منذ أشهر تلوّح السلطة الفلسطينية ورئيسها بخطة فلسطينية من ثلاث مراحل، بعد أن أجرت مشاورات حولها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتم تسريب بعض ملامحها في "محضر إجتماع قطر" الذي جمع أمير قطر ومحمود عباس وخالد مشعل وبعض مرافقيهم أثناء الحرب على قطاع غزة قبل أن تعرض على "إجتماعات القيادة" ويعلن عنها بشكل رسمي.
خطة الثلاث مراحل كما أعلن عنها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تقوم على "إعطاء الأميركيين فترة زمنية قد تمتد إلى 4 شهور من أجل ترسيم حدود الدولة الفلسطينية وجلب الاعتراف الإسرائيلي بها، فإذا قبل الطرفان تبدأ مفاوضات فورية محكومة بسقف زمني ويطلب فيها من إسرائيل عرض خريطة تحمل حدودها، أما إذا رفض الأمر أو فشل فإن القيادة ستذهب عبر المظلة العربية إلى مجلس الأمن لطلب إجلاء إسرائيل عن أرض فلسطين خلال فترة محددة زمنيا ومعروفة، فإذا أحبط الأمر، ستفعل القيادة الخيار الثالث وستنضم إلى جميع المنظمات الدولية بما فيما محكمة الجنايات وتباشر في محاكمة قادة إسرائيل" .
الإدارة الأمريكية أعلنت رفضها للخطة وعدم موافقتها على توجه السلطة إلى مجلس الأمن للتصويت عليها، وأعلنت في وقت لاحق أن تنفيذ المرحلة الثالثة من الخطة المتعلق بالإنضمام لجميع المنظمات الدولية بما فيها محكمة الجنايات سيكون بمثابة إعلان حرب على إسرائيل مما يعني قيام أمريكا بفرض عقوبات على السلطة وتخليها بالكامل عن حضانة الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" حسب بعض المواقف الرسمية و تحليلات بعض الساسة.
في 24 نوفمبر 1014 أعلن وزير الخارجية الفلسطيني أن القيادة الفلسطينية فشلت في الحصول على دعم تسعة أعضاء من مجلس الأمن الدولي لتقديم مشروع الخطة المقرر نهاية الشهر الحالي، وعلل ذلك بإنشغال الدول في الملف النووي الإيراني معلناً أن الخطة ستوضع على طاولة مجلس الأمن رغم معرفته بفشل نتيجة التصويت لصالح المشروع !
الخطة الفلسطينية ومراحلها الزمنية كشفت عن "بلاهة سياسية" منقطعة النظير تتمتع بها القيادة الفلسطينية، وتجاهلت تاريخ أمريكا في مجلس الأمن الدولي، بقدر تجاهلها لموازين القوى داخل مجلس الأمن الدولي وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة التي نخسر فيها عدد من مواقف الحكومات سنوياً بسبب فشل خطير في الدبلوماسية الفلسطينية ظهر في أكثر من محطة ولم تجر معالجته حتى الآن.
القيادة الفلسطينية التي تبنى خطتها إستناداً على عطف أمريكي أو رهان على خلل ما قد يطرأ على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية يجعل أمريكا تغير سياساتها، هي قيادة لا علاقة لها بالواقع أو تتجاهله مع سبق الإصرار لإنعدام الخيارات في جعبتها وهذا الأرجح، وتقوم بمحاولات يائسة لإشغال فراغ سياسي خطير نتج عن فشل المفاوضات على طريقة وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري"، تترافق مع جرائم إسرائيلية متواصلة بحق الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته خلقت بيئة جاهزة للإنفجار في أي لحظة وستكون لها تبعاتها على السلطة ورئيسها وإسرائيل.
أيّ خطة فلسطينية مهما كان نوعها لا تستند على تجميع عناصر القوة الفلسطينية والعربية والدولية، ولا تراع الأخطار والتحديات وتحصي الحلفاء والخصوم هي خطة فاشلة لقيادة تعودت على الفشل وأضاعت من أوراق قوّة الشعب الفلسطيني ما يكفي لإعلان رحيلها قبل الإنفجار.
الخطط والسياسة تبنى وفق تقديرات وموازين قوى داخلية وخارجية وتبحث الفرص والتهديدات، وأول هذه التهديدات ما يتعلق بالوضع الداخلي الفلسطيني والبحث الجدّي في كيفية إنهاء الإنقسام وتعزيز الوحدة الوطنية المستندة إلى الشعب، وثانيها مواجهة إسرائيل وممارسات الإجرام اليومية القتل والإستيطان وتهويد في القدس وحصار غزة وتحويل الضفة إلى معازل متناثرة وفرض وقائع تنسف الخطة الفلسطينية من أساسها إذا كان إدعاء مآلاتها إقامة الدولة الفلسطينية في العام 2016.
لا يمكن للفلسطينيين كسب المواقف العربية والدولية وتحقيق إنجاز سياسي ما دون تمتين الجبهة الداخلية الفلسطينية وتعزيز صمود الشعب وبناء مؤسساته بإدارة رشيدة خاضعة للقانون والمحاسبة، ولا يمكنهم التقدم بخطوة سياسية واحدة دون قوّة فعل كفاحي شعبي على الأرض يعطّل ما تقوم به إسرائيل من إستيطان وتقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية، يجعل مهمة الإحتلال صعبة ومكلفة بديلاً عن إستجداء التهدئة والعودة لعملية تفاوضية مجربة ذات مسار واحد ونهاية معلومة لا تغيب عن عقل أي فلسطيني.
يمكن للرئيس الفلسطيني أن يضع خططاً كثيرة بمراحل مختلفة، كما يمكنه التفرد في إدارة بقايا النظام السياسي الفلسطيني كما يشاء، وأن يمارس إشغلات عديدة للمجتمع الفلسطيني ويكسب وقت إضافي لممارسة الحكم، هذه طريقة مجربة مارستها كل الديكتاتوريات في العالم وكان مصيرها ما شهدناه في المجتمعات العربية، والسقوط المدوي لأنظمة الإستبداد العربي التي إختبأت خلف شعارات التحرر والقومية، ولحقها سقوط أنظمة إستبداد رجال الدين السياسي.
الإفلاس السياسي والمالي والعجز القيادي لا يمكن أن ينتج خطة وطنية صادقة، ولا ينتج تحرر وطني ولا يواجه تحديات كثيرة مع إحتلال يعيش في أفضل حالاته، تقدم له خدمات مدفوعة الأجر كالمفاوضات والتنسيق الأمني وتفتيت الحركة السياسية الفلسطينية ووأد أي حالة كفاحية، الفلسطينيون بحاجة لعملية تغيير حقيقية تؤدي إلى تعديل مسار الحالة الشاذة التي تهدد كل الشعب وقضيته الوطنية.