النقابة تعمل بشهادة الحكومة

بقلم: أسامه الفرا

انتقدت في مقال سابق الإضرابات المتكررة التي تدعو لها نقابة العاملين في الوظيفة الحكومية، خاصة أن بعضها جاء في خضم أزمة مالية خانقة تعاني منها السلطة، وفي ظل أزمة بطالة تعصف بالآلاف من العاطلين عن العمل وتدفع ما يربو عن المائة ألف من خريجي الجامعات إلى حزب الكنبة، وفي ذات الوقت ما يجمعني بالأخ بسام زكارنة يكاد يقتصر على الزمالة في عضوية المجلس الثوري لحركة فتح، والذي لطالما حملنا في أروقته وجهتي نظر متباعدتين، والتي كان آخرها دورة المجلس الثوري الأخيرة حين إعتبر الأخ بسام أنني ذهبت بعيداً في تشريح القصور المتعدد الأوجة للقيادة والحكومة والحركة أثناء الحرب الأخيرة على غزة.
ولست هنا بمقام الدفاع عن زميل في المجلس الثوري، ولا أعتقد أن المجلس الثوري يمكن له أن يعيد إلى ذاته شخصيته التي تنازل عنها طواعية تحت تأثير المكتسبات الشخصية، لكن ما يدعوني لزج الحركة في قضية نقابة العاملين في الوظيفة الحكومية وبخاصة ما يتعلق منها بإعتقال رئيسها ونائبه، هو أن الأخ بسام لم يصل إلى سدة النقابة بقوة عائلته وإنما جاء ذلك بفعل دعم ابناء الحركة له لتقلد رئاسة النقابة، ولطالما تغنت الحركة بذلك، وبالتالي لا يحق للحركة اليوم التنصل من فعاليات النقابة والقائمين عليها، خاصة وأن الحركة لم تناقش البتة على مدار جلسات المجلس الثوري المتعاقبة عمل النقابة ولم تصدر تعليماتها للقائمين عليها من أبنائها، ولم تبد إمتعاضها من الفعاليات التي تنظمها النقابة بما في ذلك الإضرابات.
مذكرة إعتقال رئيس النقابة ونائبه استندت على توصيات أعدتها اللجنة الرئاسية بخصوص الوضع القانوني للنقابة كانت قد أعدتها في آذار 2012، وعليه شرعت النيابة بالتحقيق مع قيادة النقابة بتهمة الانتساب لجمعية غير قانونية والتهاون في الوظيفة العمومية والتحريض على الإضراب، صحيح أنه لم يسن قانون لتنظيم عمل النقابة، ولكن كيف يمكن لنا أن نفهم عدم قانونية النقابة في الوقت الذي عقدت النقابة مؤتمرها الثاني في آذار 2011 تحت رعاية الرئيس محمود عباس وبمشاركة فاعلة من اللجنة التنفيذية للمنظمة والحكومة والتشريعي، يومها أكد أمين عام مجلس الوزراء "نعيم أبو الحمص" في كلمته أنه اتيح للنقابة الفرصة لتعمل رغم قلة الأسس التشريعية التي تنظم عملها، أي أن هنالك إقرار رسمي من الحكومة بعملها.
السؤال المحير اين كانت اللجنة الرئاسية قبل وبعد إعداد توصياتها، بخصوص الجانب القانوني للنقابة، حين كانت الحكومة تفاوض النقابة مراراً وتكراراً وتوقع معها الاتفاقيات؟، أليس تفاوض الحكومة مع النقابة هو بحد ذاته فيه من الشرعية القانونية ما يمكن التاسيس عليه؟، ألم يكن من الأجدر باللجنة الرئاسية أن تضع مسودة مشروع ينظم عمل النقابة لإقراره حتى وإن جاء بمرسوم رئاسي في غياب عمل المجلس التشريعي كي تدخل النقابة إلى دائرة العمل القانوني؟.
لا شك ان إعتقال رئيس النقابة ونائبه وتوجيه تلك التهم لهما فيه ما ينذر بسرعة انحدارنا نحو تكميم الأفواة وحجب حرية الرأي والتعبير، تلك الظاهرة التي باتت تتضخم يومياً في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة والتي نبتت في رحم الانقسام، وشكل الانقسام البيئة الحاضنة النموذجية لها، من الخطأ بل الخطيئة أن نتسابق نحو تسجيل المزيد من انتهاك حقوق الأفراد والجماعات، ولا يمكن لنا فهم مذكرة الاعتقال بحق الأخ ابراهيم خريشة أمين عام المجلس التشريعي لتعاطفه مع صديقه إلا بمنطق أنها تفتح صفحة اخرى من كتاب تكميم الأفواه المسيء لنا جميعاً.