بعد أن حاز فيلم "عيون الحرامية" لدى عرضه في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي على الإشادة به من قبل النقاد والصحفيين والفنانين، ومثل الحضور الجماهيري الذي إمتلأت بهم قاعة المسرح الكبير في دار الأوبرا المصرية مؤشرا هو الآخر على أهمية وقيمة الفيلم، جاء من يوجه سهامه البالية إلى الفيلم مستعينا بقميص عثمان "التطبيع"، حيث إعتبر هؤلاء أن ذهاب بطل الفيلم خالد ابو النجا إلى الضفة الغربية لتصوير الفيلم في مدينة نابلس شكلاً من التطبيع، وكذلك الحال مع بطلة الفيلم المغنية الفرنسية من الاصول الجزائرية سعاد ماسي، رغم أن وزارة الثقافة الفلسطينية هي من أشرف على ترتيب الزيارة والإقامة القصيرة لهما في الضفة الغربية، وحرصت ألا يتم وضع الختم الإسرائيلي على جواز سفرهما، حيث تم الإستعانة بالورقة الصفراء لتفادي ذلك.
الفيلم الفلسطيني "عيون الحرامية" المستوحى من العملية التي نفذها ثائر حماد عام 2002 وقتل فيها أحد عشر جندياً اسرائيلياً في المنطقة المعروفة بوادي عيون الحرامية، يتناول الفيلم البعد الانساني للمعاناة الفلسطينية من خلال الشاب طارق، الذي يلعب دوره الفنان المصري خالد ابو النجا، حيث أمضى عشر سنوات في سجون الاحتلال ليخرج بعدها يبحث عن ابنته نور في الوقت الذي يحتفظ فيه بسر لا يطلع عليه أحد، الصورة التي يحاول الفيلم التركيز عليها تتعلق بالجانب الإنساني للمقاوم، وهي الصورة التي لطالما اصابها الكثير من التشويه من آلة إعلام الإحتلال، الفيلم من اخراج نجوى نجار وهو الفيلم الروائي الثاني لها بعد فيلم "المر والرمان" والذي حاز على عدة جوائز.
الفيلم الفلسطيني تم ترشيحه لنيل جائزة الأوسكار ضمن فئة أفضل فيلم أجنبي، وبالتالي ستكون فلسطين حاضرة من خلاله في أهم تظاهرة فنية دولية، وأيضاً سيتم عرضه في افتتاح مهرجان "ريو" بالبرازيل، الحضور الفلسطيني من خلال هذا الفيلم في مثل هذه المحافل الدولية له أهمية كبيرة، خاصة أن الفيلم يحمل معاناة شعب دون أن يسقط البعد الإنساني لمقاومته، وهو الشيء الذي عادة لا نجيد تناوله رغم ما له من قوة تاثير في تشكيل الرأي العام العالمي فيما يتعلق بالمقاومة الفلسطينية.
الفنانة الجزائرية التي تلعب دور البطولة في الفيلم إعتبرت مشاركتها في الفيلم تعبيراً عن دعمها للشعب الفلسطيني وحقوقه العادلة، بغض النظر عن ملاحظاتنا على الفيلم وبخاصة ما يتعلق منها بعدم وجود رابط بين أحداث الفيلم وعملية عيون الحرامية وبطلها الحقيقي، وكذلك بعض المقاطع التي لا تحاكي الحياة الفلسطينية، إلا أن الفيلم بحد ذاته بهذه المشاركة العربية وبحضوره في المحافل الدولية من الأهمية التي يجب أن تدفعنا لتطويرها وتشجيعها.
كنا نأمل من تلك الأصوات التي وجهت سهام التطبيع للمشاركين فيه أن يتحلوا بقدر يسير من العقلانية بعيداً عن التشنجات الغير مبررة، لا أعرف كيف يمكن تسمية التواجد العربي مع الشعب الفلسطيني في تفاصيل معاناته اليومية تطبيعاً؟، ولماذا لم يبادر هؤلاء على مدار سنوات القضية الفلسطينية الطويلة لعمل واحد ينقلون من خلاله معاناتنا وتغول الإحتلال علينا؟، من الواضح أن مفهوم التطبيع ابتعد كثيراً عن مضمونه وهو بحاجة لإعادة تعريف من جديد كي لا يستمر إختلاط الحابل بالنابل.