تونس ومحطتها الثالثة

بقلم: أسامه الفرا

يتوجه الناخبون في تونس اليوم إلى صناديق الاقتراع لإنتخاب أول رئيس لهم بعد الثورة، ليس فقط الشعب التونسي هو من يرقب نتائج انتخاباته الرئاسية بل يشاركة في ذلك الكثير حول العالم، تونس التي استطاعت أن تنجو بنفسها من مطحنة الفوضى التي خلفها الربيع العربي في الدول التي انتقلت إليها العدوى من ثورة الياسمين التي أطاحت بنظام زين العابدين، تونس نجحت بإمتياز في المحطات السابقة التي كان عليها أن تتوقف فيها خلال تجربتها الديمقراطية، والتي تمثلت في إنتخاب المجلس الوطني التأسيسي الذي أشرف على إعداد دستور البلاد، وكذلك في الانتخابات البرلمانية التي شهد لها العالم بالنزاهة، واليوم يتطلع الشعب التونسي لأن يعبر المرحلة الثالثة "الإنتخابات الرئاسية" بأمان لتتوج بذلك مشوارها الديمقراطي المثير للإعجاب.

تكدست في أروقة اللجنة العليا للإنتخابات ملفات المرشحين للإنتخابات الرئاسية، سبعون هم من تقدموا بطلبات ترشحعم للرئاسة فيما اللجنة العليا للانتخابات وافقت على سبع وعشرين منهم، فيما أعلن لاحقاً انسحاب خمسة مرشحين ليصبح عدد المتنافسين على مقعد الرئاسة 22 مرشحاً، القائمة تشكل لوحة فسيفساء لتوجهات فكرية وثقافات متباينة، منهم من يحمل تجربة سياسية طويلة في معارضة نظام زين العابدين أو من أولئك الذين خدموا فيه وكانوا من أعمدته الأساسية، ومنهم من تقدم حاملاً معه تاريخه النقابي أو الحزبي أو عمله الأهلي والرسمي، وفي لوحة المرشحين تجد المنافسة بين الرجل وصهره حاضرة هي الأخرى، كما هو الحال بين العربي نصرة "مؤسس حزب صوت الشعب" وزوج إبنته رجل الأعمال سمير عبدلي، لكن من الواضح أن المنافسة الحقيقية على مقعد الرئاسة تكاد تكون محصورة بين السياسي المخضرم العجوز الباجي السبسي "88 عاماً"، والرئيس المؤقت لتونس المنصف المرزوقي.

الباجي السبسي فاز حزبه "نداء تونس" حديث النشأة "2012" بالمركز الأول في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة متقدماً على حركة النهضة، وإن كان حزب نداء تونس لم يحقق في تلك الانتخابات الأغلبية المطلقة إلا أنه إقترب منها، وهو ما يشير إلى إمتلاكه لقاعدة جماهيرية يمكن لها أن تساعد زعيمه في الوصول إلى مقعد الرئاسة، فيما حزب المؤتمر من أجل الديمقراطية الذي يرأسه المنصف المرزوقي لم يحصل إلا على أربعة مقاعد فقط، في الوقت الذي حل ثانياً "29 مقعد" بعد حركة النهضة في إنتخابات المجلس الوطني التأسيسي عام 2011، وهو ما يشير إلى تراجع كبير في جماهيريته، المؤكد أن قوة الأحزاب التونسية في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة تعطي مؤشراً حول سباق الرئاسة لكنها بالتأكيد تبقى مجرد معطيات تنتظر ما تفرزه صناديق الإقتراع.

حركة النهضة بعد خسارتها الإنتخابات البرلمانية لم تتقدم بمرشح للرئاسة، ومن المرجح أنها تتجه نحو دعم المرزوقي وإن عارض البعض من داخلها هذا التوجه، ما يجدر الإشارة إليه أن حركة النهضة رغم تراجعها إلا أن قيادتها أثبتت أنها تجيد لعبة السياسة، حيث تجنبت الوقوع في الأخطاء الكبيرة التي وقعت فيها جماعة الأخوان المسلمين في أماكن أخرى، لكن على أي حال وبغض النظر عن المرشح الذي سيتمكن من الوصول إلى مقعد الرئاسة، وإن كان بإستطاعته أن يصل إليه من الجولة الأولى أو أنه بحاجة لجولة ثانية، فمن المؤكد أن التجربة التونسية تفرض إحترامها على الجميع داخل تونس وخارجها، ومن المفيد للجميع تفحص التجربة والإستفادة منها خاصة ما يتعلق منها بثقافة المشاركة.