الدراسة التي أعدها بنك "أتش اس بي سي" المتعدد الجنسيات حول أفضل دول العالم بالنسبة للمغتربين جاءت حسب المتوقع، باستثناء تقدم الدول الآسيوية .. صاحبة النمو الإقتصادي الكبير.. خطوات ملموسة في تحسين مواقعها في القائمة، البنك أعد الدراسة مستنداً على ثلاثة معايير أساسية، الأول يتعلق بقيمة الراتب الذي يتقاضاه المغترب، والثاني بنوعية الحياة التي يعيشها في الدولة المستضيفة له، والثالث يتعلق بتربية الأطفال وتعليمهم.
جاءت سويسرا في مقدمة دول العالم بالنسبة للمغتربين، وإن كانت الدول الآسيوية احتلت مواقع متقدمة بين دول العالم، إلا أن ما يستوجب علينا التوقف عنده هو مكانة الدول العربية في هذه القائمة، حيث تواجدت دول الخليج العربي دون غيرها من الدول العربية ضمن افضل 35 دولة على مستوى العالم، لكن هذه المكانة لدول الخليج العربي لم تأت بفعل العوامل الثلاثة مجتمعة، بل بفعل العامل الأول فقط المتعلق بالجانب المادي، وهذا يعني أن المغترب يتلقى راتباً جيداً فيها إلا أن نوعية الحياة وتربية الأطفال وتعليمهم ما زالت على حالها من التراجع مقارنة بدول العالم الأخرى.
الملفت للإنتباه أن أمريكا "سيدة العالم" لم تأت ضمن أفضل 10 دول في العالم بالنسبة للمغتربين، فيما دول صغيرة الحجم وعديمة التأثير في المنظومة الدولية مثل تايوان جاءت بموقع متقدم. ما يمكن رصده من دراسة البنك الفارق بين الدول الآسيوية والدول العربية، فجميعها يتمتع بوضع اقتصادي جيد، وفي الوقت الذي استطاعت الدول الآسيوية أن تعكس نموها الاقتصادي على تحسين نواحي الحياة المختلفة عجزت الدول العربية عن فعل الشيء ذاته.
لعل ذلك يقودنا إلى التيقن بأن الوضع الاقتصادي الجيد للدولة.. رغم أهميته..لا يكفل تقديم نوعية حياة جيدة للمغتربين وأيضاً لمواطني الدولة، ولا نجافي الحقيقة إذا ما قلنا أن القوانين والأنظمة المعمول بها في الدولة تستطيع أن تحقق للمواطن رفاهية في الحياة تفوق ما يحدثه الجانب المادي، والحديث عن القانون هنا لا يتعلق بحجم ما يتم تشريعه وماهية دلالاته، بل في القدرة على تنفيذ نصوصه لترسيخ سيادته على الجميع دون استثناء.
النظام هو قانون السماء الأول، والمجتمعات التي تفتقر للنظام تفقد قدرتها على التقدم والنمو، وتعيش في حالة من التخبط والمراوحة في ذات المكان إن لم يدفعها ذلك للتقهقر للخلف، الملفت للإنتباه أننا أكثر شعوب الأرض تغزلاً بسيادة القانون، ونبني أدبياتنا على احترام القانون والنظام، ومبدأ سيادة القانون لدينا هي مادة التجميل الأكثر رواجاً في مجتمعاتنا، ولا يقتصر ذلك على العلاقة بين الحكومة والمواطن، بل يمتد للعلاقات المجتمعية داخل الأسرة والمدرسة والحي.
عند الحديث عن التعليم كركيزة اساسية في احداث التطور المطلوب، ليس المقصود بالتعليم هنا حجم المعلومات التي يتم حشرها في أدمغة الطلاب، ولا في الطريقة التي يتم من خلالها استرجاعها وقت الحاجة، فالقرص المضغوط اليوم يوفر من طاقة التخزين وسرعة استرجاع المعلومة ما يعجز عن مجاراته العقل البشري، لكن قيمة التعليم تكمن في قدرتنا على إستخدام المعلومة في تحسين نمط الحياة التي نعيشها، وإن عجزنا عن فعل ذلك سنبقى دوماً خارج التصنيف.