آن الأوان لكي نكف عن ترديد عبارات الأزمة

بقلم: عباس الجمعة

الواضح في هذه الايام ان التطورات والاحداث الفلسطينية تتسارع بوتيرة عالية مذهلة بالاتجاه الذي يتحسب منه كل الفلسطينيين والعرب وكل اصدقاء فلسطين في العالم ، وخاصة ان الموقف الفلسطيني اصبح واضحا بالتوجه الى مجلس الامن الدولي ، يشير الإقرار الأولي أو النية البرلمانية أو الحكومية للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وبخاصة من قبل العديد من الدول الأوروبية، من خلال التعامل مع دولة فلسطين، بوصفها عضواً دائماً في الأمم المتحدة، والارتقاء من مستوى الاعتراف بها كدولة مراقبة في هذه المرجعية الدولية الى دولة تحت الاحتلال ، وكل ذلك يؤكد صحة المواقف الفلسطينية التي طالبت مبكراً بالإقدام على هذه الخطوة، لأهميتها وبوصفها ردا على الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة ضد شعب فلسطين ، فضلاً عن ما تؤسس له من مناخ دولي جديد للتعامل مع القضية الفلسطينية، خلافا للتعاطف أو التأييد المعنوي والأخلاقي السابق.

ان الانتقادات الأمريكية (الفجة) والرفض الإسرائيلي لخطاب الرئيس محمود عباس الذي طلب فيه الاعتراف بالدولة الفلسطينية بوصفها دولة تحت الاحتلال، فإنه قد استند إلى توافق فلسطيني داخلي حول ضرورة وأهمية التعامل معه كمسألة مبدئية وطنية ودولية.

لهذا نرى ان المواقف الأوروبية التي بادرت إليها السويد، التي تتميز بتوازنها في التعاطي مع القضية الفلسطينية، فإن اتساع عدد الدول الأوروبية الجاهزة للتعامل مع دولة فلسطين، وبخاصة المركزية منها، بريطانيا، إسبانيا، ألمانيا، إيطاليا، وغيرها، مما يفسح المجال أمام تعاط أوروبي مختلف مع القضية الفلسطينية ومع موضوعة الدولة الفلسطينية المستقلة، بوصفها أساسا لحل متوازن في قضية الصراع العربي- الإسرائيلي.

ورغم رمزية هذه الخطوة وانعكاساتها الإيجابية، فإنها تشكل إحراجا واضحا للإدارات الأمريكية، وكيفية تعاملها مع الموضوع الفلسطيني والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتضع إسرائيل في موقف معارض لأغلبية دولية، يتراوح موقفها بين التوازن إلى الإقرار بهذه الحقوق وتأييدها الكامل.

ان هذا التوجه الفلسطيني هو إنجازا مهما للقضية الوطنية الفلسطينية، في ظل التراجعات الحاصلة عربيا وإقليميا، وهو يشكل إضافة إلى الإنجازات الوطنية الفلسطينية على الصعيد الدولي، وبخاصة بعد اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين عضواً مراقباً، وأن يدفع بالطرف الفلسطيني، على تبايناته، إلى مواصلة مسيرة الإقرار الدولي بحقوقه، وفي المقدمة مسألة الانضمام إلى مؤسسات الأمم المتحدة والهيئات المختلفة، وبخاصة ميثاق روما ومحكمة الجنايات الدولية وغيرها أيضا.

أن الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال قد تلمس بتجربته الحسية المباشرة خياره الوحيد خيار الاستمرار في مقاومته الشعبية وهذا ما أصبح يلقى التفهم والاستيعاب الكامل على المستويات الإقليمية والدوليةلان هذا الشعب هو الوحيد، من بين شعوب العالم، الذي تعرضت حقوقه التاريخية والشرعية والعادلة للتآكل نتيجة المشروع الصهيوني ومواقف الولايات المتحدة والدول الأوروبية القائمة على ازدواجية المعايير، واليوم باتت القضية الفلسطينية وليس الصراع العربي الصهيوني وحده، هو القضية التي تستأثر بالبحث والاهتمام، رغم إدراكنا العميق للعقبات والعراقيل العديدة التي مازالت تعترض هذه المسيرة، ورغم إيماننا التام بأن المسافة بين الإعلان عن الدولة وإقامتها فعليا على الأرض مسافة طويلة ومريرة معبدة بالشهداء والتضحيات والعذابات.

ورغم كل ما يمكن أن يقال عن سمات جديدة اكتسبها الشعب الفلسطيني بنضاله للصراع العربي الصهيوني، إلا أن الأمر الذي لا يجوز أن يغيب عن الأذهان للحظة واحدة هو أن العمق القومي لهذا الصراع سيظل قائما ومطلوبا وضروريا، فكيان الاحتلال لا يهدد الشعب الفلسطيني وحده، ومهمة دحر مشروعه التهويدي الاستيطاني لن تكون مهمة الشعب الفلسطيني وحده، بل هي مهمة الشعوب العربية الأخرى في بوتقة واحدة، لكن زيف الشعار "القومي" السائد، وحالة العجز والتخاذل والانهيار التي يعيشها النظام العربي باتت تفرض على الفلسطينيين انتزاع زمام المبادرة بأيديهم، تماماً كما باتت توجب على الاحزاب والقوى العربية وضع مهمة الخروج من نفق الأزمة التي تعيشها على رأس جدول أولوياتها.

فالمرحلة التي نعيش تتطلب ان نضع الشروط الموضوعية لتجاوز الانقسام الفلسطيني والعمل على تطبيق اتفاق المصالحة وتعزيز الوحدة الوطنية، وهذه الشروط متوفرة ، وهذا يستدعي من الجميع عدم الارتهان لمصالح خارجية ، والخفاظ على المشروع الوطني الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية ، والتمسك بالمقاومة الشعبية بكافة اشكالها باعتبارها محطة نوعية في مسيرتنا الكفاحية.

وأمام كل ذلك ندعو البعض ان يدرك الحقائق، وان يؤمن أن رهانه الوحيد هو اللجوء إلى البيت الفلسطيني، بيت منظمة التحرير الفلسطينية، وأن يؤمن أنه لن يستطيع أن يحمل وحده كل شيئ، فالكل الفلسطيني شريك باتخاذ القرار، ولابد من مراجعة حقيقية لهذا البعض الذي ما زال يسعى لما سيسفر عنه الوضع في المنطقة من خلال تمسكه بحكومة وسلطة الظل لنقول له ان ما يمنع المصالحة الحقيقية والشراكة من خلال تمسكه وحده قيادة السفينة الفلسطينية من دون مشاركة القوى الأخرى ، وهذا الامر قاد ويقود إلى اتباع سياسة إقصاء من كل طرف للطرف الآخر، والوحدة اليوم اصبحت ضرورة وليست مجرد خيار من الخيارات، وعندما يتم التعامل معها على هذا الأساس سيتم طَي صفحة الانقسام إلى الأبد حتى نتمكن من مواجهة المخاطر المحدقة التي تحيط بالمشروع الوطني الفلسطيني، ليتم تحويل التفاؤل الفلسطيني بالمصالحة والوحدة الى حقيقة واقعة وملموسة.

لقد آن الأوان لكي نكف عن ترديد عبارات الأزمة أو "المصاعب" التي نواجهها كحركة تحرر وطني، فلسطينية وعربية، وآن الأوان للشروع عمليا في رسم مسار الخروج من هذه الأزمة، ولست أتجنى على أحد إذا قلت أن الذين يقرون بهذه الأزمة ويتحدثون عنها هم المطالبون قبل غيرهم بالقيام بهذا الدور وبقرع ناقوس الخطر، ونحن بالطبع من ضمن هؤلاء.

وامام ما تشهده المنطقة من نشاطا محموما للامبريالية الامريكية وحلفائها وعصابات الارهاب الداعشية من حروب تدميرية وتهجيرومجازر تكفيرية ارهابية استقدم من أجل تسعيرها عشرات الآلاف الارهابيين من الولايات المتحدة وأوروبا والخليج العربي والمغرب العربي والشيشان ، كما جرى ، يوم جندت الولايات المتحدة ما سمي بالمجاهدين "الأفغان" من العرب وغيرهم بتمويل من بعض دول الخليج العربي لمحاربة الاتحاد السوفياتي، فكان تنظيم"القاعدة" الذي قتل وشرد ودمر، وهو اليوم يعود مجددا تحت شعار"داعش" و"النصرة" للإفساح في المجال أمام التحالف الامبريالي الجديد ، الذي قتل في السابق أكثر من مليون طفل عراقي ، أن يمسك بزمام الأمور في بلداننا العربية ليؤسس لتهجير جديد، ليس فقط للفلسطينيين هذه المرة، بل للكثير من الأقليات ، إذ أن شعار المرحلة الامبريالية الجديدة يقتضي حروبا من نوع جديد ، حروب إرهابية مستمرة في العالم العربي على أساس طائفي ومذهبي وتحويل الصراع من صراع ضد الامبريالية والصهيونية الى صراع عربي - عربي يجب أن يؤدي حسب واضعي المشروع الى إدارة الظهر للصراع العربي – الإسرائيلي ونسيان القضية الفلسطينية كقضية مركزية للشعوب العربية ، والهدف من كل ذلك تفتيت جديد للمنطقة من خلال التنظيمات الإسلاميه الإرهابية التي تؤدي الوظيفة الاستعمارية ذاتها التي أدتهاالحركة الصهيونية خلال احتلالها لفلسطين ولا تزال، وأن ثمة ارتباطاً جوهرياً بين التنظيمات التكفيرية الإرهابية والحركة الصهيونية من حيث المنطلق الفكري والهدف والوسيلة والمصلحة والوظيفة.

ختاما : لا بد من القول امام ما نراه اليوم يتطلب منا التعاطي مع كافة القضايا وخاصة التوجه لمجلس الامن الدولي بجدية فائقة، بوصفه خطوة نحو تكريس دولة فلسطين في المحافل الدولية وتبعاته، بعد أن بدأت أوروبا تقر بهذه الحقيقة، وتقوم بخطوات نحو تجسيدها، وعلينا الاستفادة من هذا المناخ الإيجابي، على أهميته ورمزيته، للوصول إلى حالة دولية قانونية جوهرها دولة فلسطين المحتلة، وضرورة خلاصها من الاحتلال، وإقرار حق شعب فلسطين في العودة وتقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس.