حينما تقف على تلٍّ ، وتنظر إلى الغرب وترى الساحل الحزين ، تجتاحك رعشة حنين لوطن أُبعدت عنه قسرا ، فأنت ما زلت تحلم تتوق بشغف للعودة إليه ، لتشم رائحة البرتقال المذبوح ، وتتمشى في أزقّة رضعت فيها حليبا حينما كنت رضيعا ، وحين تتذكّر أُمك عندما خبأتك في حضنها الدافئ وهربت مع النّاس على وقع أزيز الرّصاص ، ووصلت لبلد غريب .. وأوهموك بأنّك ستعود بعدة فترة أنت والمهجّرين إلى ديارك..
وها نحن ننتظر عودتنا إلى ساحلنا ، الباكي على غيابنا الذي طال، فنحن عشنا وما زلنا نعيش في غربة مُرّة بعيدا عن وطننا الحبيب .. هذا الوطن الذي ما زال يذبح على مرأى العالم .
أكثر شيء يبكيك حينما تتذكّر أُمك كيف لجأتْ ، وأنت كنت تبكي وتصرخ من حرارة الشمس ، في جبال موحشة.. وكانت تخبِّئك تحت القشِّ خوفا عليك من وحوش كاسرة .
حينما تتذكّر روايات أُمك وأنت تنظر بحزن لساحل ليس بعيدا عنك .. وتتمنى أن تصله وتزور بيتك هناك .. فساعتها تجلس على التّلّ تبكي لعدم تمكنك من رؤية وطنك الذي ضاع فيأتيك ويتملكك الشغف لتعود إليه يوما ما.. لأن الحنين في داخلك يفور ويتشوّق بلهف لوطء مدينتك الجاثمة على ربوة كنعانية ما زالت هويتها فلسطينية..
وعند المغيب تعود إلى منزلك المؤقت في غربة مريرة .. لا تطاق .. لأنك تشعر بغرابة المكان .. وكأنك لا تنتمي إليه .. فتجلس تبكي على ضياع وطن ما زال العالم لا يرى الظلم الواقع على شعبه.