لما كنت طالبا بالثانوية العامة بالقسم العلمي علوم ..كنت أميل بشغف لدراسة مادة الديناميكا بصورة أكثر بكثيرمن الاستاتيكا ..وبالتالي كنت ضليع في حل مسائل الديناميكا بكل سهولة ..حيث استوعبت قوانين نيوتن وتطبيقاتها بسهولة ،لكن أكثر القوانين التي كانت تبهرني حقيقة آنذاك ،والتي استفدت منها كثيرا في حياتي العملية هو القانون الثالث والذي ينص على :" لكل قوة فعل قوة رد فعل، مساوية لها في المقدار ومعاكسة لها في الاتجاه، تعملان على نفس الخط وتؤثران على جسمين مختلفين " لأن هذا القانون بعيدا ولو بالقدر القليل عن المفهوم الرياضي .. يجسد الرابطة الإنسانية الوطيدة ،بكل جوانبها ..وينظم العلاقات الاجتماعية بين البشر ويضبطها ، بحيث خلق حالة من الاتزان التوافقي النفسي ..الحالة أشبه بكثير بما نسميها اليوم من الصراعات الدائرة بين طائفة قوية وأخرى أو بين الدول فيما بينها البعض .. وهي حالة أو اصطلاح أطلق عليه توازن القوى (Balance of Power)وتوازن القوى هي نظرية برأيي الشخصي لا تقوم على أن وجود الدول والتحالفات في حالة تكاد تتعادل فيها قوتها العسكرية كما نعلم ولكن.. التوازن الذي أعنيه هنا هو ليس من المفهوم العسكري بل التوازن الحياتي .. الذي يحقق الأمن والاستقرار والطمأنينة ويرسم العلاقات والحدود بين البشر ..وتوازن القوى هو أكثر مفهوم يجسد القانون الثالث لنيوتن لأنه لولا التوازن لما تحررت الشعوب..ولصارت الدول المحتلة ..تحت مظلة السيطرة الاستعمارية إلى نهاية الكون ولولا التوازن لما انتهت الصراعات البشرية على سطح الأرض ..ولولا التوازن لتزاحمت حالات الطلاق بصورة بشعة بقاعات المحاكم و لالتهبت المشاكل العشائرية في المجتمعات القبلية دون إطفاء ..ولولا التوازن لانحرف الكثير من الناس عن طريق المساجد ..ولاتبعوا سبل الشيطان بلا رجعة ..لكن الأهم من كل ما ذكرت عبر مقالي هنا عن حبي للديناميكا .. ليس لأن الديناميكا بمعناها العلمي والتي تعني ذلك العِلْمٌ الذي يبحث في الحركة بمعناها العام ..وإنما لأن الديناميكا تعني بالنسبة لي وقتها كل أشكال الحياة ..الحركة والحيوية والنشاط والأمل والمراهقة، وطيش الشباب ..الديناميكا عندي ، كانت تعني الحلم الثائر والدءوب الذي كان يراودني ،ويقترن بأنفاسي الحائرة ..والتي تتعالى شهقاتها كلما مررت من بين القبور..قبور الموتى لكن اليوم بكل أسف أشعر أن الديناميكا قد انقرضت تماما من أوساط حياتنا ،وقد حلت مكانها الاستاتيكا والتي تعني بكل بساطة علم السكون لكن هذا السكون لم يعد يقتصر على الاهتمام بدراسة وتحليل الأحمال مثل القوى والتي أصبحت منهكة أصلا في أيامنا ، ولا على العزوم بعدما فسدت النوايا ليس فقط في الأنظمة الفيزيائية بل في كافة الميادين وإلا ماذا يمكنا أن نفسر حالة الركود التطبيقي للمصالحة الفلسطينية إلى الآن ،وعدم الاعمار للبيوت المهدمة والتي هدمت بفعل الاحتلال الصهيوني وماذا يمكنا أن نفسر حالة الركود والسكون السائد في عدم فتح المعابر واستمرار سياسة الإحكام والقبضة الحديدية لفرض الحصار ..وماذا يمكنا أن نفسر اصطفاف طوابير هائلة من الناس بكل تدافع على نوافذ البطالة والفقر والضياع ..وماذا يمكنا أن نفسر التوغل الصعب لعودة التراشقات الإعلامية بين حركتي فتح وحماس وبكل عنفوان لتطل علينا بوجهها القبيح معلنة رجوع عربة المصالحة للوراء بعيدا عن حلم التصالح .. هي تساؤلات وتساؤلات ..ولكن السؤال الذي يؤلمني بعلاماته الاستفهامية وكلما مر بخيالي هو ..إلى متى تبقى الاستاتيكا هي سيدة الموقف وسط ظروفنا القاسية المريرة ..؟!!