قضية فلسطين تشكل بوصلة النضال

بقلم: عباس الجمعة

نظرا لطبيعة العلاقة بين القضية الفلسطينية ومحيطها العربي فإن القضية الفلسطينية الوحيدة من بين القضايا العربية التي تشكل بوصلة النضال باعتبارها اعدل قضية، ولهذا نرى اهمية تمسك الجماهير الفلسطينية والعربية بحقوقها الكاملة وغير المنقوصة، وبناء العامل الذاتي وتصليبه بما يتناسب وحراجة المرحلة ، من خلال التفاف الجميع حول قضية فلسطين .
ان قراءة الواقع تحتم علينا عدم فرض رغباتنا، واسقاط ذواتنا على حركة موضوعية مهما كانت مؤلمة لأن قراءة الواقع بشكل علمي هو الخطوة الأولى نحو الفعل الثوري في مسيرة النضال.
وفي ظل هذه الاوضاع الخطيرة التي تشهدها المنطقة وخاصة بعد احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها ، حيث رسمت الادارة الامريكية مشاريعها التي كانت مؤجلة من اجل تعميم الفوضى الخلاقة ورسم الشرق الاوسط الجديد ، فكان انتصار المقاومة في لبنان بمواجهة العدو الصهيوني حيث أعطى صمود حزب الله والشعب اللبناني، دعما قويا ونهضة ثورية جديدة للأمة العربية بأسرها ، حيث افشل سيناريو آخر وحلقة جديدة من المخطط الصهيوني الأميركي، وعلى الرغم من كل المؤامرات التي تحيكها الإدارة الأميركية في ما اصطلح على تسميته بالشرق الاوسط الجديد في ذاك الوقت ، إلا أن الوعي القومي العربي أصبح الحصانة الأولى للتصدّي لهذه المشاريع الاستعمارية الجديدة التي تقودها الادارة الامريكية ، ومن هنا استغلت أمريكا حراك الجماهير العربية ضد الرجعيات الموالية لها نوعا من الفوضى الخلاقة التي تتيح لها ترتيب المنطقة بما يخدم مصالحها ومصالح حليفها الكيان الاسرائيلي في المنطقة فالبديل لهذه الرجعيات متوفر بما يسمى الاسلام السياسي التي سعت الإمبريالية الامريكية بالعلاقة حتى يقوم بدور معين في خدمة مشاريعها في المنطقة والعمل على اشعال الحروب في الاقطار العربية للوصول الى تفتيت المنطقة وحرف بوصلة الشعوب العربية عن فلسطين باعتبارها القضية المركزية للامة العربية.
ان تصدر الولايات المتحدة زعامة قوى الاستعمار ، أصبح الهدف الاستراتيجي لهذه القوى وزعامتها هو تحويل المنطقة العربية المرسومة خريطتها على أساس اتفاقية (سايكس بيكو) من التبعية المباشرة أو غير المباشرة لنفوذ معسكر الاستعمار الغربي، إلى كيانات ثانوية محيطة بالكيان الإسرائيلي ومتصالحة، بل متحالفة معه عن طريق تهشيم البنى الاجتماعية لشعوب هذه المنطقة، من خلال تفتيت المفتت، ولكن هذه المرة ليس على أسس جغرافية، بل على أساس طائفي وعرقي ومذهبي. ولا شك في أن هذه الخلفية تفسر (التحالف الدولي) الذي أنشأته واشنطن تحت اسم محاربة (داعش).
وامام هذه الظروف والمناخات السياسية الصعبة والمخاطر وألازمات التي تعصف في المنطقة العربية , ورغم ذلك تبقى صورة شعبنا الفلسطيني راسخة في ثباته وتمسكه بأرضه و حقوقه وثوابته الوطنية ، حيث يجسد الإرادة الوطنية والرباط الروحي الوثيق بين الإنسان الفلسطيني وأرضه ومقدساته التي تمثل نموذجاً لمعاني التضحية وعنواناً للاحتجاج والمقاومة والرد المستفيض على سياسة الاستيطان والتهويد بمواجهة الاحتلال الصهيوني .
إن الانتهاكات الصهيونية للأراضي الفلسطينية لم تتوقف, والحصار الاسرائيلي المفروض على شعبنا بالقوة العسكرية ما زال مستمرا, وما تتعرض له القدس والمسجد الاقصى من خطر مع استمرار الاعتقالات والاغتيالات من شأن ذلك كله أن يعطي صورة واضحة عن الجرائم الصهيونية , و الممارسات العدوانية , والتي يتصدى لها شعبنا الفلسطيني , مما ستزيده إصرارا اكثر على الصمود والمقاومة والثبات .
وهنا نقول على جميع الفصائل والقوى الفلسطينية تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية باعتبارها هي الرد على سياسة الاحتلال, عبر التمسك بالثوابت الوطنية والعمل على تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها , والمراهنة على إرادة الجماهير وليس على طرح الحلول الجزئية اي مفاضات ثنائية من شأنها أن تختزل صورة النضال الفلسطيني , او اي مفاوضات ثنائية, التي يحصد فيها الاحتلال المزيد من الوقت ومصادرة الأراضي ، لأن قضية شعبنا أكبر بكثير مما يطرح , وقضية شعبنا عنوانها : الحرية والاستقلال , وحق العودة جوهر القضية الفلسطينية , وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس والسيادة الكاملة غير المنقوصة.
إن نضالنا يتطلب المزيد من التضامن وإعداد الخطط والبرامج والاستراتيجيات العربية على صعيد حركات التحرر والأحزاب العربية, والقوى الفلسطينية, ومراهنتنا دوماً على قدرة وإرادة الجماهير العربية في تجاوزها للأزمات والعجز الذي بات يمثله النظام العربي الرسمي ، رهاننا على الجماهير العربية التي تؤيد المقاومة وتعتبرها إحدى الخيارات المشروعة في فلسطين ولبنان , وأيضاً رهاننا على المزيد من النضال العربي والقومي, لإفشال سياسة الإدارة الأمريكية في المنطقة , والوقوف في وجه الهيمنة وما تمثله السياسة الأمريكية من انحياز إلى جانب الكيان الصهيوني وداعم لهذا الكيان وتقف إلى جانبه بوجود شراكة أمريكية صهيونية .
ان وجود العمق العربي والأممي للقضية الفلسطينية عبر التضامن ورفض المجتمع الدولي للسياسة الأمريكية الصهيونية, ووقوف حركات التضامن العالمي والحركات المناهضة للعولمة إلى جانب قضيتنا العادلة وحقوقنا المشروعة تشكل اساس في استمرار نضالنا الوطني.
ولذلك ارى من واجبي ان اوضح موقفنا من بعض الامور الهامة لاننا كنا وما زلنا نؤمن اننا في مرحلة تحرر وطني، ونحن نتاج لمسيرة نضالية آمنت بالفكرالوطني الديمقراطي اليساري وبعملية الربط ما بين البعدين الوطني والقومي ولا زلنا على هذا الخط، لا شك أن مسيرة كفاحنا ونضالنا الماضية شهدت تطورات كثيرة على المستوى الفكري على المستوى السياسي ، ومن هنا ما زالنا نرى ان تحالفاتنا لا تقوم على أساس أيديولوجي وخاصة في مرحلة التحرر الوطني، نحن شعب ما زال خاضع للاحتلال وما زال يتطلع الى حريته واستعادة حقوقه مثل بقية شعوب العالم .
ان اي علاقة مع الدول العربية والاسلامية تقوم على اساس مدى احتضانها لقضية فلسطين وشعب فلسطين ودعمها ومساندتها لنضاله الوطني في مواجهة الاحتلال حتى كنسه عن ارض فلسطين ، ةهنا لا يمكن ان ننسى ما قدمه العراق لأبناء شعبنا الفلسطيني، فالدم العراقي الذي نزف من اجل فلسطين محفور في ذاكرتنا، كما تترجم هذه العلاقات مع جميع قوى التحرر والتقدم العربية، ولنا تحالفات مع بعض الدول العربية ،ومع التيار الإسلامي التنويري، كما مع قوى التحرر والتقدم في العالم ومع دول امريكا اللاتينية والدول المتنورة والديمقراطية والساعية فعليا من أجل إنصاف الشعب الفلسطيني بنيل حقوقه الوطنية المشروعه بالاستناد لقرارات الشرعية الدولية، بهدف استعادة فاعلية البعد الدولي المساند لقضيتنا في مواجهة حالة التفرد الأمريكي في رسم ووضع المخططات على شعبنا وأمتنا.
اما عندما نتحدث عن العلاقة مع الجمهورية الاسلامية في ايران فاننا نتذكر جيدا عندما تم إسقاط العلم "الإسرائيلي" من على سفارة "تل أبيب" في طهران فور انتصار الثورة الإسلامية ورفع علم فلسطين عالياً خفاقاً بدلاً منه ، وعلى العلاقات الوطيدة بين الثورتين الفلسطينية و الايرانية و بين الشعبين ايضا رغم كل ما تشوبها من امور وذلك بسبب العمق النضالي التاريخي لهذه العلاقات، واعلان الامام الخميني يوم القدس العالمي ، ان هذه العلاقة تعود عن تقدير الشعب الفلسطيني لايران ولدعمها السیاسی والمعنوی الشامل للقضیة الفلسطینیة.
لهذا نقول عندما نحيي سورية لم ننسى ما قدمه الشعب السوري الشقيق الذي لم يبخل في تقديم كل ما يملك في سبيل قضية فلسطين وكل القضايا القومية للأمة العربية، وهو اليوم يقف في مواجهة مؤامرة كبرى أصبحت واضحة المعالم ترتكبها عصابات ارهابية وتكفيرية كما يجري في العديد من الدول العربية، ونحن على ثقة بخروج سورية من الأزمة التي تمر بها أكثر قوة من خلال تلاحم كل أطياف شعبها .
ومن هنا نرى أن العلاقة مع "حزب الله هي علاقة جذرية عمادها النضال والمقاومة، ونؤكد على متانة هذه العلاقة كما نحن حريصون على العلاقة مع كل الاطراف في لبنان، ومع كل القوى والاحزاب الوطنية اللبنانية، خاصة ان التجربة الطويلة تثبت أن لبنان الشقيق كان أكثر الاشقاء العرب التزاماً للقضية الفلسطينية ، هذه العلاقة هي علاقة تلاحم امتزج فيها الدم الفلسطيني واللبناني في مواجهة العدو الصهيوني، وما زالت القضية الفلسطينية هي في عمق وصلب برامج وسياسة المقاومة في لبنان، مع التأكيد على الموقف الفلسطيني بعدم التدخل في أي تجاذبات لبنانية ، والحرص على وحدة لبنان واستقراره وأمنه، وعلى العلاقة بين الشعبين الشقيقين اللبناني والفلسطيني، والحفاظ على السلم الأهلي ودعم العيش المشترك ودعم الخيارات الوطنية التي يرتضيها الأشقاء في لبنان لأنفسهم، لان استقرار لبنان وأمنه وسيادته ووحدته هو الضمان الأكبر لحماية واستقرار المخيمات، لدرء كل الأخطار المحدقة التي يتعرض لها لبنان الشقيق حتى يبقى سندا لفلسطين، وستبقى وجهة شعبنا هي حق العودة الى فلسطين.
لهذا نرى ان خطاب سماحة السيد حسن نصرالله في ذكرى عاشوراء الذي اكد فيه ان كربلاء هي اغنى حادثة في تاريخ البشرية، من حيث ما تتضمنه من قيم ومفاهيم وتعاليم وارشادات وعبر، ومن حيث قدرتها على الهداية والانارة والتحريك والاستنهاض وفتح الآفاق والقلوب والعقول، لافتا الى الخطر الذي تتعرض له القدس والمسجد الاقصى ودعوة العالم والشعوب الاسلامية لتحمل مسؤوليتها وتاكيده على تمسك المقاومة بالقضية المركزية للأمة شكلت نقطة ارتكاز لمواجهة ما تتعرض له القضية الفلسطينية.
ان دعوة الحزب الشيوعي اللبناني للاحزاب اليسارية العربية والعالمية هي دعوة تستحق التقدير والتي دعا فيها الى ضرورة تحرك هذه الأحزاب الى جانب شعوب المنطقة وأحزابها الشيوعية واليسارية التي تواجه المشاريع الامبريالية الجديدة، وفي مقدمتها مشروع "اسرائيل دولة اليهود في العالم"، والى التحرك كذلك ضد المشاريع الفاشية الأخرى، المدعومة كذلك من قبل الامبريالية، وأولها مشروع ما يسمى "الدولة الاسلامية في العراق والشام.
أن الأمة الان تعيش تحديات أساسية وهي احتلال فلسطين، والنفوذ المتسع للقوى الاستعمارية في الوطن العربي، من خلال تحريك ادواتها الارهابية التكفيرية، تستدعي من القوى اليسارية والقومية العربية استعادة رؤيتها وخطابها الثوري ، وإعادة القضية الفلسطينية لعمقها العربي كبوصلة كونها القضية المركزية، والحاجة الى رؤية فكرية تقدمها الأحزاب اليسارية والقومية والمثقفين العرب لمواجهة هذه المرحلة.
ان المعركة مع الإرهاب طويلة وقاسية لكنها معركة مطلوبة بالمعنى الوطني والقومي والإنساني والأخلاقي والديني بمواجهة المجازر والفظاعات التي ترتكبها القوى الارهابية المسمى داعش والنصرة بحق الشعوب العربية في سورية والعراق ولبنان ومصر وليبيا واليمن وخاصة ما جرى من مجزرة بحق عشيرة البونمر في محافظة الأنبار العراقية.
ان الخندق الذي يعبر عن مصالح وأهداف الجماهير الفلسطينية والعربية، خندق الصمود والمقاومة، خندق قوى الثورة التي تواصل طريق الحرية والاستقلال لتحقيق أهدافنا العادلة، الخندق الذي يسعى لتحقيق مصلحة الشعب الفلسطيني، الخندق الذي يعرف حقيقة إسرائيل والصهيونية وحقه في النضال المستمر حتى دحر الاحتلال عن ارض فلسطين.
صحيح أن هذا الخندق يمر في هذه المرحلة بحالة من الضعف والارتباك، ولكن هذا الحال مؤقت كون شعبنا الفلسطيني وجماهير أمتنا العربية تموج بالتناقضات ولن يستطيع أحد خداع أو السيطرة على كل هذه الملايين للأبد، ولكن علينا ان نتحد في مواجهة الارهاب الديني العابر للحدود لأن هدفه تصفية القضية الفلسطينية ، ونحن نرى انهيار الدول والكيانات في المحيط العربي، مما يتطلب القيام بمراجعات حقيقية لافاق التغير وتقديم رؤى سياسية مجتمعية، والانخراط في عمل نضالي حقيقي بمواجهة هذه المخاطر .
هذا الخندق بكل ما له وما عليه يجب ان يكون خنادقنا، رغم أنني أدرك جملة الصعوبات التي نعاني منها وتعترض مسيرتنا، الأمر الذي يقتضي منا الارتقاء للمستوى الذي يمكننا من أن نكون قادرين على ترجمة الشعارات السياسية.
لهذا اقول للجميع انني اعمل وفق رؤية سياسية ممكن اختلف مع البعض فيها وممكن اتفق وجهدي خلال سنوات طويلة هو ان لا تفقد جبهة التحرير الفلسطينية البوصلة يوما رغم كل الظروف والصعاب، ومن موقعها الوطني والقومي والأممي علمنا القائد الشهيد ابو العباس الامين العام وكل القادة الشهداء كيف نحفظ العهد ونكون حريصين كل الحرص على الوحدة الوطنية واهمية الترابط العميق بين قضية فلسطين وعمقها العربي والعالمي ، وتحديد المواقف التي تخدم المصالح العليا للشعب الفلسطيني ، ونحن نصر على المشي وإكمال الطريق مهما كانت الصعوبات في مسيرة الإنتماء، ومن يريد توجيه النقد فأهلا وسهلا به لانني لم اعيش في الأبراج العاجية، لأن لا وجود لذلك في قاموسي النضالي.
ختاما : لا بد من التأكيد بأن طريق النضال طريق شاق ، وعلينا ان نحافظ على قيمة وعمق التراث والأخلاق والقيم التي زرعت فينا خلال كل هذه السنين، واننا على ثقة بإن جيل المستقبل هو من سيحمل الراية ويواصل السير للإمام سيتمكن من تحقيق أهدافه، فلدينا طاقات وقوى كامنة لا تستهينوا بها، للحفاظ على الإرث النضالي الذي سيبقى أمانة في أعناق كل المناضلين من خلال التمسك بنهج المقاومة بجميع أشكالها بمواجهة طبيعة العدو الاستيطاني المجرم الذي نواجهه حتى ترتفع رايات فلسطين خفاقة فوق ارض فلسطين بعاصمتها القدس.

كاتب سياسي