إعمار غزة ما بين الابتزاز الصهيوني ورفد خزينة الاحتلال بمليارات الدولارات

بقلم: رشيد شاهين

شعور عارم بالارتياح ساد الأوساط الفلسطينية منذ الإعلان عن ان مؤتمرا للإعمار سيعقد من اجل إعادة إعمار ما دمره العدوان.

مشاعر البهجة الرسمية عبرت عن موقف رسمي يرى ان فلسطين ما زال لها رصيدها في العالم، وان المؤتمر كان تعبيرا عن ذلك ، ودليل هؤلاء، الحجم الهائل من الدول والمبالغ التي تم الإعلان عنها خلال المؤتمر.

وأما المشاعر الشعبية، فكانت تعبر عن شعور بالاطمئنان، ان هنالك من لا زال يتذكر المأساة الناجمة عن العدوان، ويرفض بناء على ذلك، ان يستمر هؤلاء بالعيش في العراء، وان حالة التشرد التي تسببها العدوان الغادر سوف تكون حالة مؤقتة لن تدوم طويلا.

إن إعادة اعمار ما دمره الاحتلال، هي مسؤولية أخلاقية تقع على العالم قبل أي شيء آخر، خاصة في ظل تقاعسه عن ردع دولة الاحتلال، خاصة إنها قامت قبل ذلك بعدوانين همجيين، الأول في 9-2008 والثاني في 2012، وكانت النتيجة مدمرة وكارثية في كلاهما، ولم يقم العالم بعمل أي شيء من اجل منع تكرار الاعتداءات، وفشل تماما في إنهاء الاحتلال القائم منذ عقود.

مساهمة العالم في إعادة تعمير القطاع، تأتي كنتيجة لشعور بالذنب ربما، أو نوع من "المساعدة الإنسانية" إضافة إلى انها محاولة للضغط والابتزاز على الشعب الفلسطيني، وممارسة مزيد من الضغط من اجل تقديم المزيد من التنازلات، وليس بهدف إرسال رسائل لدولة الكيان للتوقف عن العدوان، وتجلى ذلك فيما قيل على لسان أكثر من طرف في المؤتمر.

إن كانت مصر والنرويج قد نجحتا في تعهدات لمبالغ زادت عن توقعات وتقديرات السلطة الفلسطينية "أربعة مليارات"، فذلك لا يعني ان المؤتمر تميز بالحيادية وعدم مشروطية التعمير، وما يبعث على الخشية هو عدم الإيفاء بالتعهدات على غرار ما جرى سابقا.

كذلك لم يحاول المؤتمر ربط الأعمار بتعهدات من الاحتلال بعدم تكرار الاعتداءات، خاصة وان العدوان على القطاع هو الثالث خلال ستة أعوام.

واستطاعت دولة الاحتلال برغم "تغيبها"، من خلال من يمثلها في المؤتمر، وهم كثر، ان تفرض شروطا عديدة منها، ان يكون القطاع خاضعا للسلطة وليس لحماس، وكذلك استئناف المفاوضات ما سيرفع الكثير من الأعباء عن كاهل الاحتلال الذي تلطخت سمعته بسبب العدوان، ويسهل مشاريعها الاستيطانية تحت حجج وذرائع مختلفة، إضافة إلى فرض رقابة صارمة على المواد ما يعني حرمان المقاومة من الاستفادة في إعادة بناء قواها الذاتية التي لا شك انها تأثرت خلال العدوان، ما سيجعلها اضعف في أية مواجهة قادمة، بدلا من ان تكون أكثر قدرة وقوة.

عدا عن ذلك، فان أحدا "على الأقل في العلن"، لم يطرح قضية من أين سيتم جلب المواد، فمن الواضح، انها في المجمل ستأتي من دولة الكيان، وهذا يعد بمثابة "مكافئة" مجزية للاقتصاد الصهيوني على ما اقترفت يد الاحتلال من قتل وتدمير، علما بأنه كان الأحرى بمصر ان تفتح معبر رفح وتستأثر بهذا الكم من المليارات وفتح الأسواق المصرية لتزويد القطاع بما يلزم، مما سيسهم في إنعاش الأوضاع هناك ولو بصورة مؤقتة.

فيما يتعلق بدولة الاحتلال، وبحسب مصادر صهيونية، فان الكيان سيحصد أكثر من 65% من أموال الاعمار، حيث سيتم شراء المواد من السوق الصهيونية، وبحسب قانونيين فان ذلك يعتبر خرقا للمواثيق الدولية وذلك انه يمنع على دولة الاحتلال استغلال وابتزاز من هم تحت احتلالها.

ويشار إلى ان هنالك ثمة خديعة تتعلق بالتعهدات، حيث أشار أكثر من مسئول فلسطيني، إلى ان ما يقارب نصف هذه المبالغ، سيتم دفعها للسلطة على مدار أعوام ثلاث لا علاقة لها بالاعمار، وهذا يعني ان المبلغ المخصص للاعمار سوف لن يكون كاف لتعمير كل ما تم تدميره.

كما ان طريقة فتح المعابر التي جدولتها دولة الاحتلال، تعني ان عملية التعمير ستستغرق زمنا كبيرا يمتد إلى سنوات، وهذا يتطلب ممارسة ضغوط كبيرة على الكيان لفتح المعابر بصورة دائمة، لمنع الابتزاز ووقف معاناة الناس بأسرع فرصة، لا ان تمتد لسنوات طويلة.

الموضوع الأكثر خطورة، هو ان لا احد من الأطراف في القاهرة تطرق إلى ضرورة رفع الحصار عن القطاع، وألا تدفع دول العربان كما جرت العادة، مبالغ الأعمار، بل كان من واجب المجتمعين في القاهرة، تحميل دولة الاحتلال المسؤولية عن الدمار وان تكون هي المسئولة عن إعادة الأعمار بالكامل لا بل ومطالبتها بتعويض المتضررين على كل المستويات.

وكان لافتا ان الأمم المتحدة، تبنت الموقف الصهيوني والآليات المقترحة من جانبه لعملية إعادة الاعمار، مما يطرح أسئلة عدة حول دور هذه المؤسسة من الصراع ومدى مسؤولياتها تجاه المجازر بحق الناس في القطاع.

في المجمل، ان مؤتمر القاهرة، برغم ان هدفه المعلن كان إنهاء المعاناة التي نجمت عن العدوان، إلا انه ضخ في كثير من جوانبه لصالح دولة العدوان، وهذا ما يدعو إلى التساؤل حول دور البعض العربي والغربي عما تم في الكواليس ولماذا مرت مثل هذه الانحرافات دون تدخل لتصحيحها من قبل الجانب الفلسطيني؟