف تصفية شاملة للقضية الفلسطينية وحق العودة، لأن إسرائيل لا تريد أن تكون دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، وأن تظل تحت الإدارة والسيطرة الإسرائيلية الكاملة اقتصاديا وأمنيا، والشعب الفلسطيني لا يقبل بهذا، والرسالة الأساسية التي وجهها الشعب الفلسطيني على أرض قطاع غزة بصموده وتضحياته وبالرغم من الخسائر الكبيرة التي تحملها في هذه الحرب غير المتكافئة، فإنها كانت رسالة مشهودة ونموذجبة ، لن تقبل بمثل هذه الأمور، فهذا الشعب الفلسطيني العظيم أظهر للجميع استعداده للمقاومة والتضحية وهذا ايضا ما نراه اليوم بدفاعه عن القدس والمسجد الاقصى، لكن للاسف المشكلة تبقى في بعض الدول العربية التي تحاول ارضاء امريكا وتشغلها بحروب و مشاكل طائفية ومذهبية، حيث يدفع الشعب الفلسطيني ثمن الصمت العربي وتواطؤ بعض الأطراف.
وامام خطورة المرحلة التي نرى التحالف الامريكي الصهيوني بدعم الارهاب ، وما هذا التحالف الدولي والإقليمي لمحاربة ما يسمى "داعش" يحمل في طياته فرصة ذهبية لأطرافه من أجل تحقيق مآرب إستراتيجية تتجاوز هدفه المعلن ، ومن هذا المنطلق تتوخى إسرائيل تحقيق مكاسب إستراتيجية عدة على أكثر من صعيد، فمن جهة، تستفيد حكومة الاحتلال مما يجري من خلال الشروع في إقامة جدار عازل على طول نهر الأردن، وتكريس الإحتلال الصهيوني الإستيطاني في منطقة غور الأردن ، اضافة الى قيامها ببناء العديد من الكتل الاستيطانية في الضفة الفلسطينية والقدس ومحاولات هدم المسجد الاقصى في إطار أي تسوية نهائية للقضية الفلسطينية، بالإضافة الى الإستفادة من ارهاب داعش لزيادة التحريض على الفتنة والصراعات المذهبية والطائفية والعرقية في المنطقة، كل هذه الأهداف الإسرائيلية لا تتناقض مع الأهداف الأميركية الساعية بدورها إلى توظيف خطر داعش لأجل إعادة تجميل صورة السياسة الأميركية في المنطقة، تحت عنوان محاربة الإرهاب، وبالتالي العمل تحت هذه اليافطة لإستعادة نفوذها وتعزيزه لا سيما في العراق ومحاولة ضرب سوريا وقوى المقاومة في المنطقة .
إن وضوح الرؤيا وفهم أبعاد ما يجري الآن يشكل الخطوة الأولى نحو التصدي للآثار السلبية لما تقوم به قوى الارهاب التكفيري التي تدعمها قوى إقليمية عربية تقف من ورائها الادارة الامريكية وحلفائها لتدافع عن مصالحها ومصالح الصهيونية العالمية وإسرائيل،فهم يريدون إلتهام منطقتنا وتجزئتها لتحقيق أهدافها وأطماعها الإستعمارية.
التغيير بالموقف الفلسطيني الرسمي اصبح مطلوب دون ارضاء الادارة الامريكية من خلال والتمسك بالثوابت والحقوق الفلسطينية ،والتصدي للاحتلال ومشاريعه والمشروع الامريكي تتطلب من الجميع ان يساهم بالنهوض بالوضع الفلسطيني العام والنضال الفلسطيني، ليكون قادرا على التصدي للمخططات الصهيونية الامريكية، ويشكل حالة استنهاض جماهيري فلسطينيا وعربيا وحتى دوليا، لتعود القضية الفلسطينية الى مكانتها الدولية، وتكون بالصدارة لانها قضية شعب تم اقتلاعه من ارضه.
في كل الاحول نحن نقول على المجتمع الدولي ان لا يبقى يترجم سياسة النافق، من خلال استعماله ازدواجية معايير في تناول القضايا، فهو يعرف الحقائق ويدركها جيدا ، وبالتالي ليس أمامنا من طريق ، إلا أن نوحد صفوفنا، وأهم نقطة هي الوحدة الوطنية الفلسطينية، مما يستدعي بشكل جدي إنهاء الانقسام وترتيب الداخلي الفلسطيني، وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة جماعية فلسطينية، وإدارة الشأن الفلسطيني بشكل جماعي، ونستخلص دروس المرحلة السابقة، لأن أي رهان على العودة الى المفاوضات، برعاية أمريكية، أصبح كلام يثير للسخرية، فنحن بحاجة الى رسم إستيراتيجة فلسطينية تستند لكل اشكال النضال ، وخاصة انه بات واضحا أن هناك مخططا كبيرا يستهدف تقسيم العالم العربي وتفتيته، وإقحام كل دولة عربية في مشاكل هي في غنى عنها، وتخريبها وتدمير نسيجها الاجتماعي، وخلق صراعات مذهبية وطائفية وحرف الصراع، بدل من أن يكون الصراع مع كيان الاحتلال .
ختاما : تبقى بوصلتنا تجاه فلسطين، وارادة وصمود وتضحيات الشعب الفلسطيني صفعت بعض العرب بصمودهم، وهذا الشعب ينتظر ان تترجم اقوالهم وكلماتهم التي القيت بمؤتمر المانحين في القاهرة الى الافعال وليس اقوال من اجل اعمار قطاع غزة وفك الحصار عنه دون شروط وحتى تتمكن حكومة التوافق الوطني من اخذ دورها ، وبالتالي كفاح الشعب الفلسطيني مستمر ومتواصل، وإن الانضمام إلى اتفاقية روما تمكن دولة فلسطين من ملاحقة ومقاضاة قادة الاحتلال الصهيوني عن كافة الجرائم التي اقترفوها بحق أبناء الشعب الفلسطيني وممتلكاته.
كاتب سياسي