بريطانيا وقوى الغرب الإستعماري زرعت دولة الكيان في قلب العالم العربي،وهي لم تهدف فقط لإحلال المستوطنين والغزاة الصهاينة محل شعبنا،بل كان الهدف ان تكون دولة الكيان الصهيوني رأس الحربة في ضرب حركة التحرر العربي والمشروع القومي العربي،ومنع نشوء او قيام أي وحدة عربية مستقبلاً،ومنذ ذلك التاريخ وحتى اللحظة الراهنة تحرص تلك القوى الإستعمارية على "تسمين" دولة الإحتلال ومدها بكل مقومات القوة،فإذا كان مشروع سايكس - بيكو الأول في التقسيم الجغرافي للوطن العربي،قد استهدف إقامة دولة اسرائيل،فإن إعادة النظر في مركبات سايكس - بيكو الجديد الان القائم على تفكيك الجغرافيا العربية وإعادة تركيبها مذهبياً وطائفياً،يحرص على إستمرار بقاء اسرائيل قوية ومسيطرة على المنطقة لعقود قادمة...ويخطيء من يظن بان دور ووظيفة اسرائيل كوكيل للقوى الإستعمارية في المنطقة قد استنفذت،فصحيح ان دولة الإحتلال من بعد حرب تموز /2006 العدوانية التي شنتها على المقاومة اللبنانية وحزب الله،ولأول مرة بالوكالة عن امريكا لخلق مشروع الشرق الأوسط الجديد،والتي فشلت فيها،بحيث غدت اسرائيل دولة غير صالحة للحروب،ولكن على ضوء ذلك ولكي يضمن لإسرائيل البقاء كقوة مسيطرة،كان مشروع الفوضى الخلاقة،مشروع اغراق العالم العربي في الفتن والحروب المذهبية والطائفية،وبما يبقي اسرائيل قوة مركزية في المنطقة،وهذا المشروع رهن تحقيقة بإضعاف وتدمير جيوش العراق وسوريا ومصر كقوى مركزية وذات ثقل ووزن في العالم العربي.
منذ ذلك التاريخ وحتى اللحظة الراهنة لم تعتذر بريطانيا لا سياسياً ولا اخلاقياً عن ما إرتكبته من جرائم بحق الشعب الفلسطيني،وما سببته له من معاناة،بل بريطانيا كانت دائماً سباقة للوقوف الى جانب الإحتلال،فيما يرتكبه من جرائم بحق شعبنا الفلسطيني،حتى أنها عدلت قوانين محاكمها،لكي تمنع إعتقال ومحاكمة قادة وجنود الإحتلال على الأراضي البريطانية عقاباً لهم على ما إرتكبوه من جرائم حرب بحق الشعب الفلسطيني.
حكومة الإحتلال حتى يومنا هذا تلاحق المانيا،بسبب الجرائم التي إرتكبتها النازية بحق اليهود "الهولوكست"،والمانيا لهذا اليوم تدفع لإسرائيل تعويضات مالية،وتقدم لها الكثير من المساعدات العينية،بما في ذلك احدث الأسلحة والغواصات الحربية. اما بريطانيا فهي حتى اللحظة منحازة لدولة الإحتلال،تغطي وتبرر لها جرائمها بحق الشعب الفلسطيني،وفي اغلب الأوقات،في المحافل الدولية،كانت تقف وتعارض أية قرارات قد تتخذ او عقوبات قد تفرض ضد وعلى اسرائيل،بسبب سياستها العنصرية وجرائمها بحق الشعب الفلسطيني،أو خرقها وخروجها السافر ل وعلى القوانين والاتفاقيات والمواثيق والمعاهدات الدولية.
الشعب الفلسطيني عليه ان لا يغفر ولا يسامح حكومة بريطانيا،ويجب ملاحقتها في كل المحافل الدولية،وحتى لو دفعت لشعبنا تعويضات حتى يوم القيامة،فهي لن تبيض صفحتها او تغفر لها،جريمتها بحق شعبنا الفلسطيني،فهذا الشعب ما زال لاجئاً اكثر من نصفه ويعيش في ظروف تفتقر الى ادنى شروط ومقومات الإنسانية،مخيمات لجوء تعرض فيها للتشريد في اكثر من بلد عربي،ثمناً للخلافات والصراعات العربية الداخلية،ومن بقي منه على ارضه وفي وطنه،ما زال محروماً من حقه بالعيش بحرية وإستقلال كباقي شعوب الأرض،بل هو يموت في اليوم مئة مرة،بسبب ممارسات الإحتلال القمعية والعنصرية والإجرامية،والتي تستهدف الإنسان الفلسطيني،وكل مقومات وتجليات وجوده،والتي هدفها الأساس مصادرة ارضه،ودفعه للطرد والهجرة القسرية في مأساة لجوء جديدة.
الإحتلال جسد حلمه وبدعم من كل قوى الإستكبار والظلم العالمي،واقام دولته العنصرية على ارضنا ومحل شعبنا،ويمعن ويسارع في إجراءات تهويدها عبر زرعها بالمستوطنات والمستوطنين،متوهماً بان شعبنا الفلسطيني،صاحب الحق الشرعي في هذه الأرض قد يتبخر،ويحلم او يصحو قادته ليجدوا بان البحر قد إبتلع هذا الشعب،او قد تحدث متغيرات عربية وإقليمية كبرى توفر لهم الفرصة لطرد هذا الشعب بشكل جماعي.
منذ المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا،آب/1897،والقرار بتجسيد الحلم الصهيوني بوطن قومي على أرضنا،إستطاع قادته ان يجسدوا ذلك بأقل من خمسين عاماً،ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم،وشعبنا الفلسطيني يقاوم الغزوة الصهيونية،ويقدم التضحيات الجسام،من اجل إستعادة حقوقه وأرضه وعودة لاجئيه لديارهم التي شردوا منها،ولكن بسبب قوة الدفع والدعم الكبيرتان اللتان تقفان خلف هذا المشروع،من قوى إستعمارية،لم يستطع ان ينجز جزء من اهدافه بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس على الجزء المحتل منها عام 1967،ولكن هذا لا يمنعنا من القول،بأن الحالة الفلسطينية وما عاشته وتعيشه من شرذمة وإنقسام،هي الأخرى كانت واحدة من الأسباب التي لم تمكنا حتى اللحظة من تحقيق ولو جزء من هذا الحلم،وكذلك في أغلب المحطات والمراحل،لم تكن القيادات الفلسطينية،بحجم التضحيات التي يقدمها هذا الشعب.
صحيح من لا يملك اعطى لمن لا يستحق،ولكن هذا الوعد ومفاعيله ستبقى قائمة ومستمرة،ما دامت القيادة الفلسطينية مشرذمة،وتعظم وتغلب مصالحها الذاتية والفئوية على مصالح الوطن،ولا ترتقي الى نضالات هذا الشعب وتضحياته،فما زالت بعد اكثر من سبع سنوات حالة الإنقسام بين جناحي الوطن قائمة،رغم الحديث عن الوحدة الوطنية وحكومة الوفاق وإنهاء الإنقسام،فهذ الحكومة حتى اللحظة لم تقلع بشكل حقيقي،وكانها حكومة وحدة شكلية ورفع عتب،ولا نلمس صدقية او جدية عند طرفي الإنقسام،بترجمة ما يجري الإتفاق عليه الى فعل ووحدة حقيقية على الأرض،وخصوصاً ان هناك مخاطر جسام وجدية على المشروع والقضية الوطنية،فعملية الإعمار في غزة لم تبدا حتى اللحظة،والناس تعيش ظروفاً غاية في المأساوية،فما زال اكثر من مئة ألف شخص مشردين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء،لأن منازلهم دمرها العدوان الصهيوني الأخير،وكذلك القدس والأقصى يتعرضان لحرب شاملة على مدار الساعة من قبل الإحتلال الصهيوني.
ولذلك الذكرى السابعة والتسعين للوعد المشؤوم،بالضرورة أن تضع الجميع امام مهامه ومسؤولياته سلطة وأحزاب ومؤسسات مجتمع مدني واهلي،مهام ومسؤوليات حماية المشروع الوطني والحقوق المشروعة من خطر التبديد والضياع،فهناك متغيرات كبرى وسريعة تحدث في المنطقة،اذا لم نعيها ونستثمرها جيداً،قد ندفع ثمنها ضياع حقوقنا وإنهاء قضيتنا.