في القدس ....هبات جماهيرية أم إرهاصات إنتفاضة شعبية...؟؟؟

بقلم: راسم عبيدات

ثمة كثير من التساؤلات حول ما يجري في مدينة القدس،هل هناك إنتفاضة شعبية؟أم ان الأمر لا يعدو كونه هبات جماهيرية محلية متقطعة متموجة تعلو حيناً وتخبو حيناً آخر،تاتي في إطار وسياق ردود الأفعال على ما يقوم به الإحتلال من أعمال قمعية وممارسات إذلالية يراد منها كسر إرادة المقدسيين وتطويعهم،وإخراجهم من دائرة الفعل الوطني والكفاحي،فكل العوامل والظروف ناضجة من أجل ان تكون هناك انتفاضة شعبية،حيث لا يكف الإحتلال عن إتباع وممارسة كل أشكال القمع والتنكيل بحق المقدسيين،من تعدي على حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية وسلبها وتضيق الخناق عليهم في إطار البناء والتوسع الديمغرافي ومصادرة الأراضي وتكثيف الإستيطان والإستيلاء على المنازل والممتلكات،وهدم البيوت والضرائب الباهظة والمتعددة الأشكال والأسماء،وأيضاً التعدي على معتقداتهم والمس بمشاعرهم الدينية وإقتحام بيوت العبادة وبالتحديد المحاولات والإقتحامات اليومية وبشكل جماعي وبمشاركة ومباركة المستويات السياسية،الأمنية،القضائية،التشريعية وغيرها للمسجد الأقصى للسيطرة عليه من خلال قنونة وشرعنة إقتحاماته وتقسيمه زمانياً وإيجاد فضاء يهودي مكاني فيه لاحقاً.


والحديث عن إنتفاضة في القدس او بالمعنى الشمولي في الوطن،بحاجة لتوفر شروط اندلاعها،فهي ليست مسألة إرادوية او إسقاطية،فالإنتفاضة بالضرورة ان تتوفر لها أركان وعناصر،القيادة والتنظيم والهدف والمشاركة الشعبية الواسعة والكبيرة،كما حدث في إنتفاضة الحجر الأولى كانون اول/1987 ،مع التأكيد على أن إندلاع انتفاضة ثالثه لا يعني بأن تكون نسخة كربونية عن الإنتفاضتين الأولى والثانية،حيث تغيرت الظروف والأوضاع والتجارب والخبرات والحقائق،والمشهد الدولي والإقليمي والعربي،وكذلك الفلسطيني.

فعندما نتحدث عن العامل الفلسطيني،نرى انه يشكل الكابح الرئيسي لقيام وإندلاع مثل هذه الإنتفاضة،حيث الحالة الفلسطينية منقسمة على نفسها،وتمارس التحريض والتعبئة الحاقدة على بعضها البعض اكثر من ممارستها تجاه الإحتلال وسياساته،وكذلك في ظل تشكل السلطة،نمت طبقة منتفعة ومستفيدة من مشروع السلطة المنبثقة عن اوسلو،تعظم وتسعى للحفاظ على مصالحها وإستثماراتها واوضاعها الإقتصادية،وهذه الطبقة ترى في إندلاع أي انتفاضة خطر وتدمير لمنافعها ومكاسبها ومصالحها المتشكلة،وليس هذا فقط،بل لكي تضمن الإستقرار والحفاظ على هذه المصالح والمشاريع والإمتيازات،عمدت الى ربط فئات وحتى طبقات إجتماعية،بمؤسسات النهب الدولية،البنك وصندوق النقد الدوليين،ومن خلال الوظائف شجعت الموظفين للإستدانة والإقتراض من البنوك،من اجل تحسين شروط وظروف حياتهم المعيشية،بحيث أصبح مصير هؤلاء الموظفين بيد السلطة ومدى قدرتها على صرف الرواتب،فالراتب من أجل تسديد تكاليف المعيشة والقروض من البنوك،قروض سكن،شراء أرض،سيارة،تعليم،زواج وغيرها،تجعل الموظف يعلي شأن العامل الإقتصادي فوق أي عامل آخر،وبالتالي يطأطىء الرأس ويستجيب ويخضع لما تريده السلطة أو ما تتخذه من مواقف وقرارات،ولا يغيب عن بالنا عامل آخر في هذا الجانب على درجة عالية من الأهمية،بأن الأحزاب والفصائل والمفترض ان تشكل وتقود الإنتفاضة،اوضاعها محزنه،فهي تعيش ازمات عميقة بنيوية،واوضاعها الداخلية أقرب الى حالات هلامية منها تنظيمات صلبة ومتماسكة وموحدة الإرادة والفعل،وقيادتها مترددة وغير مبادرة،وهي أقرب الى التكلس والجمود والنمطية،والإنعزال عن الجماهير في إطار الفعل والمبادرة،وفي ظل غياب التنظيم والقيادة،نرى بأن الحالة المقدسية،حيث القمع للناس والجماهير و"التغول" و"التوحش" والإستئساد عليهم من قبل المستوطنين وأجهزة الإحتلال بمسمياتها المختلفة ،تدفع بهم للحركة بشكل عفوي أو فردي للدفاع عن انفسهم .
أما عند الحديث عن العامل العربي،فنحن نرى بأن هناك حالة من التردي والإنهيار غير المسبوق،فلم تعد القضية الفلسطينية،هي قضية العرب والمسلمين الأولى،وكذلك بعض أطراف النظام الرسمي العربي المنهار،لم تعد ترى في اسرائيل العدو الأول والمباشر للعرب والفلسطينيين،بل عمق التحولات الحاصلة والجارية في بنية النظام الرسمي العربي غيرت من دوره،وظيفته،تحالفاته وعلاقاته واولوياته،حتى وصل الأمر بالعديد من اطرافه،ليس فقط التآمر على القضية الفلسطينية،بل حد التنسيق والتحالف مع الإحتلال،ولكي تصل الأمور مستوى الإشادة من قبل قادة حكومة الإحتلال بالأطراف والدول العربية،التي اتصلت بالعديد من الأطراف الفلسطينية،لكي تعمل على تهدئة الأوضاع في مدينة القدس.

نحن متفقين على ان القدس تشهد منذ 3/7/2014،جريمة خطف وتعذيب وحرق الفتى الشهيد أبو خضير حياً،هبات جماهيرية متلاحقة احياناً،ومتقطعة احياناً أخرى،تندلع رداً على جرائم أو إجراءات وممارسات إحتلالية،ولكن هذه الهبات من المفترض أن تبني الهبة اللاحقة على ما حققته وانجزته الهبة السابقة،ولكن هنا نجد بأنه لا يجري الإستثمار،فشرط الإستثمار والإستفادة من الهبة هو،توفر قيادة وهدف وتنظيم أو جبهة وطنية او تحالف قوى،يستطيع أن يحقق اهداف هذه الإنتفاضة أو الهبات،وإلا فإن الحديث يصبح عن إنتفاضة يأس وليس إنتفاضة أمل،وهذا يعني أن تتحول الأمور تجاه حالة من الفوضى وفقدان البوصلة والهدف،وهذا سيمكن الإحتلال من القضاء عليها.
المقدسيون من خلال كل ما يقوم به الإحتلال،باتوا على قناعة تامه بأن واقعهم يزداد بؤساً،حيث يواجههم الإحتلال،ليس بالتعاطي والإستجابة لحقوقهم وحقهم في الوجود والبقاء،بل بالمزيد من القرارات والقوانين والتشريعات المستهدفة تصفية وجودهم وطردهم وتهجيرهم،وكذلك عجز القيادة سلطة واحزاب عن القيام بدورها في المدينة،وحماية أبناء القدس وتوفير مقومات الصمود لهم،دفع بهم للقيام بالإنتفاضة والهبات الجماهيرية المتلاحقة والإشتباك الدائم مع المحتل،حيث ان الهبات الجماهيرية المتلاحقة في القدس،وما نتج عنها من خسائر،وحالة من الخوف والهلع والهستيريا،عمقت من أزمة الإئتلاف الحاكم،بحيث وصل الأمر حد تفاقم الأزمة بين أطرافه،وكذلك تحميل المسؤوليات وتدهور مكانة اسرائيل في العالم، نتيجة للسياسات والممارسات الرعناء للعديد من قادة الأحزاب والحكومة بإقتحاماتهم المتكررة للأقصى،هذا الإرباك والتخبط دفع بالإحتلال لإعادة النظر في العديد من سياسته،بوقف إستمرار الإقتحامات اليومية والجماعية للأقصى،ورفع من منسوب العقوبات وأشكالها على المقدسيين،للحد من مفاعيل وتصاعد الهبات الجماهيرية وتحولها لإنتفاضة شاملة،من شأنها القضاء على فكرة القدس الموحدة والعاصمة "الأبدية" لدولة الإحتلال.

إن حالة الإشتباك والصراع مع المحتل ستبقى قائمة ومحتدمة،ما دام الإحتلال قائماً،ويخطط لطرد وتهجير المقدسيين،بسياساته العنصرية وقوانينه وتشريعاته وعقوباته الجائرة،وحالة الإشتباك والفعل الإنتفاضي،قد تقلب الطاولة وتخلط الأوراق وتغير من المعادلات القائمة،في ظل حالة من التخبط والإرباك الإسرائيلي،لصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه ومشروعه الوطني،إذا ما احسنا الإستثمار،ويمكن أن تقودنا حالة التخبط وفقدان السيطرة،وغياب التنظيم والفعل القيادي الموحد والهدف إلى حالة من الفوضى بما يحقق الأهداف الإسرائيليّة. فهل نجرؤ على الاختيار الصحيح أم يقضي علينا الانقسام والخشية من المجابهة المفروضة؟.
القدس المحتلة – فلسطين

27/11/2014
0524533879
[email protected]