يكاد الحديث يتشابه بين الحجاج العائدين إلى أرض الوطن بعد أداء مناسك الحج، يسردون إنطباعاتهم التي علقت في ذاكرتهم عن رحلتهم الإيمانية، الحديث يرتبط بالمناسك بمكانها وزمانها، رحلة الذهاب والإياب عادة ما تفرض ذاتها وأحيانا تحتل مساحة واسعة في الوصف التفصيلي، جمل المديح والثناء للملكة السعودية تتقدم المشهد، بدءاً من حفاوة الاستقبال مروراً بالجهد الكبير الذي تبذله المملكة في خدمة ضيوف الرحمن، وإنتهاءاً بحجم الانفاق الكبير في تطوير المرافق المتعلقة بالحج، الجهد الذي تبذله المملكة عادة ما يرتبط بالتطوير الذي تحدثه سنوياً لتسهيل مهمة ضيوف الرحمن، في التجمع البشري الأكبر على هذا الكون المرتبط بالأماكن والمواقيت المحددة.
ما كان للمملكة السعودية أن تستحوذ على هذا القدر من المديح من قبل القادمين إليها من أصقاع الأرض، إلا من خلال عملها الممنهج في التحضير لموسم الحج، والذي يبدأ بإستخلاص العبر من الموسم الحالي لتجنب السلبيات وتعزيز الإيجابيات في المواسم القادمة، فمجرد أن ينتهي موسم الحج تبدأ المملكة مباشرة في التحضير لموسم الحج القادم، مؤكد أن سر النجاح لا يتعلق بحجم الانفاق الحكومي بقدر ما يرتبط بالتحضيرات واستخلاص العبر والدروس.
في المقابل هل نستخلص نحن الدروس والعبر؟ هل نستمع إلى الحجاج العائدين إليها لنسجل ملاحظاتهم واقتراحاتهم كي نعمل على تجنب إخفاقاتنا في المواسم التالية؟ أم أننا نكرر ذات الأخطاء دون ملل أو كلل؟، طبيعي لا مجال لمقارنة حجاج أسر الشهداء والحفاوة الكبيرة التي تهيئها المملكة لهم مع باقي حجاج فلسطين، لعل المشترك بينهم يكمن في رحلة المعاناة من غزة إلى المملكة ذهاباً وإياباً، ونحن نعي جيداً الوضع الأمني الغير مستقر في سيناء والذي يفرض على الأشقاء في مصر بذل جهد لتأمين قوافل الحجاج، وهو ما ينعكس على تمدد الساعات التي يمضيها الحجاج في رحلة الانتقال من معبر رفح إلى مطار القاهرة، إلا أن التنسيق المسبق مع الأشقاء في مصر يمكن له أن يخفف الكثير.
موسم الحج فرض علينا قبل غيره وضع آلية متفق عليها لتجوز الانقسام، يومها حملت الآلية صفة المحاصصة، جاوزنا بها مأساة الفشل في تمكين الحجاج من أداء الفريضة، لكننا فشلنا في تجنيب الحج انعكاسات الانقسام وتداعياته، وهو ما يتطلب منا اليوم في ظل جكومة التوافق وضع آلية متفق عليها تضع حداً لنظام المحاصصة وتوفر القدر المطلوب من الشفافية وبخاصة ما يتعلق منها بآلية إختيار بعثة الحج، شكوى الحجاج من غياب دور المرشدين تتكرر سنوياً، ومع غياب الرؤية في معالجة أسبابها ستتكرر الأخطاء ذاتها.
إن كان لزاماً علينا شكر وتقدير خادم الحرمين الشريفين على مكرمته السنوية في استضافة أسر الشهداء، والرعاية والحفاوة التي يحظون بها، فمن المفيد التذكير بمكرمة دولة الإمارات الخاصة بتغطية نفقات الحج لأسر الأسرى والتي توقفت منذ سنوات، وقد يرتبط الأمر بغياب المتابعة من قبلنا اكثر منه بتراجع الإمارات عن ذلك، ولعل استرجاعها من جديد فيه من التضامن مع الأسرى ما يفوق بكثير التضامن معهم بمهرجاتنا الخطابية.