وجدت نفسي دون تخطيط في البداية، ان أكتب بأن "الحياة وقفة عز" الأمم تستمر وتسود بهمّة وحماية مناضليها وإيمانهم وانتمائهم لأقدس القضايا، لا الهروب إلى المجهول بدلا من العمل على تحقيق مستقبل مزدهر للقضية والشعب والثورة، وتحت قبة سماء زرقاء تحنو على اخضرار أشجار الزيتون في الجبال، وفي عزة وكبرياء، هكذا ينظر المناضلين الذين يستثمروا كل المواقع والفرص في الدفاع عن قضايا شعوبهم،غير آبهين بما سيلحق بهم من أذى من جراء المواقف الجذرية والحاسمة التي تنتصر دوما للمبادئ التي حسموا انحيازهم لها منذ البدايات.
امام ما يجري من تجاهل مقصود او غير مقصود بحق المناضلين ونعيشه نحن ، يشكل حالة من التشتت والضياع وخاصة ان هؤلاء المناضلين دافعوا عن منظمة التحرير الفلسطينية بالدم والتضحيات ، باعتبارها كيانية فعلية رسخت معالمها بالهوية وفرضت ذاتها بالفعل الممنهج نضاليا ، وسياسيا ، وثقافيا ، واجتماعيا ، واقتصاديا ، وناطحت كل الكيانات التي حاولت فرض الوصاية على القضية والشعب الفلسطيني ، وهنا لست بمكان جدل أو جدال كونها تعتبر من المسلمات التي لا يختلف عليها.
وهنا السؤال لماذا لم يتم التعامل مع هؤلاء المناضلين الذين وهبوا عمرهم وحياتهم اسوه بزملاءهم الذين يتقاضوا رتب ورواتب ، فهل حالة التهميش والإقصاء والغبن بتاريخ المناضلين تصل في البعض الى هذه الدرجة .
النضال الفلسطيني اهم ظاهره نبيله في التاريخ الفلسطيني, ولذلك يجب النظر من قبل القيادة الفلسطينية والامناء العامين للفصائل فل يجوز ترك المناضلين الذين قدّموا تضحيات على مدى سنوات طويلة من خلال مشاركتهم في مختلف مواقع الشرف والنضال الوطني.
ان حرمان الكثير من المناضلين من أبسط حقوقهم ، وعدم تسوية أوضاعهم أسوة ببقية المناضلين هو حق مشروع ، فلا يجوز ان تستمر سياسة التهميش والمحسوبية الذي تطال الكثير من قادة وكوادر مناضلي فصائل منظمة التحرير الفلسطينية الذين ظُلموا في حقوقهم.
ان من حق كل مناضل ان يرفع صوته من اجل تثبيت الحقوق ، وبالتالي نحن لا نطالب سوى بالمساواة في الحقوق والواجبات ومعالجة المظالم ، ونحن نعلم ان الترقيات حُرمنا منها وحصل عليها البعض بالوساطات والمجاملات ، فالظلم قد طال اغلبية المناضلين ولابد من إزاحة الظلم عن الجميع وإعادة حقوق الجميع، من خلال تصحيح أوضاعهم ومطالبهم المشروعة وبشكل يحقق العدالة والمساواة لجميع من قدموا حياتهم وما زالوا من اجل ان تبقى راية منظمة التحرير الفلسطينية خفاقة .
ان ظاهرة التهرب من حقوق هؤلاء ، لا تجوز من خلال رمي الكرة على الاخر ، باتجاه الخلف بدلا من التقدم الوطني نحو الامام والافضل حل مشكلات المناضلين , من اجل الحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية التي تخوض معارك متوازية بكل الاتجاهات ، حتى بمواجهة كل محاولات الالتفاف على كيانها واستقلاليتها ، اوالتشكيك بوجودها ، إضافة إلى تمسك جماهير الشعب الفلسطيني بكيانهم الذي خلق مساحة للتحرك على قاعدة الكيان المستقل ، الذي أرغم العالم والقوى الدولية على الاعتراف بأن هناك شعب له أرض وحقوق .
وتحت لواء منظمة التحرير ثرنا وضحينا من اجل استرداد حقوق شعبنا المغتصبة ،هذه المنظمة التي من خلالها تجسدت الوحدة الوطنية الفلسطينية، وعلى هذه الصخرة الصلبة تكسرت كافة المؤامرات لتمييع القضية الفلسطينية، واستمرت مسيرة العطاء والفداء في الصمود الأسطوري الذي تجلى في استمرارية ثورتنا وتعاظمها، ففي ظل اختلال موازين القوى والمتغيرات الدولية.
من هنا لا بد من العودة الى الينابيع، الى الجذور، الى الالتفاف حول منظمة التحرير الفلسطينية فهي وحدها الصخرة الصلبة التي تتحطم عليها كل المؤامرات،وبهذا فقط تستطيع سفينتنا ان تشق عباب البحر دون خوف من ظلمات الطريق وهيجان الأمواج لتصل الى شاطئ الأمان من اجل تحقيق اهداف شعبنا المشروعه في العودة وتقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.
لهذا نقول ان هؤلاء المناضلين لم يكونوا قد ناضلوا بمحض الصدفة فهم انتموا الى فصائلهم من اجل حرية وتحرير فلسطين من الاحتلال ، ومن هنا حقهم ان يتم تسوية اوضاعهم التي هي حق من حقوقهم .
ان منظمة التحرير الفلسطينية هي الكيانية الوحيدة للشعب الفلسطيني والتي من الأولي الحفاظ عليها بأي ثمن ، لأن هذا الكيان لا ينظر إليه بقالبه وإنما بحيزه الوطني ، وقيمته الوطنية التي رسخها القادة والشهداء بدمائهم وتضحياتهم ونضالهم.
فالمطلوب إعادة العقل الفلسطيني للجسد الفلسطيني ، والروح الفلسطينية للقضية الوطنية ولنسأل أنفسنا جميعا بعقلانية أن منظمة التحرير هي القياده الوطنيه والسياسيه الوحيده التي يتم الالتزام بقراراتها وهي العنوان الوحيد طوال مسيرة النضال الوطني التي حظيت بالدعم والتأييد المطلق واعتبار هذا الكيان الوطني والسياسي الجامع والموحد تحقق نتاج مسيره نضاليه عظيمه كلفت الشعب الفلسطيني الآف الشهداء والجرحى واخذت سنوات الاعتقال من الاف الشباب الفلسطيني زهرة حياتهم .
من هنا نرى اهمية تفعيل وتطوير مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية بشكل عام ، وتوسيع صفوفها ،رغم تعالي الأصوات المنادية بالالتفات إليها وإعطائها ما تستحق من جهد وعمل، من خلال الإرادة الذاتية والغيرة الوطنية ،بهدف الوصول إلى المشاركة الحقيقية والتامة في صياغة القرار الوطني وإدارة دفة العمل السياسي الفلسطيني ببعده التكتيكي والاستراتيجي. وبالطبع فان هذا المطلب وهذا الموقف لا يلغي ولا يشطب مبدأ الأوزان وحضور القوى وفاعليتها في الشارع، وبالتالي ضرورة تمايز دورها في صياغة وتقرير الموقف واتخاذ القرار، فالقوى الموجودة والراسخة على الأرض وذات الامتداد النضالي والجماهيري تستطيع أن تقرر موقفها ورأيها بطريقة ديمقراطية في تقرير سياسات العمل الفلسطيني وبرنامج الإجماع الوطني، وصياغة التكتيكات والاستراتيجيات وتحديد الأولويات في مسار العمل الوطني الفلسطيني.
ونحن على مقربة من ذكرى استشهاد الرئيس الرمز ياسر عرفات الذي ترك لنا ما ننوء بحمله، وترك لنا ما نعتز به إلى حد أنه يعادل وجودنا، والذي ترك لنا ما يجعلنا نفتخر بأنفسنا كشعب، ونفتخر بأنفسنا كأجيال فلسطينية ، إن فلسطين هناك متلألئة بالوجع والحضور ومشنشلة بالأسئلة، إنها الأسئلة التي طرحانها ، وطرحها من حملوا الأمانة بشجاعة، أسئلة نرددها للأجيال، أسئلة تتحول إلى جينات وراثية ، نقول إن منظمة التحرير هي المعبر عن نبض الشارع الفلسطيني، وهذا يتطلب من الجميع بناء معادلة داخلية فلسطينية جديدة عمادها مشاركة كل القوى مهما تعاظم أو صغر حضورها، ومشاركة الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات في بناء الخيارات الوطنية الفلسطينية بما في ذلك انتخابات الهيئات واللجان والمؤسسات ضمن اطر منظمة التحرير ومجلسها الوطني ،وإجراء مراجعة جذرية شاملة للحالة الفلسطينية.
ختاما : نحن على ثقة بإن تسوية اوضاع المناضلين تحتاج لإرادة وطنية تتغلب على المصالح الفئوية الضيقة لهذا التنظيم أو ذاك، مما يتطلب حل هذه القضية ، وان هذه الدعوة يجب أن تكون حافزاً يدفع كل من تعزّ عليه وطنيته وإنسانيته مهما كانت أفكاره وآراءه واتجاهه ، والعمل بشعور عالٍ من المسؤولية من أجل تسوية اوضاع المناضلين حتى ترتفع عالياً رايات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.