لا تستطيع مقالة أن تغطي مساحة العمل السياسي الوطني للحزب الشيوعي اللبناني خلال تسعين عاماً، لكن نحاول أن نسلط الضوء على نضال الحزب، وما رافقه من صعوبات جمة.
شكل مهرجان الحزب الشيوعي اللبناني في احتفاله بذكرى تأسيسه، حضور جماهيري حاشد، اضافة الى المشاركة السياسية الواسعة التي ضمت ممثلا للرئيس نبيه بري ،وممثلا لحزب الله ، والاحزاب والقوى الوطنية اللبنانية، وسفراء سفارات كوبا وفنزويلا والهند واحزاب شيوعية وتقدمية ويسارية وحركات تحرر من العالم اجمع ، اضافة الى مشاركة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وجبهة التحرير الفلسطينية وحزب الشعب الفلسطيني والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وفصائل فلسطينية اخرى.
ان ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي اللبناني بكل تأكيد لها معنى مختلف فهو الحزب الذي ساهم بشكل رئيسي في تأسيس جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، وهو الحزب الذي قدم قادته شهداء دفاعا عن لبنان وعروبته وتطوره الديمقراطي، وهذه المناسبة تذكرنا بشهداء الحركة الشيوعية الخالدين فرج الله الحلو وحسين مروة ومهدي عامل وجورج حاوي وشهداء وشهيدات جبهة المقاومة الوطنية.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على توجه الحزب لفئة الشباب كمصدر لا ينضب من الطاقات والامكانيات وتجديد الدماء في الهياكل التنظيمية له وتجديد النضال، وشكلت كلمة الأمين العام للحزب الدكتور خالد حدادة نقطة تحول مهمة في ظل ما تتعرض له المنطقة والقضية الفلسطينية، وكانت هذه المناسبة ردا على ما يتردد من أن الحزب قد شاخ وكبر في السن وأصبح عاجزا عن انتاج كوادره، حيث شكلت المناسبة حضورا هاما من مؤيدي واصدقاء الحزب يتطلعون الى تطور فكره، والتزامه بقضايا فقراء الوطن وكادحيه وبقضايا أمته وتضامنه مع حركات التحرر في العالم.
إن كلمة امين عام الحزب شكلت نقطة انتباه للحضور وهو يتطلع بها الى الواقع العربي ، والتحذير في نفس الوقت من المشروع الأميركي الذي يستهدف السيطرة على العالم ونهب ثرواته، وتحذيره من سايكس بيكو جديد الهدف منه تصفية القضية الفلسطينية.
ان الحزب الشيوعي في احتفاله حدد الأخطار المحدقة بقضية فلسطين باعتبارها قضية تحرر وطني تتطلب من جميع الفصائل العمل على التمسك بخيار المقاومة حتى إزالة الاحتلال ، إن هذا الموقف الواضح من قضية فلسطين ، يتطلب من القوى اليسارية والديمقراطية والوطنية الفلسطينية ان تسعى لاقامة الجبهة الوطنية العريضة من كافة قوى م.ت.ف والقوى الديمقراطية ، من اجل تأمين حماية منظمة التحرير الفلسطينية ودورها ومشروعها الوطني، والعمل من اجل مواجهة المخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية.
وفي ظل الاوضاع التي نعيشها نرى اهمية الحوار بين أجنحة اليسار العربي ، لإعادة تحليل وتركيب كافة القضايا التي تواجه واقعنا العربي ، من أجل النهوض في حركة اليسار العربي مجدداً ، ومن جهة أخرى تقتضي الأزمة المستعصية في الواقع العربي عموماً فتح باب الحوار أيضاً بين مختلف التيارات والحركات الفاعلة على اختلاف مشاربها الفكرية والأيديولوجية حتى نتمكن من مواجهة الهجمة الاستعمارية الارهابية ، فنحن نميّز بين التيار الإسلامي المقاوم للمشروع الإمبريالي الصهيوني, وبين التيار الظلامي الاستئصالي التكفيري الذي يرفض الحوار ويعتبر نفسه البديل المطلق لكافة التيارات الأخرى الفاعلة في الواقع العربي.
وأمام كل ذلك ومع احترامي للجميع لا يمكن الحديث عن أزمة داخل الحزب الشيوعي اللبناني ، فكان اجدى من الاخوة المنتقدين لتجربة الحزب الشيوعي ، الوقوف امام المنعطفات التي مر بها الحزب ، خاصة وأن كثيراً من القراءات لتجارب الأحزاب وجدت نفسها عاجزة عن التأثير والفعل العملي على مستوى العديد من القضايا ، وانحصر جهدها في المستوى النظري ، وقد كُتب الكثير حول هذه القضايا من قبل مفكرين عرب يساريين ، عن قوى وأحزاب لم تُنجز مهام التنمية والتحرر, بمعنى آخر تجلّت أزمة اليسار العربي الذي ورث الأهداف التي طرحها " رواد عصر النهضة " في عجزه عن إنجاز أيّ من هذه المهام، لكن نقول ان التاريخ القديم والحديث مليء بالحركات والثورات التي وإن لم تنجح حتى الآن في تحقيق أهدافها وأحلامها في الحرية والتقدم والعدالة الاجتماعية لكنها ستتابع النضال لتحقيق أهدافها وأحلامها، ولكي تحمل راية النضال ضمن شروط تاريخية معاصرة لتحقيق هذه الأهداف، وهي مهمة إذا لم تتحقق الآن لا بدّ أن تتحقق ذات يوم.
بكل تأكيد خرجنا بانطباعات من احتفال الرفاق في الحزب الشيوعي اللبناني، وبقيت كلمة الأمين العام للحزب تشكل ارضية دقيقة بكل محطاتها، وهي تلقي على عاتقنا في القوى اليسارية والديمقراطية الفلسطينية وعلى عاتق كل الفصائل والقوى مهمة اساسية من اجل التوحد والعمل على تطوير أدوات النضال بمواجهة الاحتلال حتى نحقق حلم الشعب الفلسطيني.
وامام هذه المواقف حذر الحزب الشيوعي من خطر التنظيمات الإرهابية التي تمارس جرائمها ضمن المخطط الإمبريالي الصهيوني الرجعي الذي يسعى لتقسيم المنطقة وتفتيتها إلى دويلات طائفية ومذهبية وإثنية وهو جوهر مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يعود اليوم إلى الواجهة عبر الإئتلاف الذي تسعى الإدارة الأمريكية إلى تشكيله بحجة محاربة الإرهاب داعياً إلى ضرورة اتخاذ موقف عملي من الإرهاب عموما وتنظيمي داعش و جبهة النصرة الإرهابيين اللذان يرتكبان الجرائم التي يندى لها الجبين الإنساني والعمل على استئصال الإرهاب من جذوره وتوحيد جهود مواجهته ووقف مصادر دعمه وتمويله، وهذا يستدعي التصدي لخطر التفتيت والارهاب المذهبي الداعشي بالالتفاف حول الجيش اللبناني الذي يتحمل من دون غطاء جدي من الدولة عبئاً كبيراً ويدفع الشهداء والجرحى والاسرى دفاعاً عن الوطن، ويتحمل الجرح الاكبر الموجه لوحدته وهيبته
نعم المناسبة عظيمة لتأسيس الحزب الشيوعي اللبناني وتستحق الاهتمام الجدي ، لهذا نقول ان اللون الأحمر شكل المطالبة باطلاق اسرى الحرية، وفي مقدمتهم القادة القائد احمد سعدات ومروان البرغوثي ورفاقهم واخوانهم الاسرى والاسيرات، ان أخوةً السلاح واخوة النضال لن يتركوكم وحدكم فان حريتكم هي حريتنا، ونحن نكتب في القلم، تبقون أنتم، كما أنتم، كما رسمتم طريق الكفاح من اجل حرية فلسطين، وحيث ينبت الدم وردٍ بمواجهة العدو، ولن ننسى من صُنع في الوديان ثورة الرئيس الرمز الشهيد ياسر عرفات والقادة العظام ابو العباس وجورج حبش وابو علي مصطفى وطلعت يعقوب وابو احمد حلب والنجاب وغوشه وكل شهداء فلسطين والامة العربية، كما صنعوا مسيرة نضال ومقاومة مع الشهيد القائد جورج حاوي ورفاقه في الحقول وفي الجبال، لتنبت نكهة في هذه الأرض، من لونها، الأحمر، من لون الأرض.
ختاما: أجمل وأطيب التهاني للرفاق في الحزب الشيوعي اللبناني، بالعيد التسعين لتأسيس حزبكم المناضل، سنديانة لبنان وحزب الحرية والوطنية والديمقراطية، ورافع راية التجديد الحقيقي، حزب جبهة المقاومة الوطنية ورصاصتها الأولى ضد العدو الصهيوني، على امل وحدة اليسار العربي، والمشاركة الفعالة في التصدي للمشروع الأمريكي الصهيوني المشترك في منطقتنا، ودعم نضال الشعب الفلسطيني وجميع الشعوب العربية، والوقوف ضد الرأسمالية والاستغلال والتبعية والتخلف، وضد الطائفية والعنصرية ، على طريق انتصار منطق التغيير والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية التي تتطلع اليها شعوب المنطقة.
كاتب سياسي