مر موعد وذكرى كانت فيه أنحاء فلسطين من بحرها لنهرها مبتهجة بفرحة كبيرة لحرية أبطال خرجوا من سجون الاحتلال وتنسموا الحرية ليس على طريقة "آسفين يا إسرائيل" بل على طريقة "غصب عنكم" التي هي خيار الشعب ومقاومته؛ فكان من رحم البندقية أن خرجت كلمات سطرت صفقة وفاء الأحرار التي جعلت المنظومة الأمنية تتحطم حينما أخفت كتائب القسام الجندي "شاليط" خمسة أعوام، وكذلك صفعة للمنظومة السياسية التي كانت من خلالها قوات الاحتلال تمنع الحرية عن أهالي القدس وأسرى العرب والأسرى من الداخل المحتل عام 1948 ومن تسميهم "ملطخة أيديهم بالدماء"؛ فكانوا هم في طليعة تلك الصفقة والأسماء التي افتتحت فيها أبواب السجون.
وكذلك تحطمت نظرية الخوف التي زرعتها سلطة أوسلو في قلوب المواطنين والشباب بأن الحل للقضية الفلسطينية لا يأتي إلا عن طريق السلام الأمر الذي يخالف الوضع القائم والواقع ويرتطم بمخططات الاحتلال، كذلك يتخالف مع تحذيرات ديننا الإسلامي الحنيف لتكون فقط تلك السياسة تخديرا أفشلته وحطمته الصفقة من جهة والانتصارات من جهة أخرى ووفاء الأحرار 2 القريبة من جهة ثالثة.
لن نخوض في تفاصيل صفقة وفاء الأحرار كثيرا ولن نعرج على مواقف الأشرار من ذوي القربى وغيرهم ممن بحثوا عن "شاليط" كثيرا في الميدان أو من هوّل وقام بالترهيب سياسيا ودوليا من العربان وغيرهم الكثير، إلا أن الحديث الأهم هو عن الاستراتيجية في العمل المقاوم الخاص بتحرر الأسرى؛ ولعل الناظر جيدا إلى عملية الاختطاف وقتل الجنود الثلاثة في الخليل من البعد السياسي يضع يده على محطات مهمة أبرزها أن الشغل الشاغل لكل من يحمل السلاح بالترخيص الصهيوني على أرض فلسطين لا تهمه قضية الشعب ولا الأسرى وما يهمه فقط التبعية وتطبيق الأوامر فقط تحت شعار يبررونه دوما" التنسيق الأمني"، كما أن الأهم من ذلك هو البحث الجدي والعمل على إيجاد الجنود كي لا تتعزز لدى المواطنين نظرية المقاومة والحرية.
ولكن كان من فضل الله عز وجل أن من على الشعب الفلسطيني بأسرى صهاينة وبرتب جيدة على يد القسام ولكن هذه المرة من جديد في غزة؛ حيث أن الاختطاف هناك باتت الثقة بنجاحه واستمراره وإنتاجه أكثر بكثير من الضفة الغربية عقب نجاح وفاء الأحرار الأولى حتى أن الشارع الفلسطيني يتحدث عن أرقام وأعداد الأسرى الجنود قبل أن يحدد القسام الرقم الذي بحوزته؛ ما يعني أن ثقة أكثر والتفافا أكبر حول المقاومة بعد كل مؤامرة تحاك ضدها، فجغرافيا المقاومة في غزة لها في عقول الشعب حكاية نصر؛ وجغرافيا المقاومة في الضفة لها في عقول الشعب لعنة على العملاء والمتخاذلين والمثبطين وفي المحصلة رغم جبروت وقوة الاحتلال وولاء أعوانه لمنع إدخال الفرحة على الفلسطينيين إلا أن "عملوها الفدائية" ما زال صداها في كل منزل وزنزانة وشارع.. فليس 1050 أسيرا وأسيرة هم فقط من تحرر في وفاء الأحرار الأولى بل إن ملايين الفلسطينيين في الداخل والخارج هم من تحرروا وسيعاد تأكيد حريتهم في صفقة جديدة لأن الحرية لا تعني قيودا تفك، فكم من أسير بلا قيود وكم من حر في زنازين العزل بالقيود.