ذكري وذكريات.. وعودة الحق الى اصحابه

بقلم: وفيق زنداح

فرحة غامرة ...وسعادة لا توصف ...وذكريات تعود ...مع عودة مبني الفضائية لأصحابه الذين اسسوا وبذلوا جهودا مضنية ...وقصاري ما بجهدهم من أجل ايصال رسالة اعلامية فلسطينية وطنية وحدوية ...بما توفر لهم من كادر اعلامي وفني وامكانيات مالية ...وبما توفر لهم من مناخ اداري في ظل تتابع مسئولية هذه الهيئة عبر سنوات عمرها .

هذا المبني والذي لا يشكل في وجداني وذكرياتي جدران صامتة ..وغرف مغلقة ..ولكنه يمثل بالنسبة لي روح العمل والانجاز ...روح المسئولية والرسالة الاعلامية التي حرص علي ايصالها كافة العاملين من أخوة وأخوات ..والذين واصلوا الليل بالنهار من أجل اعلام فلسطيني هادف ..اعلام وطني وحدوي ..اعلام فلسطيني خالص ومخلص لفلسطين وشعبها وقضيتها العادلة .

تلفزيون فلسطين والفضائية الفلسطينية ومن خلال العاملين بهذه المؤسسة العريقة بذلوا من الجهود والطاقات ما سيبقي محفورا بذاكرة الوطن ...وكم يصعب علي الانسان عندما كان يمر بجانب هذا المبني خلال السنوات الماضية ...وهو فاقد لروح العطاء ..وبث الفضاء ..وصوت فلسطين الذي يصل الي كافة دول العالم مخاطبا وموصل لرسالة اعلامية تتسم بالموضوعية والاتزان والتحليل السياسي الموضوعي وصورة المشهد الفلسطيني بكافة تفاصيله الثقافية الاجتماعية التراثية ...ومن خلال الاغنية والقصة والفيلم الوثائقي والبرامج المتنوعة والنشرات الاخبارية واللقاءات الميدانية والبث المباشر من موقع الحدث ..وايصال الصورة والكلمة أثناء كل عدوان كنا نتعرض له من قبل هذا العدو الاسرائيلي ...وما تعرضنا له من قصف جوي ونحن بداخل المبني وفي محيطه كان مقر القيادة الفلسطينية وعلي رأسها الرئيس الشهيد ياسر عرفات ومن بعده الرئيس محمود عباس .

تاريخ التلفزيون والاذاعة والفضائية تاريخ حافل وطويل ولا يمكن أن يسرد بتفاصيله وعناوينه من خلال مقاله ..لكننا نختصره من الجلوس علي الحجر ....والكاميرا الوحيدة ..والسيارة الوحيدة ..والاستوديو الصغير والوحيد ..وما حدث من تطور بعد ذلك علي صعيد الأجهزة والاستوديوهات ...وما بين مرحلة واخري هناك الكثير من الذكريات ...والجهود المكثفة والطاقات المبذولة والابداعات المتعددة والمتنوعة التي بذلت من قبل الأخوات والاخوة الاعزاء وبكافة التخصصات من الاخبار والبرامج الى الهندسة والديكور ومجمل الطواقم الفنية من تصوير واضاءة وصوت ومونتاج الى اقسام المكتبة والارشيف الى الادارة وشئون الموظفين والادارة المالية والخدمات ...جهود تجمعت من قبل كافة العاملين حتى يوصلوا الصورة والكلمة والصوت الفلسطيني الى كافة أصقاع الدنيا .

استلام المبني من قبل وزير الاشغال العامة انهاء لمرحلة ..وبداية لمرحلة جديدة نتمني أن تكون بداية حقيقية لإنهاء الانقسام الاسود الذي أضاع علينا جهود سنوات طويلة من العمل وما فقدنا من أرشيف المكتبة والتسجيلات للبرامج المتعددة ..كما فقدنا كافة الاجهزة الفنية والمكاتب والسيارات الخاصة بعمل الطواقم الفنية وما بينهما من تفاصيل كثيرة تم فقدها ..وهنا لابد من الاشارة الى فقدان الكثير من الاجهزة التي كانت متواجدة بمبني مركز التدريب الاعلامي والممول من منظمة اليونسكو والتي كان يقوم علي تدريب كافة الخرجين والمهتمين بالإعلام من كافة الجامعات الفلسطينية .

هذا المبني الذي تم تسلمه دخله الالاف ومن كافة الفصائل الوطنية والاسلامية والمثقفين والكتاب والمحللين السياسيين والشخصيات العامة ورجال الدين ومسئولي المؤسسات الحكومية وغير الحكومية وأسر الشهداء والاسري والجرحى وبداخل هذا المبني تم تسجيل ألاف الحلقات التلفزيونية المسجلة والمباشرة ..كما وتم انتاج العديد من الافلام الوثائقية وتسجيل الاغاني الوطنية وانتاجها والمسلسلات .

هذا المبني الذي تم تسلمه بذلت بداخله جهود لا توصف ..ودماء وعرق بذله كافة العاملين ...هذا المبني الشامخ والعملاق والذي لم نشعر بأهميته ومحبتنا له الا عندما فقدناه خلال سنوات الانقسام ...هذه السنوات القاسية التي مرت علينا جميعا ...وها نحن أمام عودة الحق لأصحابه ..عودة العاملين من أخوات وأخوة أعزاء ليستكملوا مسيرتهم الاعلامية والوطنية وبروح جديدة ومتجددة وبإرادة قوية وصلبة ..وبفكر واعي ومستنير .

لم نفقد طوال سنوات عملنا الاعلامي داخل هذا المبني البوصلة ..والرؤية الوحدوية ..والفعل الوطني الملتزم ..كنا نحرص علي بناء جذور الثقة والعلاقات الطيبة مع كافة شرائح المجتمع وقواه السياسية الوطنية والاسلامية لأننا تربينا في هذه المؤسسة ان تلفزيون فلسطين ...تلفزيون الشعب الفلسطيني ..تلفزيون الثوابت والمشروع الوطني ..تلفزيون الشرعية الفلسطينية .

كان تمسكنا بالشرعية الفلسطينية واجبا وطنيا واحتراما وتقديرا والتزاما بعملنا الوظيفي داخل هذه المؤسسة التابعة لمكتب السيد الرئيس ...وهذا لا يعني اننا كنا نطبل ونزمر بكل ما يقال ..بل كنا نقوم بجهد اعلامي تحليلي موضوعي ...وتحمل كلا منا مسئولية ما يقوم به ...واستضفنا من خلال شاشتنا كافة قيادات حماس والجهاد والجبهتين الشعبية والديمقراطية والشخصيات الوطنية والمستقلة وبطبيعة الحال كنا نستضيف قيادات حركة فتح ...ولم نهاب استضافة أحد وقلنا نقول بصراحة تحدثوا بما تشاءون ولكم الحرية الكاملة ..لكنها الحرية المسئولة المحافظة علي وحدة الصف والتي لا تسئ لصورتنا .

حقا ..لقد كان جميع الضيوف ومن كافة الفصائل ملتزمون وحريصون علي سلامة الصورة والكلمة وهذا ما أشهد عليه انا وكافة زملائي العاملين بهذه الهيئة ...كما ويجب التذكير وعلي مدار عملنا داخل هذا المبني لم يسجل أن منع أحد من الحضور والاستضافة ...ولم يكن صحيحا أن تلفزيون فلسطين هو لحركة فتح دون غيرها من الفصائل الأخرى .

كنا دائما نؤكد ومن خلال العمل أن هذا المبني والعاملين بداخله هم ملك للشعب الفلسطيني وللشرعية الفلسطينية ...ونعمل من أجل فلسطين وقضيتها العادلة وليس من أجل فصيل محدد .

الحديث عن تلفزيون وفضائية فلسطين يحتاج الى الكثير من التفاصيل ولكنني أردت من خلال هذه المقالة أن أسجل خالص التحية لكافة أخواتي وأخواني مباركا لهم عودة الحق الى اصحابه ومتمنيا لهم المزيد من التقدم والنجاح في ايصال رسالتهم الاعلامية ...كما ولا يفوتني أن أسجل اعتزازي بشهداء هذه المؤسسة وعلي راسهم مؤسسها المرحوم هشام مكي وكافة الشهداء الذين سقطوا من ابناء تلفزيون فلسطين ...كما ولا بد أن أسجل اعتزازي وفخري بالعمل لسنوات طويلة بهذه المؤسسة الوطنية التي ظلمت من القريب والبعيد ...لكنها تجاوزت الظلم ولم تلتفت له ...لأننا كنا نتحمل مسئولية مشروع وطني من خلال أداء رسالتنا المهنية والوطنية وقد نجحنا في العديد من المحطات وفشلنا في أخري ...لكنها كانت التجربة والارادة التي صممت علي أداء الواجب وأبدعت وانجزت وصبرت ...وها نحن اليوم أمام مشهد الحق يعود لأصحابه ...فكل التحية لأخواتي وأخواني وكافة المسئولين عن هذه المؤسسة ...وتمنياتي لهم مرة أخري بالتقدم والتطور من أجل ايصال رسالتنا الاعلامية الوطنية الوحدوية برغم كافة التحديات والمصاعب .