يبقى الوضع في القدس على ما هو عليه، "استاتسكو"؛ هذا أقصى ما يتمناه قادة العرب والفلسطينيون في المرحلة الراهنة، "استاتسكو"؛ وهذا أقصى ما تم التوصل إليه في القمة الثلاثية التي جمعت الملك عبد الله مع كيري ونتانياهو في عمان. حيث اتفق الجميع على تهدئة الأوضاع مع بقاء الحال في القدس على ما هو عليه، "استاتسكو"؛ وهو المصطلح الذي أطلقه الإسرائيليون على الوضع الراهن، والذي يقضي ببقاء المسجد الأقصى تحت إشراف وزارة الأوقاف الأردنية، التي تتبع لها دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، حسبما جاء في اتفاقية وادي عربة سنة 1994، وحسبما جاء في الاتفاق بين السيد محمود عباس والملك عبد الله سنة 2013، حين تم التوقيع على اتفاقية تعطي الأردن حق الوصاية والدفاع عن القدس والمقدسات.
التهدئة مقابل بقاء الحال على ما هو عليه لا تحظى بإجماع الحكومة الإسرائيلية الراهنة، ولا تتوافق مع مزاج اليهود العام، الذي يعلو ويهبط وفق معايير القوة والضعف على الأرض، فقد أدرك اليهود أن العرب يعيشون مرحلة الانحطاط السياسي، لذلك فإن الوزراء الإسرائيليين المنقسمين حول التوقيت المناسب لاقتحام المسجد الأقصى، متفقون حول حقهم الديني في دخول المسجد الأقصى، وهذا ما أكد عليه وزير الحرب موشي يعلون؛ الوزير الأكثر انتقاداً للمتطرفين اليهود، حين قال: إن من حق اليهود الصعود إلى جبل الهيكل (المسجد الأقصى) إلا أنه يرفض ما أقدم عليه بعضهم في المرحلة الراهنة، لأن هناك وضع قائم (استاتسكو) حساس تم الاتفاق عليه مع الأردن وعلينا أن نحافظ عليه.
المتطرفون اليهود أمثال الوزير نفتالي بنت وأوري أرئيل وعضو الكنيست موشي فيجلن لن يعجبهم بقاء الحال على ما عليه، فهم يدركون أنهم يمثلون إرادة أغلبية اليهود في إسرائيل، ولاسيما أن آخر استطلاع للرأي أجرته القناة الثانية الإسرائيلية قد أظهر أن 76% من اليهود يرفضون السلام مع العرب إذا كان مشروطاً بالتخلى عن القدس.
إن التهدئة التي يسعى إليها قادة العرب والقيادة الفلسطينية في القدس والضفة الغربية لن تتحقق، وذلك يرجع إلى سببين غير متصلين بالإرادة الرسمية العربية والفلسطينية، وهما.
أولاً: انصياع قادة الكيان الصهيوني لإرادة المجتمع الإسرائيلي، فالساسة الإسرائيليون هم انعكاس دقيق لرغبة المجتمع الإسرائيلي، والتعبير البرلماني عن إرادته ومزاجه.
ثانياً: عدم احترام قادة العرب والفلسطينيين للمزاج الشعبي الذي ضاق ذرعاً بممارسة المحتلين، وفقد الأمل بتفرد السلطة الفلسطينية، وفي قدرتها على معالجة ملف الصراع مع العدو الإسرائيلي، وهذا ما تجلى ميدانياً في اليوم التالي للقاء عمان الثلاثي، حيث رفض شباب فلسطين حالة "استاتسكو"، وقررا التصعيد والمواجهة، فصنعوا سلالم الكرامة، وراحوا يتسلقون بها جدار الفصل العنصري، بل اقتحم شباب فلسطين لأول مرة مطار قنلديا، واشتبكوا مع الإسرائيليين على حاجز "حزما"، وحاجز "قلنديا"، ووصل الشباب الفلسطيني إلى مدخل مستوطنة "معاليه أدوميم"، وأجبروا قوات الاحتلال على إغلاق دوار المستوطنة، ومنع حركة المستوطنين.
لا مسمى لما يجري على أرض فلسطين إلا انتفاضة، والدليل على ذلك هذه اللقاءات الثلاثية التي تجري في عمان للتهدئة وعدم التصعيد، إنها اللقاءات نفسها التي جرت في شرم الشيخ في 16 أكتوبر سنة 2000 في محالة للالتفاف على انتفاضة الأقصى في حينه، ولكن هيهات، لقد قرر شباب فلسطين تكسير قواعد الجمود، وعدم الركون إلى الصمت.