جرفتنا الأيام، وغطت غيوم السنين صورة مدينتنا البهية في عيوننا، (فغزة) ما زالت تئن وتعيش أياماً محمومة مشحونة تحت وطأة كل شيء: الجفاء والانقسام، القلاقل والأزمات المفتعلة، وقتامة الجو السياسي وهبوط مستوى التنسيق. وأهل غزة مستسلمون لكل شيء، كاستسلام الصخور للأمواج، حين اجتاح الخوف قلوبهم، وهز كيانهم، ونال من أعصابهم، فأصيبوا بحالة من الذهول، تراهم مشدوهي الأعين كالمكسورين تماماً. عالَمهم، عالم لا علاقة له بالعالم، ولا علاقة له بأي شيء، عالم يسير إلى أقصى الحزن والبؤس.. لم يتغير شيئ على الإطلاق، ولم يضعوا حجراً واحداً في أي مكان. فأصبح الأمر مثيراً للقلق والحرج، واصطدم الناس بالواقع القاسي الذي لا يرحم، والحقيقة المرة التي لا تمارى. وزادت الأمور تعقيداً في تحقيق أمل كل فلسطيني بتحقيق التصحيح والتصويب والترشيد في السياسة الداخلية، وتقريب وجهات النظر بين الفصائل الفلسطينية التي تتناحر، وتخفيف العداء إن لم يكن إزالته، وتحقيق قدر كبير من التفاهم بين المتخاصمين.
وكان السؤال الذي يخالجني ويؤرقني بإلحاح: هل مطلوب من غزة وحدها أن تحرر فلسطين؟ فمنذ رماد النكبة شكلت غزة قاعدة النضال الفلسطيني، وحملت قصب السبق في المقاومة في سبيل كفاح الطغيان في شتى مظاهره، وتحملت الألم والبلوى، ولديها إرادة فولاذية لا تستسلم مهما تكررت العثرات وتوالت المصاعب، ولا تعرف اليأس ولا القنوط، فهل مطلوب منها أن تحرر فلسطين؟؟
لكن لا بد أن نقنع أنفسنا في النهاية بأن ثمة شيئاً لا نفهمه تماماً، وإذا لم أكن مخطئاً فإن رموز العمل الفلسطيني وقادته يعرفون أشياء لا نعرفها، ولا يمكننا أن نعرفها؛ لأنهم لم يمتلكوا الشجاعة بعد لأن يحدثوننا عن تعثرات القيادة وخطورتها على قضية فلسطين بمجملها، ويقولوا لنا أن فلسطين الجديدة الناهضة، أضحت حكومات تتطاحن، وأحزاباً تتقاتل في حمى العصبية والزعامة الأبوية.
إنَّ النضال الفلسطيني في ساعة من أخطر ساعات الأزمة، وإنَّ النجاة رهن بالعودة إلى التضامن بين الفلسطينيين، الذي تتحطم على صخرته كل الأحقاد الحزبية، وإزالتها من النفوس، وإدراك حقيقة الخطر الذي بات يتهدد الجميع.