من أجل مراجعة نقدية لممارستنا وتصويب مرحلة النضال

بقلم: عباس الجمعة

تكتسي المرحلة التي نمر بها مراجعة نقدية لممارستنا من اجل تصويب مرحلة النضال انطلاقا من الحرص على شعاراتنا الثورية التي تستهدف بشكل أساسي التجدر داخل الجماهير الشعبية، ويستحضرني موقف اخطأت فيه بلحظة غضب عام 1985على ضوء ما كنا نمر به وهذا يتطلب اعتذار بحق رفاق احترمهم واحبهم أعترف ألان أنني كنت فظاً معهم ، لأن الساحة الفلسطينية لم تخلو في أي مرحلة من مراحل النضال الفلسطيني من الاختلاف في الرأي، وان ما قمت به في حالة غضب اقول يجب ان لا يفسد للود قضيه ، وهذا كان يتطلب مني أن توضع الأمور في نصابها الصحيح ، لهذا يجب ان نقيم اخطائنا برؤية نقدية موضوعية تعطي الإيجابية لهولاء الرفاق وتثني على دورهم، وننتقد انفسنا من اجل معالجة الاخطاء وتلافيها بعيدا كما قلت عن وهم المبالغة أو وهم التقليل من هذا الشأن لأن ذلك يبقينا في دائرة لا تنتهي من التراكمات ، فيجب ان نكمل مسيرتنا ونكافح بوحدتنا .

من هنا اقول إن غياب النقد يساهم في تدمير اي انجاز وطني وحتى على مستوى العلاقة الشخصية ويؤدّي إلى انغلاق مميت كما يعتبر غيابه نقصا يدفع بنا نحو الخمول والكذب والتملّق والانصياع.

من هنا فإن مراجعتنا لاخطاءنا من خلال ممارسة النقد الذاتي من الوسائل الضرورية ، إذ يحول اي انسان الى نموذج حيث من خلاله نستخلص العبر وحُسن النية مع الابتعاد عن الاتهام والندم والتشهير، و إن عملية النقد ليست لعبة كرة قدم لا بد لها من تصحيح الخطأ ، بل هي بحاجة الى الرقي بالنقد الذاتي وممارسته بشكل صحيح ، من أجل الحفاظ على مجتمعنا ووطننا، فهو الهدف الأكبر في نهاية الأمر.

إن النقد الذاتي يقينا من الوقوع في دائرة الخمول ومن الجمود الفكري والعملي، والنّقد الذاتي من أهم الأدوية لصد الڤيروسات التي تهدد اي حزب او تنظيم او مؤسسة .

لذلك فأن من يريد ان يتمتع بالمصداقية والمهنية فعليه أن يكون صادق مع نفسه وبالتالي صادق مع الآخرين ، ولابد أن يكون على مقدار عال من الصدق خاصة في عمله، وأول خطوه على طريق الصدق هي النقد البناء والنقد الذاتي أي أن تنتقد نفسك في حال الخطأ.

في واقعنا اليوم نرى اشخاص اساءوا وجرحوا بقيادات وكوادر مناضلة وحتى سلبوا ونهبوا وباعوا ممتلكات بطرق غير شرعية ،وخرجوا وعادوا وهم يحتلون في فصائلهم واحزابهم مكانة لا يحتلها مناضل أخر افنى عمره في النضال، وهم لا يبتعدون كثيرا عن اساليب الكيد واقتناص الفرص والثأر، والدفاع عن المصالح الفئوية والعشائرية والقضايا الخاصة ، بعيدا عن السلوكيات الأخلاقية التنظيمية السليمة أو الأهداف السياسية وعن الوجدان الفلسطيني ، وهي لا تولي العمل المجتمعي و الجماهيري الاهتمام الكافي ،ولا يوجد لديها سوى اجترار النقد والتجريح أو القيام بمهام التشريفات ، لانهم يسكنون في شقق مفروشه على طراز حديث, ويركبون السيارات الفخمة وورائهم مرافقين ، ونحن نركب بسيارة اجرة ونمشي على الطرق ، وكل ذلك هو نتيجة عدم تطبيق مبدأ المحاسبة وهو الغائب الوحيد في الساحة الفلسطينية ، لهذا اقول على هؤلاء أخذ الدروس والعبر من كل ما يحصل، وان العلاقات المتينه والصحيحه هي التي تظهرفي اوقات الشدائد والمحن حيث تتعمق بشكل جدي ومبدأي في ميادين العمل النضالي العملي ، وهي علاقات إنسانية، تسمو بالإنسان من خلال التعاون الاخوي والتعاضد وحسن النية والنزاهة، والبساطة ، والتواضع في الحياة الشخصية والاجتماعية، فالمناضل الحقيقي يمتاز عن كافة المناضلين بكونه يسترشد في نضاله وعمله بنظرية علميه , ولا يجب عليه أن يفصل بين الأهداف الآنية و البعيدة كما لا يجب إهمالهما , فليس لدى المناضل أية امتيازات أخرى سوى التضحية في سبيل قضيته العادلة أكثر من الاخرين من اجل انتصار القضية ,لاننا على ثقة بان المناضلين الحقيقين هم من يعيشون مع الناس وهمومهم .

ان وجود أكثر من وجهة نظر أو رأي حول موضوع معين لا يمكن تفسيره على أنه حالة سلبية، بل العكس من ذلك فإنها حالة إيجابية مفيدة لابد منها في أي نقاش يجري بين مجموعة من الأفراد، لما في ذلك من فوائد كثيرة وكبيرة فأعقل الناس من جمع إلى عقله عقول الناس، فيستفيد المرء من تلك الآراء والمناقشات التي تدعم رأيه وتنصره وتكون دافعا له للاعتداد برأيه وعدم الحياد عنه، أو قد تكون متضاربة ومختلفة مع رأيه ومخالفة لوجهة نظره، وفي هذه الحالة يستفيد أيضاً من تلك الآراء في تصحيح بعض آرائه وأفكاره الخاطئة إذا كانت آراء الآخرين وأفكارهم أشمل وأعمق وأدق من آرائه ووجهة نظره، وذلك بعد اقتناعه واعتقاده شخصياً بها، ففي نهاية المطاف لابد من أن يصل كل من طرفي النقاش إلى محصلة نهائية يتفقون بها ومحطة نهائية يقفون عندها .

ومن هنا اقول اليوم مطلوب ان تنهض القوى والفصائل بأوضاعها في كل خانات وميادين العمل، وأن تنتهي ظاهرة العمل النخبوي والفوقي،مطلوب قيادات تتغلغل في أوساط الجماهير، وأن تبتدع وتبدع أشكال جديدة ومتطورة للعمل والنضال تستوعب كل الطاقات،مطلوب قيادات موحدة وجامعة لا قيادات طاردة ومنفرة في اللحظة ، مطلوب التواضع والالتصاق بالجماهير وهمومها،ودفء العلاقة الرفاقية والقناعات الفكرية العميقة وتغليب المصالح العليا للشعب والقضية على المصالح الفئوية،والمساهمة الجادة والفاعلة من أجل توحيد الجهود لنجاح مسار العمل من خلال وضوح في الرؤية من اجل التقاط الأحداث ومواكبتها.

كثيرة هي الأمثلة والتي تحتاج منا إلى دراسة وتصحيح بعض المصطلحات ، نحن لا نهاجم أحد أو ننتقد أحد بهدف المنافسة بل نقوم بمحاولة لإيضاح الصورة ، وهذا يحتاج منا إلى إعداد أنفسنا للبناء عبر مرحلة تمكين حقيقية على المستوى التنظيمي والفكري والسياسي ، فإننا نؤكد على أن كل هذه السمات الأخلاقية يجب ان تتجسد في ممارسات اي قيادي مع رفاقه أولا وقبل كل شيء والتعاطي معهم في الحقوق ، فبدون هذه العلاقة يستحيل على الفصيل او الحزب بناء علاقات سياسية ديمقراطية وكفاحيه مع الشعب ، لان بهذه العلاقة نحقق تطلعنا نحو المشروع الوطني والتاريخي لاستعادة دورنا وتأثيرنا المستقبلي المنشود.

وبالرغم من كل عوامل الدفع نحو المصالحة وإنهاء الانقسام، إلا انها لم تنجح ، حيث بات المواطن الفلسطيني محكوما بقيود تحد من حريته السياسية والفكرية والشخصية، وبالتالي فاقدا لدوره أو لحوافزه الذاتية للإسهام الطوعي الحر في إطار النضال الوطني و الديمقراطي .

في ظل هذا المشهد ، أو على هامشه، تتزايد بشاعة ممارسات العدو الصهيوني وحصاره، ومواصلة استباحة المقدسات الاسلامية والمسيحية وقيامه بالاغتيالات والقتل والاعتقال ، فيما يواجه الشعب الفلسطيني بارادته الحية التي ما زالت تتفاعل بالقدس وفي مناطق مختلفة من الضفة الغربية من خلال كل أشكال المقاومة الشعبية التي تشكل رداً على الاحتلال وقطعان مستوطنيه.

في مثل هذه الظروف ، فإن من واجب كافة الفصائل والقوى أن تنتقل من حالة الركود الراهنة إلى حالة التفاعل الذي يحقق قدرتها على الاستجابة والتحدي للمأزق السياسي والمجتمعي الراهن، وأن تتعاطى الهبة الشعبية في القدس والضفة مهما كانت الظروف والمواقف وتصعيد المقاومة الشعبية.

لذلك فإن النقد الجاد الكامل والصريح، هو نقطة البداية، لإعادة صياغة دورالفصائل والاحزاب والقوى ، في سياق عملية النضال الوطني الديمقراطي ، الوقوف ضد كل المحاولات التي تهدف إلى خنق صوت الشعب الفلسطيني وحقه في ممارسة نضاله و التعبير عن رأيها ، و بالتالي فإن الانتصار لهذه القضية سيشكل الخطوة الرئيسة .

ان ما يجري في المنطقة مشهد مليء بالاحتمالات والقلق المشروع في اللحظة الراهنة ، ونحن نرى ما تقوم به القوى الارهابية التكفيرية بحق الشعوب بدعم صريح ومباشر من القوى الامبريالية وحلف الناتو ودولة العدو الإسرائيلي ، لإعادة إنتاج التبعية والاستبداد والتخلف بصور وأشكال جديدة ، الأمر الذي يتطلب استنهاض كافة الاحزاب العربية من أجل توفير كل مقومات المقاومة والوحدة السياسية والفكرية والتنظيمية بما يمكنهم من استعادة دورهم الطليعي في المواجهة وافشال المخطط الامريكي الصهيوني الهادف الى تفتيت المنطقة الى كانتونات طائفية ومذهبية واثنية وعرقية من خلال الاستفادة من المعارك الدائرة في العالم العربي للوصول الى تصفية القضية الفلسطينيه وتمرير المرحلة الثانية من مشروع "دولة إسرائيل الكبرى" عبر طرح تحويل هذا الكيان الى دولة لليهود في العالم.

وفي ظل هذه الظروف نشاهد ما يرتكب بحق شعبنا الذي يقدم الشهداء من أبنائه ودمائه دفاع عن الارض والانسان والمقدسات ، لكن نقول ان رفع راية وحدة الشعب ووحدة الأرض وراية النضال الوطني ، وراية الهوية الوطنية والوحدة الوطنية وراية المشروع الوطني من اجل الحرية والاستقلال والعودة والدولة المستقلة وعاصمتها القدس، هذه الحقائق التي تجسدها فلسطين بكل مدنها ومخيماتها وقراها، لا تعمي بصائرنا وعقولنا عما يعيشه أبناء شعبنا في قطاع غزة الذين يسألون بصمت حزين ، مسكون بالأمل ، ما الفرق بين الزمن الفلسطيني اليوم وذاك، الى متى سيبقى هذا الانقسام ، من سيعمل على اعادة بناء بيوتنا حتى لا نبقى مشردين ، هل نحن امام كوارث جديدة أشد خطراً من نكبة 1948، تتمثل في انهيار المشروع الوطني ووهم الدولة المستقلة ، واستمرار الصراع على السلطة والمصالح ، الذي قد يعزز فصل ما تبقى من الوطن وتفكيكه بين مساحة لا مستقبل لها في قطاع غزة ومساحة في الضفة يمكن ان يحولها العدو الإسرائيلي الى مناطق مجزئة ومنقسمة، لا شك نقول لشعبنا عليك ان لا تفقد الأمل ونحن واثقين من ان شعب عظيم بكل هذه الآمال الكبرى والتضحيات الجسام قادر على الانتصار مهما كانت الظروف ومن هنا اتت العملية البطولية في مدينة القدس، رداً على هذه السياسه العنصرية الصهيونية، فحملت هذه العملية رسالة لكيان الاحتلال أن الدم الفلسطيني ليس مستباحا وأن الشعب الفلسطيني قادر على القصاص، رغم كل الإجراءات الأمنية الصهيونية لانها غير قادرة على اعاقة النضال والمقاومة ، وان هذا العمل يتطلب من جميع القوى المباركة وأي عمل مقاوم يستهدف اقتلاع المستوطنين والمحتلين الذين يدنسون الارض والمقدسات ، وان نحيي ابطال هذه العمليات البطولية التي ينفذها شباب القدس باعبار الرد الطبيعي على جرائم الاحتلال وهي شكلا من أشكال المقاومة الشعبية .

وامام ما تقدم نؤكد على اهمية الموقف الفلسطيني الرافض للمفاوضات الثنائية بالمرجعية الامريكية وعدم الاستجابة لأي ضغوط في العودة إليها، والتمسك بعقد مؤتمر دولي تحت اشراف الأمم المتحدة لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بحقوق الشعب الفلسطيني خاصة حقه في العودة والحرية والاستقلال وهذا يستدعي الإسراع في التوقيع على المعاهدات والمواثيق الدولية وخاصة معاهدة روما التي تفتح الطريق للانضمام الى محكمة الجنايات الدولية لملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة وتقديمهم للمحاكمة.

ختاما لا بد من الدعوة الى وقفة ومراجعة جدية امام ما نعانيه لان الإيمان العميق بالمبادئ والقيم الثورية تتطلب استنهاض الهمم والحفاظ على الوحدة الوطنية وتقيم المرحلة من خلال النقد الدائم لكل المواقف وتجديدها ارتباطا بأهداف شعبنا العظيمة واستعدادها دوما للمشاركة في النضال بكل إشكاله بمواجهة الاحتلال الصهيوني حتى جلاءه عن ارض فلسطين وتحقيق اهداف شعبنا في العودة تقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.