إسرائيل وخاصة حكومة "نتنياهو" اليمينية، تعيش حالة من الفوضى الأمنية، وافتقاد الإسرائيليين للأمن الشخصي وسط أجواء سياسية مبهمة، وتناقضات في مواقف وتصريحات قادتها، ويدعي رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، إضافة إلى جوقته، أن عملية الكنيس في القدس هي نتيجة مباشرة لعمليات التحريض التي يقوم بها "أبو مازن"، لكن "نتنياهو" الذي يهدف من وراء حملته على الرئيس الفلسطيني لتشويه الواقع، يعتب على المجتمع الدولي الذي يتجاهل هذا الاتهام بالتحريض، مهدداً بالرد بقبضة حديدية على مقتل المصلين اليهود، وما إدخال قوات الأمن والجيش، وحتى وحدة الكوماندوز البحري، ونشرهم في القدس الشرقية، وإقامة الحواجز لدليل على أن القدس الموحدة ليست عاصمة إسرائيل الأزلية، وليست موحدة، بل هي عمليا مقسمة، ومع عدم وجود حل سياسي للقضية الفلسطينية، فإن نزف دماء الجانبين سيستمر، وطالما الحديث عن حرمة الأماكن المقدسة لجميع الطوائف، فإننا نذكر "نتنياهو" وجوقته بمجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل، التي قام بها دكتور سفاح ومستوطن يدعى "باروخ غولدشتاين" والتي أسفرت عن استشهاد أكثر من (30) فلسطينياً برشهم بسلاحه الأوتوماتيكي أثناء تأديتهم الصلاة، هذا اليهودي المتطرف أقاموا له نصباً تذكارياً أصبح مزاراً للمتطرفين، ونستذكر أيضاً محاولة حرق الأقصى من قبل يهودي في مطلع السبعينات، كذلك استشهاد العديد من الفلسطينيين في مواجهات مع الجيش الإسرائيلي دفاعاً عن الأقصى، إضافة إلى قيام الجماعات اليهودية المتطرفة، وعصابة دفع الثمن، بحرق وتدنيس عشرات المساجد والكنائس في الأراضي الفلسطينية، وحتى داخل الخط الأخضر، والاعتداء على منازل وحقول وزيتون الفلسطينيين، وعلى سياراتهم إضافة إلى عمليات القتل المستمرة، وكل ذلك يجري تحت حماية قوات الأمن الإسرائيلية، وهذا الاستفزاز يعطي شحنة للفلسطينيين العزل المستفزين بالرد على هذه الاستفزازات.
"نتنياهو" الذي تعيش حكومته حالة انهيار، استغل عملية الكنيس بدعوته الأحزاب الصهيونية لإقامة حكومة وحدة وطنية، للمحافظة على القدس الموحدة، لكن أحزاب المعارضة رفضت دعوته، التي تهدف إلى استمرار حكمه ومنع حكومته من الانهيار، لكنه يواصل مهاجمة "أبو مازن"، ويتهمه بأنه يثقف شعبه للقيام بعمليات "إرهابية"، ويتهمه بالتحريض، فهل ممارسة الاحتلال ضد الفلسطينيين، بسلب أراضيهم، واستمرار البناء الاستيطاني، وهدم منازل الفلسطينيين وإقامة جدار الفصل العنصري، وما يجري للأقصى وتهويد القدس، يحتاج إلى تحريض من "أبو مازن" أو غيره؟ إن ما يقوم به الفلسطينيون ضد الاحتلال ما هو إلا مقاومة ورفض للسياسات والممارسات الإسرائيلية ضدهم، حتى أن جريدة "هآرتس 30-9-2014"، نقلت عن مصدر حكومي رفيع قوله، أن على إسرائيل أن توقف التنفس الاصطناعي لـ "أبو مازن"، وخطاباته التي يعتبرونها بصقه في الوجه، ويهددونه أنه إذا واصل مساعيه لنيل اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين، سنجعله يدفع الثمن غالياً، وهذه هي بيضة القبان في التحريض على الرئيس، إذ أن "أبو مازن" أصبح بنظرهم يشكل خطراً إستراتيجياً على إسرائيل حتى أن جريدة "إسرائيل اليوم 13-11-2014"، كتبت أنه إذا استمر بهذا الطريق سيكون مصيره كمصير "عرفات".
في جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية، "16-11-2014"، واصل "نتنياهو" التحريض على الرئيس متهماً إياه بعدم الوفاء بالتزاماته التي تم الاتفاق عليها في قمة عمان التي شارك بها "نتنياهو"، و"الملك عبد الله الثاني" ووزير الخارجية الأميركية "كيري"، وهذا الاتهام هدفه التغطية على مواصلة اقتحام اليهود المتطرفين والمستوطنين للأقصى، بدخولهم من باب المغاربة، تحت حراسة أمنية مشددة، في الوقت الذي منعت الشرطة الإسرائيلية دخول المصلين المسلمين، فالتزام "نتنياهو" كذب وخداع، لتجريده دائرة أوقاف القدس من واجباتهم تجاه الأقصى،ويمنعون حراس الأقصى من القيام بواجباتهم، فمن هو الذي لم يف بتعهداته إن لم يكن "نتنياهو"؟ أما اتهامه للرئيس الفلسطيني بالتحريض، فقد جاء الرد عليه بصفعة من قبل رئيس الشاباك "يورام كوهن" حسب الصحفي "بن كسبيت" "هآرتس 19-11-2014"، الذي ناقض أقوال "نتنياهو" ووزرائه، نافياً أن "عباس" يشجع الإرهاب، وأنه غير معني به، لكن "نتنياهو" يخشى من قول الحقيقة حسب الكاتب فالممارسات الإسرائيلية بحرق المساجد والاعتداء على المقدسات الإسلامية من جهة، وعملية الكنيس من الجهة الأخرى، قد يحول الصراع إلى ديني لا يستطع أحد وقفه، ويؤكد الرئيس "عباس" ويشدد على إزالة كل أشكال التوتر في القدس، ووقف اقتحام المستوطنين ووزراء ونواب اليمين الإسرائيلي للأقصى الذي قد يشعل الحرب الدينية، وبدلاً من التهدئة، يأمر "نتنياهو" بهدم بيوت المتهمين بهذه العمليات، وهو يعلم أن إسرائيل هدمت الآلاف من بيوت الفلسطينيين بذرائع مختلفة،ولم تردع الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال، بل تزيد من العنف والتوتر، ولم تحقق الأمن، و"نتنياهو" الذي وصف منفذي عملية الكنيس بحيوانات بشرية، فإنه وغيره من المسؤولين لم يقاضوا الذين وقفوا خلف منفذ عملية الحرم الإبراهيمي، بل أغلقوا الشوارع، ووضعوا الحواجز أمام أهل الخليل،حتى أن السلطات الإسرائيلية، لم تقم بهدم نصب هذا الإرهابي، الذي طالب بهدمه فلسطينيون ويهود معتدلون على حد سواء.
إن جوقة التحريض الإسرائيلية ضد الرئيس الفلسطيني خاصة والفلسطينيين عامة، لم تقتصر على"نتنياهو" بل أن هذه الجوقة تضم الكثيرين، من أجل الشهرة، واقتناص أصوات المتطرفين أثناء الانتخابات، ومن هذه الجوقة، وزير الخارجية "أفيغدور ليبرمان" الذي قال بأن "أبو مازن" ليس شريكاً في السلام، بل شريكاً للإرهاب، ولا يريد صنع السلام، ويحرض على الكراهية، وأنه هو الذي يقود الإرهاب، وأخطر من "ياسر عرفات" وكأنه داعية سلام، أما وزير الاقتصاد "نفتالي بينت"، فيصف "أبو مازن" بوريث عرفات، وبأنه إرهابي يرتدي بدلة، وأنه إرهابي كبير يتحمل مسؤولية عملية الكنيس، وأنه من أكثر الإرهابيين الفلسطينيين الكبار، وهو يتحمل المسؤولية عن الدم الذي سال في الكنيس، وأن أبو مازن أوهم العالم بالعملية السياسية، وهو الذي يحرض على الإرهاب، أما وزير الجيش "موشيه يعلون"فيقول:" إسرائيل ستحارب الإرهاب بمنتهى الشدة والإصرار، وعملية الكنيس نتاج مباشر للتحريض والكراهية التي تمارسها السلطة الفلسطينية ضد إسرائيل بقيادة "أبو مازن" ،وقال رئيس الدولة "روبي ريفلين": سمعت أن "أبو مازن" شجب العملية، وهذا جيد، لكنه غير كافٍ( لكنه لم يفسر ما هو الكافي)، إما الحاخام النائب والوزير السابق "آرييه درعي" فقال: "لقد أعلنوا علينا الحرب فقط لكوننا يهودا"، وهذه مغالطة كبيرة بل لأنكم محتلون، ورداً على استفزازات الحكومة والإرهاب الرسمي، لكن من أسوأ ما قيل من قبل هذه الجوقة، تصريحات الوزير "أوري أرئيل":"يجب تحطيم رأس الأفعى "عباس"، ورئيس بلدية عسقلان، ووزراء يدعون إلى طرد العمال العرب من أعمالهم، وعدم تشغيلهم من عسقلان وحتى القدس، بمن فيهم عرب الداخل، وأن أكثر المتحمسين لطرد العمال العرب وزير الإسكان "أوري أرئيل"، وما أوردته من تحريض ومغالطات غيض من فيض، أما النواب العرب في الكنيست، فقد شجبوا العملية بقولهم أنه لا مبرر لها، لكنها تتغذى من عمليات القتل الذي تمارسه إسرائيل، واستمرار الاحتلال، وانعدام الأمل والأفق السياسي وحملوا المسؤولية لحكومة "نتنياهو".
إن ما يحدث في القدس، يعتبر معركة السيادة عليها، و"عباس" يرفض أن يصبح أداة بيد إسرائيل حسب "يديعوت احرونوت 6-11-2014"، التي كتبت بأن "نتنياهو" بحاجة لعباس كورقة تين، وليس كشريك، فـ "نتنياهو" الذي يشترط الاعتراف بيهودية الدولة، ويعتبر أن كل هذه الأرض لإسرائيل، يعني أنه أغلق ملف التسوية والسلام، فهذا التوتر قد يعيد حسابات الجهات المعنية بالنسبة للعملية السياسية، فاختطاف الشهيد "محمد أبو خضير"، وقتله وحرقه، إضافة إلى الاعتداءات على حرمة الأقصى، تعتبر بداية لمرحلة جديدة، ولو عدنا إلى عام 1967، فقد تم اتفاق في حينه، بين رجال الدين المسلمين المقدسيين رفيعي المستوى، مع السلطات العسكرية الإسرائيلية، يقضي الاتفاق بمنع صلاة اليهود في الأقصى، وتم منح الأوقاف نوعاً من الحكم الذاتي لإدارته "إسرائيل اليوم 29-10-2014"، وبعد السلام مع الأردن، منحت المملكة الهاشمية مكانة خاصة في الحرم القدسي، وهذا ما يحاولون تغييره، وفتح الأقصى أو تقسيمه أمام اليهود والمسلمين، فكيف يعتبرون أن دعوة الرئيس الفلسطيني لمنع المستوطنين من دخول الحرم مستغربا، فمن إذن الذي يخل بالاتفاقات؟ ولو قام مركز دراسات، أو لجنة دولية محايدة، بالتحقيق بمن ينقض الاتفاقات، لحمل إسرائيل المسؤولية، ولو قام المركز، بإحصاء عدد تهديدات "نتنياهو" وتحريضه للفلسطينيين ومغالطاته التي يطلقها يومياً لما استطاع إحصاءها، وحمل إسرائيل مسؤولية تدهور الوضع، فإسرائيل من خلال سياستها المعلنة والمطبقة على الأرض، تهدف إلى مضايقة الفلسطينيين لحملهم على الرحيل من وطنهم، فماذا تبقى من الممارسات والإجراءات لم تقم بها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، باستثناء إنهاء الاحتلال، والتوصل إلى السلام، وإقامة الدولة الفلسطينية، وإذا استمر الحال على هذا المنوال، فإن فكرة التعايش المشترك لن تكون واقعية، لدرجة أن عودة مقولة "إما نحن أو هم" في هذه البلاد، يكون هذا ما أوصلنا إليه الاحتلال طالما بقيت القضية الفلسطينية دون حل.