العائلة الديمقراطية

بقلم: أسامه الفرا

لا يمكن لتونس أن تحكم بحزب واحد، تونس بحاجة إلى حكومة وحدة وطنية تضم أكبر قدر ممكن من القوى السياسية، هذا ما أجمعت عليه الأحزاب السياسية في تونس قبل الانتخابات البرلمانية، لعل إدراك الأحزاب السياسية بعدم مقدرة أي منها على الفوز بالأغلبية في البرلمان هو الذي دفعها مبكراً لتبني فكرة توسيع رقعة الأحزاب المشاركة في الحكم، ناهيك على أن التحديات التي تواجهها تونس وبخاصة ما يتعلق منها بالجوانب الإقتصادية والاجتماعية تتطلب المشاركة وليس التفرد.

النتائج الأولية شبة الكاملة للإنتخابات البرلمانية تشير إلى تقدم حزب نداء تونس حديث النشأة "2012"، وهو الحزب الذي يضم مناصري الرئيس التونسي السابق "زين العابدين بن علي" ومعارضية في الوقت ذاته، فيما حركة النهضة التي حققت اعلى الأصوات في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عام 2011 تراجعت للمركز الثاني، حيث فقدت ما يقارب 10% مما كانت عليه في الإنتخابات السابقة، فيما حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي حل ثانياً في الانتخابات السابقة لم يحصل سوى على أربعة مقاعد طبقاً للنتائج الأولية للإنتخابات.

الواضح أن الخارطة السياسية التي أفرزتها انتخابات 2014 تختلف عن سابقتها في المجلس الوطني التأسيسي، حيث بات من المؤكد أن توكل مهمة تشكيل الحكومة لحزب نداء تونس، وكي يتمكن من ذلك لا بد أن يتحالف مع أحزاب أخرى كي يوفر الأغلبية المطلقة المطلوبة داخل البرلمان، لكن السؤال الذي ينتظره الجميع هل ستشارك حركة النهضة في تشكيل الحكومة أم ستذهب إلى مقاعد المعارضة؟.

برامج الأحزاب السياسية التونسية متباينة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، لكنها تلتقي فيما بينها إلى حد كبير فيما يتعلق بالجوانب الإقتصادية والإجتماعية، وأيضاً الجانب المتعلق بالأمن والتصدي للإرهاب، أثار زعيم حركة النهضة "راشد الغنوشي" عاصفة أثناء الحملة الانتخابية حين قال بأن حركة النهضة هي الأكثر قدرة على مواجهة الإرهاب، حيث تتسابق الأحزاب السياسية التونسية فيما بينها على مواجهة الإرهاب بأشكاله المختلفة.

ما يثير الإعجاب في التجربة التونسية هو تبني مصطلح العائلة الديمقراطية، اي أن الاختلاف بين الأحزاب يجب ألا يخرج عن محددات العائلة الواحدة، العائلة التي تبني مصالحها على مجموع مصالح أفرادها، دون تفرد اي من أفرادها بتحديد تلك المصالح ونبذ الآخر، ديمقراطية الدولة يجب ألا تختلف البتة عن ديمقراطية العائلة لوطن ينشد الاستقرار والأمن والطمأنينة، وهي المقومات الأساسية للتنمية والتطور والرقي.

الحالة التونسية فيها الكثير من التشابة مع حالتنا الفلسطينية، ومن المفيد لنا جميعاً قراءة التجربة التونسية قراءة متأنية ومتفحصة، وليس في ذلك ما ينقص من قدرنا، وقديماً قال بسمارك "الأغبياء وحدهم من يتعلمون من أخطائهم اما أنا أتعلم من أخطاء الآخرين"، فلسنا بحاجة لأن نخطيء مراراً وتكراراً ونحول الوطن إلى حقل تجارب يدفع المواطن ضريبة تلك الأخطاء، لعل في مفهوم العائلة الديمقراطية ما يخرجنا من تيه نعيش في أكنافه.