تفرد وزيرة خارجية الولايات المتحدة السابقة "هيلاري كلينتون" مساحة لا بأس بها في مذكراتها "خيارات صعبة" لقصتها مع "المحامي حافي القدمين"، والتي تبدأ حين اتصل بها مدير التخطيط السياسي بوزارة الخارجية مساءاً على هاتفها الأصفر .. المؤمن من التنصت عليه.. ليخبرها حول أزمة في السفارة الأمريكية في الصين، والأزمة تتعلق بفلاح صيني ينشط في مجال الدفاع عن حقوق المحرومين كما تصفه، كان قد امضى فترة سجنه "15 شهراً" بتهمة عرقلة المرور وتخريب الممتلكات العامة ومن ثم تم الافراج عنه شريطة وضعه تحت الاقامة الجبرية في منزله.
تمكن الفلاح المحامي من مغالطة طاقم الحراسة وفر من منزله متوجهاً إلى العاصمة بكين، حيث قام بالاتصال بالسفارة الأمريكية التي أوفدت إليه موظفين للالتقاء به سراً بعيداً عن أعين أجهزة الأمن الصينية، طلب الفلاح "المحامي" الذي لم يسبق له الالتحاق بكلية حقوق أو غيرها من الكليات مساعدة السفارة الأمريكية له، تم نقل طلبه على وجه السرعة إلى وزارة الخارجية الأمريكية، وكون الفيلم الهوليودي يحتاج إلى جانب من "الأكشن"، سارع مدير التخطيط السياسي للإتصال ليلاً بالسيدة الوزيرة، لحثها على تشكيل خلية لإدارة هذه الأزمة، فهي من جانب تريد أن تؤكد على مصداقية الإدارة الأمريكية في الدفاع عن حقوق الإنسان، ومن جانب آخر لا تريد للقضية أن تضر بالعلاقات الأمريكية الصينية، هكذا صاغت الوزيرة معادلة الأزمة.
لم يكن الأمر يحتمل التأخير والإنتظار إلى صبيحة اليوم التالي، فبعد مداولات قصيرة مع قيادة الوزارة أعطت تعليماتها بأن يتم جلب الفلاح إلى داخل السفارة الأمريكية في بكين، وهو ما تطلب في الوصف الاستعانة ببعض مما تفتقت عنه قريحة المحقق "كونان" في واحد من أفلامه البوليسية، وما هدأ بال الوزيرة إلا بعد أن تم طمأنتها بنجاح المهمة وأن الفلاح بات في قبضة السفارة الأمريكية وعلى أرضها.
تكمل الوزيرة مسرحيتها بفتح قناة التفاوض مع الحكومة الصينية بعد أن اصبح البطل حافي القدمين "شين جونغ شيتغ" في حماية الدولة الأمريكية، بعد ماراثون تفاوضي امتد لعدة أيام يتم الاتفاق مع السلطات الصينية على أن يقوم الفلاح الصيني بمغادرة العاصمة بكين، ويلتحق بإحدى كليات الحقوق خارج العاصمة، على أن ينظر لاحقاً في إمكانية استكمال تعليمه الجامعي بإحدى الجامعات الأمريكية، أرادت وزيرة الخارجية الأمريكية أن ينتهي فيلمها البوليسي والتي كادت احداثه تعصف بالعلاقات بين الدولتين عند مشهد إنتصار أمريكا لحقوق الإنسان حتى وإن تطلب ذلك مواجهة دولة بحجم وقوة الصين ومكانتها الإقتصادية.
أعتقد أن مشكلة السياسة الخارجية الأمريكية تكمن في شيء بسيط، أنها تكذب وتعلم أنها تكذب وتعلم أيضاً أن من يستمع إليها يعرف أنها تكذب، ورغم ذلك تواصل الكذب، العالم بأسره يعرف بدقة حجم الجرائم التي ارتكبتها الادارة الأمريكية على مدار السنوات السابقة والتي ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الأبرياء، وبعلم جيداً أن حقوق الانسان بالنسبة للإدارة الأمريكية هو ما يتعلق بمصالحها لا بمصالح الشعوب المغلوبة على أمرها، المثير للعجب أن ما خصصته السيدة "كلينتون" للمحامي حافي القدمين في مذكراتها يفوق من أفردته لمشكلة الشرق الأوسط.