نعيش اليوم ذكرى عاشوراء التي تجاوزت في معانيها ومدلولاتها الالم والحزن على هذه الفاجعة وهذا الخلل في التاريخ الاسلامي الذي اصاب الامة بجرح لازال ينزف حتى اليوم.
لتكون عاشوراء باحداثها وتفاصيلها مرحلة التاسيس لثقافة الثورة في المجتمع الاسلامي بعد وفاة سيدنا ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام والحركة الاولى للاصلاح وتصحيح المسار للامة عبر مفاهيم الحرية والتضحية من اجل العدالة ورفض الاستبداد، هذه المعاني والقيم التي خرج الامام الحسين عليه السلام من اجلها ، اليوم الجماهير العربية على امتداد العالم العربي تواجه اكبر مؤامرة في تاريخها الارهاب الصهيوني التكفيري بعد كل هذه القرون من تاريخ عاشوراء وموقعة كربلاء .
أي شعب من شعوب العالم، وأية امة من امم العالم، تريد ان تعيش حياة وردية حبلى بديباجة الرخاء والاستقرار، عليها ان تتخذ من ثورة عاشوراء، مدرسة مرجعية لكل أمر من امور بناء تنميتها ونهضتها، ولكل امر من امور رسم مستقبلها وحضارتها، لأن رقي الانسان وبناء شخصيته ليسا مرهونين بضخامة رصيد فاتورة حسابه، وليسا متعلقين بكثرة جاهه ونفوذه، ولا بكثرة مشروعاته وعقاراته، وانما بعظمة ما قدمه من خدمات انسانية واجتماعية واخلاقية إلى بني جنسه. فالامام الحسين لم يقدم إلى البشرية كنزا ماليا ضخما، لأنه كنز زائل فان، وانما قدم إلى البشرية ما هو اغلى وأجل وأثمن، وهو كنز الحرية والكرامة والاستقلال ، وهل يوجد هناك شيء اثمن وأعظم من كنز المبادئ والقيم والاخلاق، وكنز التعاليم والمفاهيم السلوكية الحميدة.
اليوم نحن امام منازلة بين الدم والسلاح تماما كما كانت المواجهه بين الدم والسيف في كربلاء ،تخرج الشعوب العربية بمقاومتها الحية بمواجهة الهجمة الاستعماربة الصهيونية الارهابية التكفيرية ، لتكتب مرحلة جديدة في تاريخ الامة.
انها كربلاء تستعاد في هذه المرحلة التاريخية الفاصلة في حياتنا ومستقبل منطقتنا تستعاد الارداة نحو التضحية من اجل مستقبل افضل للاجيال القادمة .
حيث تقف قوى المقاومة في المنطقة رغم اختلال موازين بخندق المواجهة بعد ان استباحت القوى التكفيرية مدن وبلدات وقرى عربية وارتكبت افظع المجازر بحق الشعوب التي تصدت لها بصدور عارية ، ندرك عندها ان ثورة الامام الحسين كانت ثقافة لكل انسان وملهمة كل طالب حق وحرية ، وان التنوير والنهضة والوصول الى الحرية قد تكون على حساب الجسد والدم.
لان حركة الامام الحسين (ع) لم تكن حركة فئوية او محدودة الهدف ولم تنتهي بالمكان والزمان التي وقعت فيهما بل مثلت حركة انسانية واستشرافيه داخله في صيرورة التاريخ وتدافع الاجيال وبقاء القيم وزوال الطغاة.
ومن قيم ثورة الحسين كان انتصار المقاومة في لبنان والمقاومة في فلسطين وكان هناك للدم كلمة حاسمة امام سيوف الكيان الصهيوني ووقفت هناك في جنوب لبنان قيم الحسين في وجه معقل اخر من معاقل الظلم في الارض.
لم يثن المقاومين اختلال موازين القوى مع العدو لان موازين القوى تلك لم تثن حفيد رسوال الله عن الذهاب الى الحق .
ان ذكرى مأساة يوم عاشوراء الأليم ووقائع ملحمة ألطف الخالدة وفواجعها، نحيا ذكراها ، حيث جسد الإمام الحسين(عليه السلام) دعوة جده بتضحياته الجسام وأوقف تيار الظلم عند حدّه وأصلح أمة جده بثورته المباركة، وهذا مما يجعلنا ان نأخذ جميعاً من مناهجه الدرس تلو الدرس والعبر برشاقة ألقيمه إلايمانيه ومناهج تطور الفكر الإنساني لإرساء عالم متحضر متآخي لدحر الاستبداد والظلم والإرهاب الأسود مستلهمين ذلك من مواقع وسلوك ومنهج ثورة الأمام الحسين، ونستمد من واقعة الطف التاريخية معاني الحياة وفلسفتها وما رسمته للمستقبل خطوط خارطة الطريق الواضح للأجيال ،كون ملحمة الإمام الحسين أبو الأحرار أوقدت شعلة في أعماق التاريخ منذ أربعة عشر قرناً الماضية ولم تنطفئ جذوتها على مدى الزمن وحتى يومنا هذا مستمرة تجلت فيها ثورة الفكر الإنساني بعيدا عن الترهيب والترغيب متلازمة مع مبادئ الإسلام والتزاماته في المساواة وضمان حقوق المستضعفين القائم على أساس التحرير من العبوديه ومقارعة الظلم والفساد.
لقد قطع الإمام الحسين (ع) الشك باليقين عندما حدد هدف ثورته بكلمة "الإصلاح"، فالإصلاح يعني أن تعيش الأمة معززة مكرمة، ينتشر بينها العدل، وتسودها روح المساواة، وتعلو فيها كلمة الحق، ضمانا للمحافظة على حرية الإنسان وصون حقوقه المشروعة.
إن الإمام الحسين قد استشهد من أجل انتصار الرسالة ألمحمديه التي أرسى أهدافها جده النبي محمد " ص" وقد اصطحب معه أصحابه وأهل بيته من النساء والصبية والأطفال من اجل التضحية فانتصرت رسالة الإسلام ألمشرقه فقد ضحى من اجل ان يصان الشرف واعراض جميع البشر وحفظ حرمة الإسلام، ولم يرضخ واتباع اهل البيت في يوما ما لتسلط ونزوات الطغاة الذين هدموا قبور البقيع قبور أهل البيت وصحابتهم الاطهار، هذا هو الامتداد بام عينه لنهج الطغاة ،الا ان العالم خلد إمام الانسانيه والرسالة الحسينيه رسالة الحق وبوابة الحق ضدالظلم فكانت الشهادة من اجل الحياة الكريمه على الذله لذا كان القدوة لدى الشعوب الحره .
فكانت عاشوراء حاضرة في انتصار الجمهورية الاسلامية في ايران بمواجهة الشاه ، هذه الثورة التي قادها الامام الخميني " قده " والتي عبرت عن مساندة للشعب الفلسطيني المشرد من ارضه هذا الشعب الذي يقف اليوم بالدم في مواجهة اعتى انواع السلاح الصهيوني ، هذا الشعب الذي يستشهد في كربلاء الضفة والقدس وكربلاء غزة، وهي اليوم ملهمة للشعب الفلسطيني فصمد الشعب الفلسطيني بمواجهة العدوان والارهاب الصهيوني في قطاع غزة والضفة الفلسطينية والقدس في مواجهة سيف الاحتلال المدعوم من الامبريالية الامريكية ومعاقل الظلم التي ساندته في الغرب وكانت قيم كربلاء حاضرة في مواجهة الاحتلال والظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني.
من قلب الخنادق ومن قلب الحدث ومن معاناة الشعب الفلسطيني انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة ضد الظلم والقهر والعدوان والاحتلال ، ثورة شعب فلسطين كانت اسطورة العصر ، ثورة الاحرار والشرفاء ثورة كانت عنوانا للشعب الفلسطيني ومسيرة كفاحه الوطنية سقط خلالها الشهداء من اجل تحقيق اهداف وطنية وقدمت خيرة قادتها شهداء الذين قضوا على درب الحرية والاستقلال والكفاح.
نعم تواصلت الاجيال وحملت الامانة من اجل نيل الحرية وتقرير المصير وكان الصوت الفلسطيني الحر الذي استلهم من ثورة الحسين وثورات الاحرار في العالم الصوت المقاوم الذي يتحدى جبروت الاحتلال من اجل تحقيق اهداف الشعب الفلسطيني الوطنية المشروعه، ليثبت للعالم انه شعب العطاء والتضحية .
في يوم عاشوراء نقول ان الالم الذي تحمله والمعاني التي لابد من استلهامها في مواجهة ما تتعرض له المنطقة اليوم من هجمة امبريالية صهيونية ارهابية وظاهرة ما يسمى بداعش التي ترتكب المجازر ضد شعوب المنطقة وعلى الاخص في سوريا والعراق ولبنان هي نتيجة مباشرة للتدخل الامبريالي الاستعماري منذ احتلال العراق بهدف الوصول الى تقسيم دول المنطقة إلى دويلات وكنتونات طائفية ومذهبية وعرقيه ، وان قدرة المقاومة والصمود لدى شعوب المنطقة ونخبها، ستبقى هي الاساس في مواجهة هذه المؤامرة الكونية على الامة العربية ، فان ملحمة اسشهاد الامام الحسين عليه السلام تتجاوز الفئوية و الطائفية والمذهبية لانها فاجعة لكل المسلمين والعرب والاحرار والشرفاء في العالم، وهي ذكرى تأمل ومراجعة الذات ، والوقوف مع الحق بعيدا عن العصبيات والنظرة الفئوية الضيقة .
لهذا نقول في ذكرى ثورة الامام الحسين عليه السلام ، إذ لا مهادنة ولا ضعف في وجه قوى الارهاب التكفيري، مهما كان الثمن ، فلنزرع فينا جميعا روح المقاومة لأنها حاجة موضوعية تفرضها طبيعة المرحلة، ونحن اليوم نوجه تحية إلى شهداء الجيش اللبناني وشهداء الجيش المصري وشهداء الجيش السوري وشهداء فلسطين وشهداء المقاومة الأبرار جميعا الذين اضاؤوا بدمائهم طريق العزة والكرامة من اجل غد افضل .
لذلك، فامام ما نراه اليوم من ارهاب تكفيري وقتل واجرام واغتصاب وبيع للنساء وفساد ، وبؤر الحضيض والانحطاط، من هذه الاعمال هي غطاء يجري في ظل تهيئة الظروف اللازمة لتقسيم المنطقة الى دويلات لضمان امن كيان الاحتلال الصهيوني كما تريده القوى الاستعمارية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية لحماية مصالحها في المنطقة، مما تتطلب منا تصعيد وتيرة الكفاح والنضال بمواجهة هذه الجرائم ، حتى تتمكن من تعيش انسانا عزيزا كريما.
ختاما : ان الإمام الحسين كان رمز الثورة وجذوتها المشتعلة ، ولهذا نقول أن الثورة عمل غير مؤجل حيث نعيش كل يوم كربلاء ، وأن فلسطين ستبقى قضية الامة الاولى ومهما تطورت الاحداث ، فان وحدة الموقف الفلسطيني وتمسكه بخيار المقاومة بكافة اشكالها النضالية حتى زوال الاحتلال ، هو الطريق نحو استعادة حقوق الشعب الفلسطيني واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس وضمان حق العودة لشعبنا اللاجئ والمهجر الى دياره وممتلكاته وفق القرار الاممي 194 .