حكومة الاحتلال تمنع لجنة التحقيق الدولية المشكلة من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من الوصول إلى قطاع غزة، قرار حكومة الاحتلال بعدم التعاون مع لجنة التحقيق الدولية ليس بجديد، فقد سبق لها أن فعلت الشيء ذاته مع لجان التحقيق الدولية المختلفة بما فيها لجنة غولدستون التي شكلت في أعقاب حرب اسرائيل على غزة عام 2009، وكذلك لجنة التحقيق المتعلقة بالهجوم على سفينة مرمرة، دأبت حكومة الاحتلال في تعاملها مع لجان التحقيق الدولية الإعتماد على سياسة قائمة على ثلاثة محاور:
الأول يتمثل في الإعلان صراحة عن عدم تعاونها مع لجان التحقيق الدولية، والعمل على وضع العراقيل أمام لجان التحقيق بما في ذلك منع وصولها إلى مسرح الجريمة.
الثاني يتعلق بشن هجوم واسع مسبق على رئيس وأعضاء لجنة التحقيق وإتهامهم بمعادة إسرائيل، كي تضفي على لجان التحقيق صفة غير حيادية، وهو ما فعلته مع القاضي ريتشارد غولدستون من جنوب أفريقيا، رغم تكليفه دولياً بالتحقيق في عدة دول من بينها الأرجنتين وكوسوفو والعراق، بالإضافة إلى عمله "المدعي العام في محكمة العدل الدولية لجرائم الحرب"، ولم تشفع له ديانته اليهودية في تخفيف حدة الهجوم عليه، وها هي تفعل الشيء ذاته مع الخبير الكندي في القانون الدولي "ويليام شاباس" الذي يرأس لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التي ستحقق في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة والذي تتهمه بمعاداتها، وما رافق ذلك من ضغوط شديدة تمارسها اسرائيل والولايات المتحدة الأميركية عليه لدفعه للتنحي عن رئاسة اللجنة، وهو ما صرح به علانية في حديث له مع صحيفة الشرق الأوسط اللندنية في عددها الصادر في العاشر من شهر سبتمبر الماضي.
الثالث يعتمد على هجوم حكومة الاحتلال المتواصل على مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حيث اتهمته وزرارة الخارجية الإسرائيلية في بيان لها بأنه احدى الهيئات التي تكره إسرائيل، وعادة ما تنطلق في تبرير عدم تعاونها مع لجان التحقيق المنبثقة عنه من هذا المفهوم.
ما يثير القلق، في منع حكومة الإحتلال لاعضاء لجنة شاباس من الوصول إلى قطاع غزة، يتعلق بقرار لجنة التحقيق بانها ستعقد اجتماعات في العاصمة الأردنية "عمان" للإستماع إلى شهادات منظمات المجتمع المدني وهيئات الأمم المتحدة وضحايا وشهود العيان، بانتظار تمكنها من الوصول إلى قطاع غزة، ولا أعرف كيف يمكن للجنة أن تستمع للضحايا وشهود العيان دون أن تطلع هي على مسرح الجريمة، وما يثير القلق أكثر هو أن اللجنة تأخرت في مباشرة عملها منذ أن صدر قرار تشكيلها بتاريخ 23 يوليو الماضي، وعليها أن تقدم تقريرها لمجلس حقوق الانسان في آذار2015.
اطلاع اللجنة على حجم الجرائم التي ارتكبتها حكومة الاحتلال في حربها الأخيرة على غزة على أرض الواقع هو أهم بكثير من سماع الإفادات الشفوية، ودون أن تتمكن اللجنة من الوصول إلى غزة ومعاينة الجرائم على الأرض لن يحمل تقريرها الكثير من المصداقية، شهادة المكان تتفوق في قدرتها على نقل حجم الجريمة على شهادة الضحية، الملفت للإنتباه أن عمل لجنة التحقيق لا يحظى بالإهتمام والمتابعة المطلوبة فلسطينياً، وسبق لنا أن اشرنا في مقال سابق فور تشكيل اللجنة بضرورة خلق جسم فلسطيني من المؤسسات الرسمية والأهلية الناشطة في مجال حقوق الانسان تكون مهمته التعاون مع لجنة التحقيق ومتابعة عملها، فهل يمكن لنا إدراك ما فات قبل فوات الآوان؟.