بطاقة سيئة السمعة والصيت

بقلم: أسامه الفرا

داخل مطارات العالم توجد قاعة للشخصيات المهمة "VIP"، وتعريف الشخصيات المهمة التي بإمكانها الولوج إليها والتنعم بالراحة فيها يختلف عن التعريف السياسي لها، حيث تكفل تذكرة الطائرة على الدرجة الأولى لصاحبها أن يستفيد من خدمات الصالة، وخطوط الطيران تمنح بطاقة شخصية مهمة تعطي صاحبها الحق في استخدام القاعة في المطارات المختلفة بعد أن يحصل على مجموع نقاط من سفرياته المتكررة على متن الخطوط الجوية، لكن على أي حال لا تستفز تلك القاعات الممنوعين من دخولها، كون المرء بإستطاعته الحصول على خدمة تضاهيها في ردهات المطار المختلفة.

خدمة الشخصية المهمة تجدها أيضاً على معبر الكرامة، وهي ليست حكراً على فئة دون الأخرى، حيث بإمكان اي مواطن الاستفادة منها كونها خدمة مدفوعة الأجر بتكلفة في حدود الخمسين دولاراً، المهم أن هذه الخدمة أيضاً لا تثير حنق وغضب الغير قادرين على استخدامها، فما تقدمه لا يتجاوز توفير القليل من الراحة والقليل من الوقت.

الأمر يختلف كثيراً فيما يتعلق ببطاقة "VIP" التي تمنحها حكومة الاحتلال لبعض القيادات الفلسطينية وما توفرها لهم من تسهيلات، فمن حيث المبدأ حكومة الاحتلال هي من تقرر الشخصية المهمة وتضع معاييرها لذلك، وهي صاحبة الحق في منح وسحب البطاقة وقتما شاءت، وشتان بين أن يكتسب المرء أهميته من شعبه أو أن تمنحه إياها القوة المحتلة لوطنه، لذلك ما تمنحه هذه البطاقة من تسهيلات لحاملها لا يتناسب البتة مع ما تجلبه له من حنق وغضب المواطنين عليه، وبقدر ما تيسر عليه الحركة بقدر ما تقلل حب الناس إليه، هي بطاقة سيئة السمعة والصيت بكل ما تحمله الكلمات من معاني.

قبل سنوات وأثناء عودتي إلى القطاع عبر معبر رفح بعد مشاركتي في مؤتمر دولي يتعلق بالبلديات في اسبانيا، كان ازمة المعبر على أشدها، الصالة المصرية تعج بالعائدين إلى الوطن، ساعات طويلة أمضيناها حتى وصلنا إلى الحافلة التي ستقلنا من الجانب المصري إلى الجانب الفليسطيني، الحافلة شبة ممتلئة بحقائب السفر فيما المساحة الصغيرة فيها التي خصصت للمسافرين لا تتسع لقدم، كان يومها وفد من أعضاء المجلس التشريعي يهم بالعودة إلى الوطن بعد أنهى مشاركته في مؤتمر خاص بالتشريعات المتعلقة بالسلطة القضائية في مصر، ما أن اقتربت من الحافلة حتى حاول أحد أعضاء المجلس التشريعي أن يفسح لي موضع قدم على الدرجة الأولى من سلم الحافلة.

بالكاد وضعت قدمي على حافة الدرجة الأولى للحافلة وأمسكت بيد صديقي النائب، فيما القدم الأخرى ومعها باقي الجسم معلق في الهواء، ما أن بدأت الحافلة في التحرك حتى استجمعت كل قواي لأتشبث بالنائب، بينما كنت على هذه الحالة اغتلست نظرة إلى داخل الحافلة المليئة عن بكرة ابيها بالمسافرين وحقائب سفرهم، كانت حقائب السفر تقترب من سقف الحافلة، المسافة بينهما بالكاد اتسعت لأن يمدد النائب سليمان الرومي جسده عليها بعمته وقفطانه.

دوماً ما استرجع هذا المشهد من ذاكرتي عند الحديث عن بطاقة "VIP "، مؤكد أن احترام المواطنين للنواب يومها لأنهم شاركوهم معاناتهم يكفيهم، فليس هناك ثمة عمل لمسؤول يضاهي مشاركة المواطن معاناته، ألا يجدر بنا اليوم سن قانون يمنع بموجبه امتلاك بطاقة "VIP" سيئة السمعة والصيت؟.