لعل الفرصة قد أوتيت للكثير منا أن يلحظ أنه من النادر أن تكون علاقة كبار المقاومين من أجل القضايا النبيلة والعادلة بالكفاح محض صدفة، إذ تشعر وكأن القدر هيأهم لكي لا يسلكوا سبيلا إلا سبيل الكفاح والمقاومة، فتجدهم وإن عاشوا الحياة العادية التي يحياها الناس فإن تلك الحياة ما هي إلا ذر للرماد في العيون لكي لا يعلم العدو من أمر كفاحهم شيئا. هذه هي الحياة التي عاشتها المناضلة الفلسطينية زكية شموط.
تشعر وأنت تقرأ سيرتها، أن الوعي الوطني يكاد يسبق وجودها الذاتي كإنسان له من الحقوق الطبيعية الحد الأدنى الذي ينبغي لكل إنسان على وجه البسيطة. كيف لا وهي التي اتخذت من استرجاع الأرض المغتصبة رفيقها في الحياة. لكن فرحتها بهذه الحياة اكتملت لما التقت بزوجها خارج عش الزوجية عندما أراد القدر أن يلتقيا مرة أخرى في عش الكفاح، إذ لا حياة لزكية خارج عش الكفاح. زكية وإن كانت ودودا ولودا فإنها لتزود القضية بما يكفيها من جنود. كم كانت فرحتها عظيمة يوم اكتشفت أنها ليست في حاجة لأن تعصي زوجها لكي تنخرط كجندية في الكفاح التحرري لحركة فتح، واكتملت فرحتها لما أدركت أن تخلفها هو نشوز عن عش الكفاح.
انطلقت زكية وليس في ذهنها إلا ما أراد الله لها أن تكون، وقد تزودت بالإيمان الراسخ بأن الزمن وإن طال فلا بد للهدف الأسمى أن يتحقق. انطلقت وهي تعلم علم اليقين أنها على أرض ملتهبة حينا ومفخخة أحيانا وأن لا مفر لها من السجون والمعتقلات إلا بلطف من الله. لكنها كانت تتمنى أن تنال من العدو نيلا عظيما قبل أن تلقى ربها أو أن لا يكون مصيرها أفضل من مصير الآلاف من الأسيرات الفلسطينيات اللواتي يقبعن إلى يوم الناس هذا في سجون الاحتلال الغاصب للأرض والقاتل لمقومات حياة شعب عريق اسمه الشعب الفلسطيني.
تذكرني حياة الراحلة زكية، رحمها الله، بحياة المئات من المناضلات الجميلات في حرب التحرير الجزائرية، مليكة قايد وحسيبة بن بوعلي وجميلة بوحيرد ولويزة إغيل احريز ومريم بن ميهوب وباية الكحلة وكثيرات هن لا يتسع المجال هنا لذكرهن جميعا. نتذكرهن باعتزاز ونحن على أبواب إحياء ذكرى انطلاق ثورتنا التحريرية المظفرة. وكأن صمود زكية شموط ما هو إلا نسخة ناصعة من صمود هؤلاء المناضلات اللامعات اللواتي دحضن ما كان يروج له المحتل أن الثورة إرهاب أو قطع طرق. الكفاح كفاح شعب برجاله ونسائه وأطفاله وحتى الحيوانات الأليفة تشارك في الكفاح إذا الشعب يوما أراد الحياة. من آوى المناضلين والمجاهدين؟ ومن مرض وعالج الجرحى؟ من أودع القنابل؟ من أوصل الرسائل؟ من تجاوز المهام الطبيعية لها لتلبس البدلة العسكرية وتتدرب على السلاح إنها المرأة الفلسطينية والجزائرية بامتياز فكان منهن الأسيرات والفدائيات ليسجل التاريخ أن المرأة نبع الكفاح عندما يكون الكفاح أسلوب حياة.
كاتب جزائرى
مجلة الذاكرة الوطنية