شمس والعدالة الاقتصادية المُغيبة!!

بقلم: حسن عطا الرضيع

شمس هي طفلة لا يتجاوز عمرها 8 سنوات , تعمل بائعة متجولة في أحد الكافيتريات بشمال غزة, تُشكل هذه القضية مشكلة اقتصادية يعاني منها الاقتصاد الغزي وهي عمالة الأطفال والتي تزايدت في قطاع غزة في الشهور الأخيرة والتي تأخذ أشكالاً مختلفة والتي تقترب من 3% , ولكن أن يكون من ضمن عمالة الأطفال هم من دون الثمانية أعوام فهي كارثة اجتماعية يتحمل الجميع مسؤولية ذلك, تزايد هذه الظاهرة يعبر عن تفاقم المشكلات الاقتصادية التي يعانيها أهالي قطاع غزة وتحديداً المعدلات المرتفعة للبطالة والتي وحسب التوقعات للعام القادم ستبلغ قرابة 50% من إجمالي القوى العاملة وهي النسبة التي ربما تكون الأعلى عربياً , ارتفاع معدلات البطالة أصبحت سمة رئيسية في الاقتصاديات وتحديداً النامية منها وشكلت السنوات الثلاثة الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في معدلاتها في الدول العربية والتي تزايدت من 14% إلى 17% كمتوسط لجميع الدول العربية ويعود ذلك لحالة الركود الاقتصادي التي تعانيه المنطقة لجهة تفاقم أزمة الركود العالمي وتراجع الطلب الكلي وانخفاض أسعار النفط وكذلك حالة اللا استقرار في الأوضاع الأمنية والسياسية, ولكن في غزة أسوء بكثير كون أن معدلات البطالة المرتفعة تمس كافة مناحي الحياة, وتشكل بذرة رئيسية ونواة لاندلاع العديد من الأمراض الاجتماعية كتفاقم الفقر واستفحال الفقر في غزة بهذا الشكل لا يعزى فقط للاحتلال وسياساته الهادفة لتدمير الاقتصاد الغزي وجعله تابعاً وفقيراً وإنما نتيجة لفقر السياسات التي تتبعها الحكومات الفلسطينية المتعاقبة والتي أهملت لحد كبير لتلك الشرائح رغم الاهتمام المتزايد في موازناتها للشرائح الاجتماعية في السنوات الخمس الأخيرة إلا أن ذلك الاهتمام لم يولي بدرجة كبيرة للحد من تلك المشكلات بقدر ما هدفت إلى التخفيف من درجة الحرمان والاعتماد على سياسة الإغاثة , مع الإهمال المستمر للقطاعات التطويرية والتنموية من موازناتها, ففي موازنة العام 2014 بلغت النفقات الإجمالية 13,149,484 ألف شيقل, وتوزعت كالتالي القطاع الاجتماعي ( وزارة التربية والتعليم العالي, وزارة الصحة, شؤون الأسرى والمحررين , مؤسسة رعاية أسر الشهداء, وزارة الإعلام وهيئة الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء والمعلومات وفا, المجلس الأعلى للشباب والرياضة, وزارة الثقافة ودار الإفتاء الفلسطينية , وزارة العمل, وزارة الشؤون الأوقاف والشؤون الدينية ) وبلغت 6,165,776 ألف شيقل وبلغت نسبتها من إجمالي النفقات 46.8% , وبلغت نفقات القطاع الاقتصادي ( الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني , وزارة السياحة وسلطة الأراضي, وزارة الاقتصاد الوطني, الهيئة العامة للمدن الصناعية, مؤسسة المواصفات والمقاييس , الهيئة العامة للاستثمار ووزارة الزراعة) حوالي 237,615 ألف شيقل وشكلت نسبة 1.8% , أما نصيب الزراعة فبلغ فقط 0.77% وقطاع البنية التحتية بلغ 435,061 ألف شيقل بنسبة 3.3%وبلغت المساهمات الاجتماعية لجميع القطاعات 655,340 ألف شيكل وتشكل نسبة 4.9% من إجمالي النفقات العامة.
يتضح من بنود توزيع النفقات في الموازنة العامة الفلسطينية اهتماماً متزايد بالقطاع الاجتماعي حيث شكلت نسبة مرتفعة نسبياً عن سنوات سابقة, ولا يعني ذلك بالضرورة تحسن في الأداء الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية في ظل غياب الرؤى والاستراتيجيات المنتهجة والتي لم تهتم بالقطاعات المنتجة والتي تحد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية القائمة, التركيز المستمر للموازنة على بنود النفقات التشغيلية والرواتب والأجور والاعتماد في تمويل ذلك على المساعدات والمنح الخارجية والضرائب غير المباشرة ( قيمة المقاصة) يعمق أكثر التشوهات في البنيان الاقتصادي الفلسطيني , ويتوجب ذلك إعادة النظر في إعداد الموازنة للعام القادم 2015م بإعطاء أهمية أكبر لقطاع البنية التحتية والزراعة وتنظيم الأسواق ومنع التهرب الضريبي والاقتصاد الخفي , ودعم القطاعات المنتجة وإيجاد بدائل لإغاثة الشرائح الأكثر فقراً عبر التفكير بمشروعات التمويل الميكروي القائم على إدخال الفقراء في سوق العمل وعدم هدر الطاقات الموجودة لديهم مقابل مساعدات دورية , والترشيد وعدم الإفراط في الموازنة عبر فرض ضرائب تصاعدية على الأجور المرتفعة والرقابة على الجهاز المصرفي ومنع هروب الأموال للخارج واستثمارها محلياً .
وفي المحصلة الأخيرة فعلى الرغم من محدودية الموارد المتاحة وانكشاف الاقتصاد الفلسطيني وتشوه هياكله باستمرار واستدامة المشكلة الاقتصادية القائمة, إلا أن إعداد موازنة منتجة ومتوازنة تضع في أولوياتها العدالة الاجتماعية وسمات اقتصاد الانتاج وتراجع المجتمع اللا منتج يساهم بالتخفيف من حدة تلك المشكلات مع بقاءها ولكن بنسبة وتيرة أقل من الوقت الراهن كون أن هناك انتقال عكسي للموارد المالية الفلسطينية فحجم الودائع المتاحة في البنوك المحلية وامكانية استقطاب ودائع أخرى يتوجب على السلطة تحفيز وتعبئة أكبر للاستثمار بسياساتها المختلفة تضمن توجيهها في قنوات استثمارية صحيحة كونها تزيد عن إجمالي الدين العام وإجمالي الناتج المحلي الإجمالي وهنا وبتوظيفها جيداً يتم إزالة تدريجية لحالة التشوه في الاقتصاد الفلسطيني
الاقتصاد الغزي عبر المساعدات والمنح الخارجية و الجهات الداعمة وغيرها لن يُجني ثماراً بدون صعود رأس المال المحلي واستثماره جيداً وحسب المثل الشعبي الفلسطيني " ما بحرث الأرض إلا عجولها " .