سيري وسير السلحفاة

بقلم: أسامه الفرا

أعلن الممثل الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام "روبرت سيري" الشهر الماضي عن التوصل لإتفاق بين حكومة الاحتلال والسلطة الفلسطينية برعاية الأمم المتحدة حول إعادة إعمار غزة وآلية إدخال مواد البناء، والحقيقة أن الأمم المتحدة سبقت ذلك بتشكيل لجنة لحصر الأضرار من وكالة الغوث وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "اوتشا"، كان من الواضح أن السلطة الفلسطينية هي الغائب عن هذه اللجنة، وإن قيل يومها أن عمل اللجنة يتم بالتنسيق مع وزارة الأشغال، والأصل أن تتولى السلطة الفلسطينية مسؤولياتها المباشرة في حصر الأضرار بتواجد الأونروا في اللجنة المكلفة بذلك.

المقدمة عادة ما تقود للموضوع، واللجنة الأممية التي تم تشكيلها لحصر الأضرار، بعيداً عن الاشراف المباشر للسلطة عن عملها، لا بد وأن تصل بنا إلى خطة سيري لإعادة الإعمار، التي غيبت السلطة الفلسطينية عن عملها ووضعتها في موقع "شاهد ما شافش حاجة" من جانب، ومن جانب آخر سخرت المنظمات الدولية للعب دور الرقيب على رحلة كيس الأسمنت، ومن أجل تطبيق رقابة صارمة على مواد البناء يرى السيد سيري بضرورة نشر مئات المفتشين الدوليين في قطاع غزة.

الواضح أن خطة سيري لإعادة الإعمار في غزة هي بمثابة مادة تجميلية للوجه القبيح للحصار، وتعزز ثقافة الكوبونة بتوسيع دائرة نفوذها إلى مواد البناء بعد اقتصرت لسنوات طويلة على المواد التموينية، من يمتلك القليل من المعرفة بإحتياجات قطاع غزة لإعادة إعماره يدرك أن آلية سيري في إدخال مواد البناء ومراقبتها الدقيقة لن تقود إلى إعادة إعمار، وإن استطاعت أن تتجاوز المعيقات والتسويف الاسرائيلي فإنها بحاجة لعقود كي تنجز مهامها بحركة السلحفاة المعتمدة، ناهيك على أن خطة سيري تتجاهل بشكل مطلق التنمية الطبيعية للقطاع ومتطلباتها.

كي نقف على أرض الواقع بعيداً عن الخيال الذي يسمي لنا الأشياء بغير مسمياتها، لا بد وأن نجلب لعقولنا رغبة مواطن في بناء غرفة في منزله، ما هي الخطة التي يجب عليه أن يسير على هداها لتحقيق حلمه ببناء غرفة في منزله أو إصلاح يتطلب القليل من صاحب السعادة "الأسمنت"؟، وكي يحصل على كيس الأسمنت ما هي الخطوات التي عليه أن ينجزها كي توصله إلى مبتغاه؟، ومن هي الجهة صاحبة الحق في قبول أو رفض طلبه؟، وكم عليه أن يصرف من المال والجهد والوقت كي يلتقط أخيراً صورة تذكارية له مع الممنوع من الصرف؟.

تعالت الأصوات الرافضة لخطة سيري، وجاءت أقواها من القطاع الخاص الذي يدرك أكثر من غيره ما تحمله الخطة من معيقات في وجه إعادة الإعمار، لكن المثير للإنتباه ما جاء على لسان وزير الزراعة والشؤون الإجتماعية "شوقي العيسة" بأن الامم المتحدة خرقت القانون الدولي بقبولها اتفاق "سيري" لادخال مواد البناء الى قطاع غزة داعيا اياها الى مراجعة الاتفاق، وما كان لها ان تتعامل الا في موضوع رفع الحصار فقط، فهل يعني ذلك أن الحكومة الفلسطينية ترفض إتفاق سيري، وأنها في حل من أمرها منه، وإن كان كذلك فهل تخرج الحكومة ببيان رسمي توضح فيه موقفها من الإتفاق؟.