يوم الاحد القادم 26/10 سيتوجه الناخب البرازيلي الى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيسا جديدا للبرازيل، وستكون كل انظار العالم بانتظار ما ستنتجه العملية الانتخابية، التي ستقرر بين استمرار السياسة الحالية ام التغيير، حيث استطلاعات الرأي تشير الى التعادل بين مرشح اليمين وبين اعادة انتخاب رئيسة البرازيل اليسارية الحالية وهذا الخيار سيحدد دور البرازيل على الصعيد الوطني وسياستها الخارجية على الصعيد الاقليمي والدولي.
على مدار الاثني عشرة عاما الماضية حققت البرازيل انجازات كبيرة اقتصادية واجتماعية، فقفز احتياطها من 38 مليار دولار الى ما يزيد عن 350 مليار، وانتقلت دولة مدانة ومقيدة بشروط صندوق النقد الدولي والدول الدائنة الى دولة مدينة وتقدم المساعدات المالية والاقتصادية لبعض دول العالم المحتاجة، فعلى الصعيد الداخلي نجحت الحكومات العمالية على مدار السنوات السابقة من معالجة العديد من القضايا الاجتماعية وساهمت بشكل كبير برفع مستوى المعيشة للفقراء والمحرومين والكادحين والعمال، والتقليل من الفروقات الاجتماعية وتعزيز العدالة الاجتماعية والمساواة، ولقد تمكنت الحكومات العمالية على مدار 12 عاما من اخراج 22 مليون برازيلي من تحت خط الفقر، وفتحت ابواب الجامعات لابناء الطبقات المحرومة والمقهورة والسوداء، وسمحت لهم بالحصول على الوظائف والحق بالعيش بكرامة، حيث كانت سابقا مقتصرة على ابناء الطبقات الغنية بالبرازيل، فاليوم أبناء الطبقات المضطهدة والمحرومة يملكون البيوت بعد ان كانوا ينامون بالشوارع وتحت الجسور ويبحثون عن قوت يومهم على مزابل المدن ويعيشون على رأفة الناس الاغنياء بهم، فهذه الحالة تلاشت تقريبا ولا تسمع بها الا نادرا.
وعلى صعيد القارة فالدور البرازيلي عمل باتجاه تمتين العلاقات بين دول القارة، وتجنيب دولها الصراعات الثنائية والداخلية، وساهمت برفع درجة التنسيق بالمواقف فيما بينها بالعديد من القضايا التي تهم دول القارة او بما يخص العديد من القضايا الدولية والتي تهم البشرية والانسانية عامة، وساهمت بتقوية وتعزيز اقتصاد دول القارة، وكان لهذه السياسة دورا ايجابيا بتطوير القدرات الاقتصادية وتعزيز العلاقات الثنائية، وكان الموقف الاخير للحكومة البرازيلية بمطالبة اصحاب رؤوس الاموال البرازيلية بمساعدة الجارة الارجنتينية للخروج من ازمتها الاقتصادية يعبر عن اصالة هذه الحكومة اتجاه جارتها بمثل هذا الوقت.
اما على صعيد السياسة الخارجية والقضايا الدولية فقد سجلت البرازيل مواقفها الايجابية والمنحازة الى قضايا الشعوب وسيادة الدول واستقلالها، ورفضت التدخل بالشؤون الداخلية للدول، فبعد ان كانت دولة منهكة بديونها ومقيدة بشروط صندوق النقد الدولي والدول الدائنة، اصبحت اليوم البرازيل محررة من قيودهم وشروطهم، مما سمح لها ان تحافظ على خيراتها وامكانياتها واستقلالها وسيادتها الوطنية على الخيرات والممتلكات التي تعود للشعب البرازيل وهذا سهل لها ان تلعب دورا مغايرا للسياسات السابقة والتي كانت بمجملها تسير بالفلك الامريكي وضمن شروط الدول الاستعمارية اتجاه القضايا الدولية والمصيرية وقضايا شعوب العالم، فمواقفها اتجاه الصراع الدائر بالشرق والاوسط والقضية الفلسطينية واضحة كالشمس، وكانت واضحة اثناء العدوان الاخير على قطاع غزة من قبل الكيان الصهيوني، كما كان للبرازيل دورا ايجابيا بمجلس الامن والمؤسسات الدولية اتجاه القضية الفلسطينية والصراع الدائر بالشرق الاوسط ودول المنطقة، وكان الاعتراف البرازيل بالدولة الفلسطينية ايجابيا ليشمل باقي دول القارة اللاتينية التي سارعت الى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، كما ان السياسة الخارجية البرازيلية اصطدمت مع الموقف الصهيوني اتجاه الصراع ومواقفه المتنكرة للحقوق الفلسطينية على مدار 12 عاما والتي تمثلت اخيرا اتجاه جرائم الحرب التي ارتكبها الكيان الصهيوني بحق شعبنا بالقطاع والتي تمثلت بسحب السفير البرازيلي من تل ابيب للاستشارة.
فاصابع الامبريالية الامريكية والصهيونية غارقة حتى اذنيها من اجل الحاق الهزيمة لمرشحة حزب العمال واعادة انتخاب ديلما روسيف، فهم منحازون الى مرشح اليمين والرجعية البرازيلية والاعلام الرجعي المعادي للفقراء والعدالة والمساواة الاجتماعية، فالانحياز الى مواقف حزب العمال وبرنامجه الانتخابي اليوم هي مسؤولية ومهمة كافة القوى المحلية والدولية التي تقف بالصف المعادي للقوى الرجعية المحلية والدولية، وهذه ليست مهمة برازيلية فقط وانما مهمة عالمية، لان الصراع متواصل ومستمر بين معسكرين متناحرين، فالبرازيل هي مقررة بسياسة امريكا اللاتينية ولها دورا ساهمت به من اجل استتباب الاستقرار بالقارة وحل النزاع والصراعات والتقليل من حدة التناقضات بين دوله كما حصل بين كولومبيا وجاراتها، وعززت من اواصر العلاقات بين دول القارة، وقدمت البرازيل كل اشكال الدعم السياسي والاقتصادي والمادي لها لتخرج هذه الدول من محنتها وازامتها التي خلفتها الحكومات الرجعية السابقة.
ان خسارة مرشحة حزب العمال الرئيسة الحالية للانتخابات الجارية، لن تكون خسارة محلية ووطنية، وانما هي خسارة دولية لكافة قوى التحرر وشعوب العالم التي تطمح الى الحرية والاستقلال والسيادة، من اجل ان تسود العدالة الاجتماعية والمساواة على صعيد العالم، فاليوم البرازيل من خلال تحالفاتها الدولية وقدراتها الاقتصادية باعتبارها جزءأ من مجموعة ال (BRICS) التي تضم ايضا - روسيا، الصين، الهند وجنوب افريقيا- وهي تعني الكثير بالنسبة للقضايا الدولية والصراع الدولي، ولهذا فإن نجاح مرشحة حزب العمال الرئيسة البرازيلية الحالية هو نجاحا للطبقات المضطهدة والمظلومة بالمجتمع البرازيلي اولا، ونصرة لقضايا الشعوب ودولها التي تطمح للحرية والاستقلال والسيادة والاستقرار بعيدة عن اسلوب الهيمنة والتدخل بشؤونها ومصيرها.
الجالية الفلسطينية بالبرازيل ومؤسساتها واضحة بمواقفها، منحازة كليا الى برنامج مرشحة حزب العمال البرازيلي سواء على الصعيد الداخلي او على صعيد السياسة الخارجية، ومواقفه من قضايا شعوب العالم وبمواجهة السياسة الامريكية المعادية للشعوب، وأن جاليتنا الفلسطينية بالبرازيل تدرك جيدا مواقف اليمين البرازيلي، والتي عبر عنها احد النواب البرازيليين الذي طالب الخارجية البرازيلية بتوضيحات حول الاسباب لتسهيلات منح فيز للفلسطينيين ومواطنين بعض دول المنطقة لدخول الاراضي البرازيلية باعتبارهم يعيشون بمناطق تمارس الارهاب، وهذه التسهيلات تسهل دخول الارهابيون الى البرازيل مما يؤثر على استقرار البرازيل وسيادتها، فجاليتنا تكن كل احترام وتقدير لمواقف حزب العمال ومواقف الحكومات البرازيلية على مدار 12 عاما منذ وصول لويس ايناسيو لولا دا سيلفا الى رئاسة البرازيل، والتي جاءت تتويجا لعلاقات وتحالفت نسجتها الجالية الفلسطينية على اعلى المستويات منذ تأسييس حزب العمال، كما أن ايمان حزب العمال بعدالة قضيتنا كان اساسا بنسج هذه العلاقات وتمتينها والتي عبر عنها بمواقف ايجابية تعبر عن صدق الحزب مع نضال شعبنا وحقوقه الشرعيه وعدالتها.