خطأ فني

بقلم: أسامه الفرا

اقتربت الصغيرة وهي تلتفت يميناً ويساراً كأنها تهم بقطع طريق يعج بالسيارات، لا تريد لأحد من أفراد العائلة أن تلتقط أذناه ما هي بصدد البوح عنه، تريد أن تسر به إلى والدها، قالت هامسة .. بالكاد التقطت كلماتها من حركة شفتيها.. صافرات الإنذار تدوي في غلاف قطاع غزة، صمتت قليلاً فيما أخذت عيناها تستجمع تعابير رد الفعل على ما جاءت به، حاولت أن اصنع ابتسامة على وجهي لتهدئة روعها ومازحتها بسؤال عن مصدرها لهذا الخبر؟، وهل مصدرها معلوم الهوية أم مجهول يتحصن بصفة المسؤول وهم كثر، سارعت بالإجابة مستنكرة صنيعي الذي يحمل قسطاً من التشكيك في قدراتها على متابعة الأخبار المتعلقة بواقعنا، رسالة على هاتفك النقال .. قالتها بشيء من الثقة، لم أجد ما أقوله لها سوى الإتكاء على إحتمالية الخطأ الفني، من الواضح أن إجابتي لم تتمكن من اقتلاع القلق الذي ينتابها.
بعد قليل عاد الجيش الإسرائيلي ليؤكد أن انطلاق صافرات الانزار جاء بفعل خطأ فني، ما أن رأت الصغيرة الرسالة الثانية حتى انفرجت أساريرها وعادت إليها طفولتها، مؤكد أن المساحة الزمنية بين الرسالة الأولى والثانية أخذت معها الطفلة إلى أيام الحرب المجنونة على غزة، خاصة وأن الطائرات الحربية الإسرائيلية .. الثقيلة منها والخفيفة .. لم تتوقف البتة عن التحليق في سماء غزة، وأن العودة للحرب مرتبط بحماقة تنفذها طائرة إسرائيلية تكون بمثابة إنطلاق لكرة الثلج التي عادة تتدحرج بوتيرة متسارعة قبل أن يبدأ التفكير في إيقافها.
هذه هي المرة الثانية التي يعلن فيها جيش الاحتلال إطلاق صافرات الإنزار في المستوطنات الواقعة في غلاف غزة بطريق الخطأ، سبق لجيش الاحتلال أثناء الهدنة في الحرب على غزة أن أطلق صافرات الانزار مدعياً اطلاق صواريخ من غزة، لم يسارع يومها بالإعلان عن خطأ فني يقف وراء ذلك، يومها لم تطلق صواريخ من غزة ولم يكن اطلاق صافرات الانزار بفعل خطأ فني، بل بفعل مدبر ومخطط له إعتقاداً منهم أنهم توصلوا إلى المكان الذي يتواجد فيه محمد الضيف وبإمكانهم تنفيذ جريمة إغتياله، وبالتالي لم يكن إطلاق صافرات الانزار سوى الايذان بإرتكاب جريمتها، الفشل الذي منيت به حكومة الاحتلال يومها لم يثنها عن مواصلة إدعائها بإطلاق صواريخ من غزة رغم إفتضاح أمرها.
صافرات الانزار التي يطلقها جيش الاحتلال قد تكون بفعل خطأ فني صرف، ولكن قد يحمل ما هو أبعد بكثير من ذلك، وإن كنا نتفق بأن حكومة الاحتلال لا تحتاج مبرراً لإرتكاب حماقاتها وإطلاق جنونها من معقله، إلا أن ذلك ينبغي ألا يدفعنا لتسهيل مهمة كذبها وإدعائها، وهذا يتطلب منا تقنين التصريحات التي تطوعها حكومة الاحتلال لتقليص المساحة بين الخطأ الفني والخطأ المدبر والمخطط له بعناية.