تحية للسواعد التي تقاوم.. القدس تستعيد أضواءها

بقلم: عباس الجمعة

القدس والضفة تنتفض لتقول للعالم ان الشعب الفلسطيني يعبر عن طاقة مكبوتة كانت تنتظر لحظة انبلاجها، فصارت التضحية منهج حياة يعبر عن رغبة جامحة في الانعتاق من نير الاحتلال، لقد قرر الشعب الفلسطيني أن يضع حداً “للإهانة”؛ إهانة المحتل لأبناء شعبنا بكافة فئاته وشرائحه الاجتماعية، فكانت العمليات البطولية من دهس وطعن ومنجل وحجر هي السلاح بوجه الاحتلال وقطعان مستوطنيه الذين احرقوا الطفل الشهيد محمد ابو خضيرة على مرآى ومسمع العالم والذين شنقوا الشهيد يوسف حسن رموني فخرج ابطال فلسطين شباب وفتيات فلسطين بهبتهم الشعبية واتسدل الستار على مرحلة “التيه” الوطني الذي أصابها على مدى عقود، واستجمعت كل القوى مكوناتها المعنوية، ليعلن الشعب بشكل واضح وصريح رفضه القاطع للاستمرار في حالة البقاء تحت خط القهر والظلم والارهاب ، وليقذف بنفسه في آتون معركة غير متكافئة مع المحتل، الذي استمرا القتل والتعذيب والاعتقال وسياسة الاستيطان وتهويد الارض والمقدسات الاسلامية والمسيحية وعلى وجه الخصوص المسجد الاقصى

هي القدس ترتقي لثالوثها المقدس وعلى باب الاقصى تطهر المدنس وتبعث الرسائل لتخرق اي عودة الى مسار مفاوضات ثنائية عقيمة لا يمكن ان تقدم شيئ ، نعم الشعب الفلسطيني بصدوره العارية يعيد الى المشهد الدروس الثورية حين خانتها بعض الانظمة بتخليها عن فلسطين وجلست بعض مشيخات العبودية تحاضر في حقوق الانسانية على ما يجري في المنطقة العربية، بينما فلسطين تغيب عن ابجدياتها ، وفي ظل ادانة من الادارة الامريكية المنحازة بشكل سافر لما قام به ابطال الشعب الفلسطيني ضد معبد يهودي في جبل المكبر .

‏ ولم تكن الهبة الشعبية عفوية إلا في موعد اندلاعها، وفي تفاصيل المواجهات اليومية مع جيش الاحتلال في شوارع وأزقة المدن والمخيمات بالضفة الفلسطينية والقدس، فقد كانت الأرض تختمر منذ سنوات وترتوي بدماء المناضلين، فخرج الشباب الفلسطيني ليشكل بمواجهته المباشرة الاحتلال.

هي القدس تستعيد أضواءها وتحطم اصنام من يسمون انفسهم انظمة ما يسمى الربيع العربي ، لقد مثل هذا الشباب الفلسطيني صورة الثائر الجديد، ليمثل نمطا فريدا لم يكن معروفا لدى العالم من قبل، صورة الملثم الموشح بالكوفية الرقطاء، الذي يستخدم أبسط أدوات المقاومة ومن الحجارة، وإغلاق الطرق، ووضع المتاريس، وإشعال إطارات السيارات ، حيث عبر ابناء فلسطين عن ذاتهم وأفكارهم وأهدافهم ، و سجل الشعب الفلسطيني براءة ابتكار لفكرة =المقاومة الشعبية الشاملة سلوكا ومصطلحا نضاليا له دلالته، في إبداع وسائل النضال، فكان الشعب الفلسطيني بمجمله هو البطل.

‏ من هنا نرى اهمية التأمل واستلهام القيم الثورية لشعب العطاء والتحدي والتضحية والتآخي و الإيثار والوحدة الوطنية، و ما يجري في شوارع القدس هو ردة فعل الفلسطيني الذي لم يعد لديه ما يخسره وبات مستعدا للقيام بأي شيء للتعبيرعن غضبه ورفضه، وهو لا ينتمي بالضرورة الى تنظيم سياسي ، بقدر ما يتصرف بدافع من الروح النضالية لان القدس ترنيمة مقدسة في صلواتنا، وأمل مستقبلنا الدائم، هي القدس تلك الخالدة التي ترحل اليها عيوننا كل يوم.

‏ فكان صوت جبل المكبر المقاوم الذي يأبى الا ان يكون شاهدا على جرائم المستوطنين هو التعبير عن الرغبة الفلسطينية القوية بكسر ليل الظلم والاحتلال من قبل البطلين غسان وعدي ابو جمل بمهاجمة مستوطنين متطرفين، وهذا الرد هو رد فعل طبيعي على تمادي الاحتلال، وإيغاله في دم الشعب الفلسطيني، واستهداف مقدساته، في ظل التخلي الدولي شبه الكامل عن القضية الفلسطينية، والصمت العربي المتواطئ من بعض الحكام العرب، الذين يتآمرون على قوى المقاومة في المنطقة وعلى وفلسطين

ما يعني أن مرحلة جديدة من النضال الفلسطيني، تسانده الشعوب العربية المناضلة باحزابها وقواها الوطنية والتقدمية وقوى المقاومة على امتداد المنطقة ، فهذه الهبة الشعبية بدأت لتصحيح البوصلة وتوجيهها نحو العدو الأساسي للامة العربية، الذي سلب الأرض وانتهك الحرمات ومارس عملية ترانسفير ممنهجة ضد شعب أعزل، تُرك خلال عقود من الزمن رهينة القتل والتنكيل والاعتقال والتشريد، والعالم المتحضر صامت، ويأخذ دور المتفرج على مأساة شعب تعرض لاحتلال لم يشهد التاريخ له مثيلا.

لقد أثبت الشعب الفلسطيني خلال الأسابيع القليلة الماضية، ومن خلال استهدافهم للاحتلال وقطعان مستوطنيه، من الرشق بالحجارة إلى استخدام السكين والمنجل والبلطة ومن ثمّ الدهس بالسيارات ، أنه مهما اشتدت عليه قساوة الاحتلال ، وبلغ الحصار، فإنه لن يسمح للصهاينة بالعيش في أمان، وأن المقدسيين لا يقيمون وزناً للتهديدات والضغوطات للاحتلال، ان يعيش بآمن على ارض فلسطين، كما أثبتوا تمسكهم بالفعل المقاوم، الذي اكد عليها الشهيد القائد فارس فلسطين ابو العباس في الانتفاضة الاولى عندما اطلق شعار لينضم السلاح الى الحجر ، وكما قال الشهيد القائد فارس الانتفاضة ابو علي مصطفى عدنا للوطن لنقاوم على الثوابت لا لنساوم هذا هو الطريق لاسترجاع الحقوق المشروعه للشعب الفلسطيني، لأن العدو لا يفهم إلا لغة القوة.

عملية القدس تبعث برسائل للعرب والعالم ، ان شباب وشعب فلسطين يريدون دولة مستقلة وذات سيادة بعاصمتها القدس , ان الهبة الشعبية لم تتوقف مهما اشتدت الضغوطات والعواصف، إن اشتداد الهجمة الصهيونية الأمريكية على المنطقة العربية وما يلاقيه المشروع الأمريكي- الصهيوني الاحتلالي من مقاومة عربية في فلسطين والمنطقة, وبعدما وصلت السياسة الأمريكية في جولاتها إلى طريق مسدود, فإن التطورات وتداعيات هذه السياسة قد أفرزت وقائع جديدة, تنذر بإمكانية فشل المخطط الأمريكي- الصهيوني في المنطقة, مما يمهد إلى إمكانية استنهاض المشروع العربي التحرري, عبر بلورة استراتيجية مواجهة مقوماتها، الصمود والثبات والوحدة الوطنية فهي فرصة لكافة فصائل العمل الوطني الفلسطيني، من اجل رص الصفوف لمواجهة الاحتلال..

ما يجري في الأراضي الفلسطينية ، سواء في المدينة المقدسة وبقية مناطق الضفة الفلسطينية، وحتى في الأراضي المحتلة عام 1948 ، يتطلب المواجهة لان الاحتلال يسعى إلى شطب حقوق الشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حق العودة, و شطب القضية الفلسطينية, ونحن نواجه عدوا صهيونيا عنصريا واحتلاليا, يصادر الأراضي الفلسطينية ويقيم عليها مستوطناته اليهودية, ويعزل السكان الفلسطينيين عبر جدران الفصل العنصري, ويقيم الحواجز ويمارس الإرهاب بكافة اشكاله ، وهذا يستدعي منا التحرك من اجل حشد التضامن العربي والعالمي لمواجهة الاحتلال الصهيوني العنصري ومن أجل الانتصار لقضايا شعبنا الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس .

ان ما ما تخطط له الإدارة الأمريكية بشراكتها مع العدو الصهيوني يقود في المحصلة المنطقة العربية نحو المزيد من الكوارث والحروب،والصراعات الطائفية والمذهبية التي يراهن عليها الأعداء, وتلك هي المخاطر التي ينبغي على الشعوب العربية واحزابها وقواها الوطنية والتقدمية واليسارية والقومية مواجهتها بصلابة لافشال هذه المخطط الذي يستهدف تفتيت المنطقة الى كانتونات .

تحية من القلب إلى شعبنا الفلسطيني في المناطق المحتلة عام 1948 ,الذي يقاوم العنصرية الصهيونية بكل الوسائل المتاحة, تحية للسواعد التي تقاوم بكل الوسائل المتاحة في القدس، وتحية إلى أهلنا الصامدين في القدس, عاصمة دولة فلسطين، تحية إلى الشعب الفلسطيني المقاوم في بيت لحم, وبيت جالا ورام الله والخليل ونابلس وطوباس وجنين وغزة وكل بقعة من ارض فلسطين، وتحية الى الشهداء الابطال عدي وشادي ابو جمل وكل شهداء القدس وفلسطين الذين قدموا أرواحهم في سبيل فلسطين على طريق الحرية والاستقلال والعودة.

ختاما : لا بد من القول ان تفعيل العمل الوطني والجماهيري من أجل الحفاظ على الهبة الشعبية، ومقاومة الاحتلال والاستيطان الذي يصادر المزيد من الأراضي في الضفة الفلسطينية والقدس ، المدعوم بكل السبل من الإدارة الأمريكية في ظل النفاق والصمت الدولي والتطبيع والخنوع الرسمي العربي، فلا يحوز العبث بمصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه وتضحياته ودماء شهدائه ، مما يتطلب استراتيجية فلسطينية وتعزيز الوحدة الوطنية وتحشيد الرأي العام العالمي وقوى التضامن العالمي والعمل من اجل الدعوة لمؤتمر دولي لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية والاشراف على تنفيذها.