لحظة اقتلاع خيال الظل ..!!

بقلم: حامد أبوعمرة

زرع حوضا صغيرا ،من الجرجير في فناء البيت ..رغم عدم حبه للزراعة ،فهو من الذين يقولون بأنه إن أردت شيئا فانطلق لإحضاره ..ولا تنتظر طويلا ،صحيح أنه يعشق الخضرة التي تزين جمال الكون ،ويعشق الأشجار العالية ..لكنه لا يستمتع بزراعتها كثيرا لأنه حينها يحس أن ذاك الشعور قد مال للفتور.. وأن المتعة أصبحت منقوصة بعد غياب النظرة التأملية التي دوما تعتريه في مثل تلك الأجواء ..كان يسقي ذاك الحوض صباحا ومساءا كل يوم ، وما هي إلا أيام قلائل وهو يتفقد الغرس.. وإلا وقد انبثقت من رحم الأرض ، وريقات صغيرة خضراء كانت أعوادها دقيقة وضعيفة تكاد توشك على السقوط ..انتابته فرحة شديدة وأمل ،لم يكن يدرك ما الذي دفعه للاقتراب بسرعة ليحتضن تلك الأعواد ويعدلها بأطراف أصابعه ..فهو من الذين يميلون دوما وبكل شغف للزاوية القائمة.. ويمقت الزاوية الصفرية أو الحادة ..شعر وفتها وكأنه يداعب خصلات شعر طفلا صغيرا ..وفي صباح أحد الأيام كالعادة.. تطلع من النافذة لمتابعة نمو المحصول الصغير..لكنه وجده قد انتقص ويصوره ملفتة للنظر حيث كانت هناك فراغات بين السطور المزروعة كشعر الرأس حين يداهمه التصحر بكل قساوة..قال في نفسه بالتأكيد أنها العصافير ..قام على عجالة وأخذ له خشبتين متعامدتين وألبسهما ثيابا قديمة .. وهو ما يُعرف اليوم " بخيال الظل أو شاخص الخيال " وكأنه إنسان يحرس المكان ..هي مجرد حيلة حتى تبتعد العصافير عن الزرع لكنه لم يطيب له ذاك العمل كثيرا .. فكان عليه أن يجد بديلا عن الزرع كغذاء ..تذكر أن لديه كيسا به حبا للطيور كان قد خبأه.. عندما كان له قفص وكانت هناك عصافير ..فلم يبقى القفص بعدما طارت العصافير ..المهم أنه نثر تلك الحبوب .. على مسافة بعيدة إلى حدا ما من الحوض ..وفي اليوم التالي وجد انتقاص أيضا في الزرع وكان شيئا لم يحدث.. وما كان من الحبوب إلا بقايا مبللة بالماء تكاد توشك على الاختباء بالأرض..صحيح أنه تضايق قليلا .. لكنه اطمأن وهدّأ من روعه.. لما سمع أحد القراء والذي ينبعث صوته عبر مذياع أحد الجيران حيث كان يتلو من قوله تعالى : {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} حينها أقشعر كل كيانه وانتابته هزة سريعة سرت في عروقه ووجدانه حتى كاد أن يغشى عليه ..وما هي إلا لحظات وإلا و قد أفاق ووجد نفسه يقتلع خيال الظل ،ونثر بقية الحبوب ..!!