يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني يشكل زاوية معاكسة تماماً

بقلم: عباس الجمعة

لم يكن التاسع والعشرون من تشرين الثاني/نوفمبر، يوماً لتضامن الفلسطينيين مع أنفسهم وقضيتهم، بل نحن نتطلع ان تخرج شعوب العالم ودوله، في مثل هذا اليوم من كل عام، للتعبير عن تضامنها مع كفاح شعب فلسطين من أجل الحرية والاستقلال والعودة ، والعمل على استثمار هذه المناسبة لرفع الصوت عاليا بمواجهة القوى التي لعبت دورا في صدور القرار التقسيم وضياع فلسطين واستجلاب اليهود، والعمل بأصرار على رفضه والمثابرة بما يقدمه الشعب الفلسطيني من تضحيات تؤكد أنه صاحب الحق وأن العودة الى الوراء هي ضرب من المستحيل ولينطلق من إدراكه أن فلسطين مؤتمن عليها لتسليمها الى أجيال لم تولد بعد.
ان ما حمله قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (32/ 40 ب) الصادر العام 1977، للاحتفال في 29 تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، متخذة من ذكرى صدور قرار التقسيم رقم 181 الذي تمت صناعته في أروقة الأمم المتحدة في 29/11/1947 ، أن هذا القرار غير قانوني الذي من خلاله ارتكب ظلم واجحاف بحق الشعب العربي الفلسطيني من وجهة النظر القانونية، وجاء ضاربا لمصالح وحقوق الشعب الفلسطيني من اجل تمكين الصهاينة من إنشاء «دولة» يهودية مدعومة من الإمبريالية العالمية معتمدين على وعد بلفور المشؤوم.
وقد شكلت السنوات الماضية، مناسبة لتجديد شباب وحيوية حركة التضامن الدولي مع شعبنا العربي الفلسطيني وقضيته المركزية، إلى أن أصبح مناسبة يجب منا العمل عليها بعد ان راينا الشعوب في كافة دول العالم وفي مقدمتها القوى اليسارية والتقدمية العالمية تستنهض طاقاتها بدعم صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة الة الحرب الصهيونيه ، حتى لا يحتفى بهذا اليوم فقط بصورة بروتوكولية ضيقة.
ان حجم تقدّم أو تراجع التضامن الدولي مع قضيتنا يتطلب ان نأخذ الموقف الرسمي للدول والمؤسسات الدولية، والموقف الشعبي والجماهيري للقوى والأحزاب والحركات اليسارية والتقدمية، وثمة تراجع في مستوى التضامن الرسمي مع قضيتنا منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، ودول المنظومة الاشتراكية، والذي رافقه تزايد الهيمنة الأمريكية في العالم في اتجاه مضاد لمصالحنا، وعلى الرغم من ذلك، هناك حد أدنى من التضامن الرسمي الدولي مع قضيتنا قائم، وليس بالإمكان تجاهله، وإن كان ليس بالشكل المطلوب، ومع ذلك نحن ننظر بإيجابية إلى دور الصين وروسيا كدولتين كبيرتين والاعتراف السويدي بدولة فلسطين واعتراف مجلس الشيوخ الايرلندي ومجلس العموم البريطاني ،، اضافة الى اعتراف كافة دول امريكا اللاتينية ، وهم باستمرار الداعمين للقضية الفلسطينية، لكن علينا أن نلحظ دائماً التغييرات الحاصلة في التجاذبات الدولية، حيث تحاول دول كبرى مثل الصين وروسيا على ضوء مصالحهما أن تستفيدا من مواقعهما، ووزنهما في السياسة الدولية في عالم قد يصبح متعدّد الاقطاب، الأمر الذي يتناقض مع الولايات المتحدة وحلفائها ، وعلينا أن نعرف كيف نستفيد من هذه التعارضات، والمتغيرات الحاصلة اليوم في أمريكا اللاتينية ، الأمر الذي يمكن أن ينعكس إيجابا في اتساع الدعم الرسمي الدولي لقضيتنا.
على الصعيد الشعبي هناك تضامن كبير مع عدالة قضيتنا معروف عالمياً، وهنا أقصد القوى اليسارية والتقدمية المكافحة باعتبارها قوى أصيلة في مجتمعاتها، وكذلك الحركات المناهضة للعولمة التي تصب هي الأخرى في مصلحة قضيتنا، التي تُعتبر من أقدم النقاط الساخنة والمتفجرة في العالم، وعلى سبيل المثال تجربة حركات التضامن العالمي مع مع قطاع غزة، ونزولها إلى الضفة والقدس، وهذا يؤكد ان الرأي العام العالمي مناصر للقضية الفلسطينية، ومتفهم للوضع الفلسطيني المنتفض المقاوم للاحتلال الصهيوني، حيث انتقدت “إسرائيل” بكل جرأة وشجاعة.
لهذا نرى ان ما اتخذته حكومة الاحتلال من قانون يهودية الدولة يستهدف بالدرجة الاولى حق العودة باعتباره حقا شخصيا لكل لاجئ فلسطيني هو حق غير قابل للتصرف، وهو عنوان دائم يشغل تفكير جميع القوى والفصائل والتيارات السياسية، وموضوع حيّ في أذهان كل الفلسطينيين، ولا أعتقد أن هناك أي حلّ شامل ونهائي للقضية الفلسطينية يمكن أن ينجح ويكون قابلاً للحياة، إذا لم يأخذ بعين الاعتبار حق عودة اللاجئين إلى بيوتهم وقراهم ومدنهم وأملاكهم وفق القرار الاممي 194، وفي هذا السياق علينا ألا نغفل دور منظمة التحرير الفلسطينية منذ تأسيسها، في إبقاء هذا العنوان حيا، والدفع باتجاه تكريسه كعامل مؤثر من عوامل الصراع والاشتباك التاريخي المفتوح مع “إسرائيل”، التي تسعى دائماً إلى تفتيت الشعب الفلسطيني جغرافيا وسياسيا واجتماعيا، ومن هنا تأتي محاولتها مقايضة حق العودة بوعود غامضة حول الدولة الفلسطينية لشطب قضية اللاجئين، لذلك نحن نؤكد دائماً على دور منظمة التحرير، وأهميتها كمرجعية وطنية عامة، وكمعبّر عن وحدة الشعب الفلسطيني على الرغم من توزعه ما بين أراضي 1948، والضفة وغزة والشتات، وعلى الرغم من خصوصيات كل تجمع من هذه التجمعات، ومع هذا الوضع المركّب والمعقّد يتطلب حماية منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها ، وذلك على أساس الثوابت الوطنية المتمثلة في حق العودة، وتقرير المصير، والدولة المستقلة، وعاصمتها القدس، هذا بالمعنى المرحلي، أما بالمعنى الاستراتيجي فنريد أن تقوم دولة فلسطين الديمقراطية التي تتضمن حقوقا متساوية للجميع.
وامام تطور الاوضاع ومواصلة عملية الاستيطان وتصعيدها ومصادرة المزيد من الأرض الفلسطينية وإقامة المستوطنات الكولونيالية فوقها، وانتهاك حرمة المقدسات وتدنيسها، وقمع أي اعتراض على ذلك، بما في ذلك الاعتقال والتعذيب والقتل المتعمد، وبخاصة على يد شرطة الاحتلال، لشباب بعد اعتقالهم وحتى حرق الضحية حيا، كما جرى مع الشاب الشهيد أبو خضير، ما كان لذلك وغيره من ممارسات الاحتلال ومستوطنيه إلا أن تقود إلى تفجير الغضب الشعبي العام وخروجه عن كل سيطرة.
وإذا كانت القدس المحتلة تمثل الساحة الرئيسية لتصاعد الأحداث والصدامات، فذلك لكونها مجالا للاحتكاك المباشر على مدى الساعة أولاً، وتركيز الاحتلال على طمس معالمها والضغط المتصاعد لتهجير أهلها الحقيقيين، حيث اتت الهبة الشعبية والعمليات البطولية المتتالية من دهس وسكين ومقلاع وحجر التي نفذها شباب الشعب الفلسطيني ، مقدمين أرواحهم الغالية، لتؤكد هذه الهبة بان الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة لم يعد قادر على التحمل نتيجة استمرار الاحتلال وممارساته الإجرامية المتفاقمة ضد كل ما هو فلسطيني من إنسان وشجر وحجر ومقدسات ورموز وتراث وتاريخ.
ان ما يجري في المنطقة من هجمة امبريالية استعمارية صهيونية تسعى إلى تنفيذ مخطط تقسيم الدول وغيرها إلى كيانات سياسية طائفية وأثنية ومذهبية و تتخذ من كيان الاحتلال سابقة وعنوانا ، حيث بدأت حكومات الاحتلال المتعاقبة منذ سنوات بالإعداد له وهو إنشاء دولة اليهود ، وما مصادقة حكومة الاحتلال بأغلبية الوزراء على أن تتحول إسرائيل إلى "دولة يهودية" تنحصر فيها السيادة "للدين اليهودي" واتباعه فقط ولا يتمتع داخلها أصحاب الأرض العرب الفلسطينيون بأي سيادة سياسية أو مواطنة فلسطينية وهذا التبني العلني لحكومة الاحتلال في تأسيس دولة تنحصر فيها السيادة والمواطنة لأصحاب الدين اليهودي وحدهم يشكل الآن المرحلة الثانية من مخطط (سايكس بيكو) وهو إعادة التقسيم بموجب "الدين والمذهب والأثنية" بقوة الإرهاب والترحيل والإبعاد، وما يتم اليوم من دعم للقوى الإرهابية التكفيرية المسمى بداعش والنصرة واتباعهم و تزويدهم بالسلاح والمال ومستلزمات الإجرام من قبل الحلف الامبريالي والذي يشكله تقاطع المشروع الأميركي مع قوى الإرهاب هو بهدف قوى المقاومة على مواقفهم المشرفة تجاه القضية الفلسطينية ولثنيهم عن دعم للحقوق والثوابت العربية، مما يستدعي من الشعوب العربية وقواها الديمقراطية والتفدمية، واليسار العربي على وجه الخصوص، التحرك باتجاه الوقوف الى جانب فلسطين باعتبارها القضية المركزية، والى تعزيز وحدة القوى في بوتقة مقاومة عربية شاملة للمشاريع العدوانية الامبريالية، والمشاريع الارهابية الرديفة التي تسعى، هي الأخرى، لتفتيت العالم العربي الى دويلات طائفية ومذهبية واثنية تبرر وجود الكيان الاسرائيلي ومطامحه التوسعية ودوره كقاعدة متقدمة للامبريالية ولارهاب الدولة في العالم العربي ، ونحن على يقين بان صمود الشعوب العربية وقواها الحية ومقاومتها هو انتصار للمقاومة لفلسطين وشعبها ودفاع عن القضية الفلسطينية.
وهنا نرى اهمية ان يشكل يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني زاوية معاكسة تماماً، وهي اولا مطالبة المجتمع الدولي والأمم المتحدة القيام بمسؤولياتها، عبر تطبيق قراراتها، وتوفير الحماية الدولية لشعبنا ، من أجل إنهاء الاحتلال وإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة التي نصت عليها هذه القرارات ، والعمل على تعزيز الوحدة الوطنية وانهاء الانقسام الكارثي، ورسم استراتيجية وطنية تستند لكافة اشكال النضال بمواجهة الاحتلال، ووقف التنسيق الأمني، والتوجه الجاد ودون تردد إلى مؤسسات الأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي، بما فيها محكمة الجنايات الدولية، لمحاكمة قادة الاحتلال على جرائمهم ضد الشعب الفلسطيني وارضه ومقدساته، واتخاذ الإجراءات الجدية لتطوير مقاطعة الاحتلال ومنتجاته وبخاصة منتجات المستوطنات، التي نطالب العالم بمقاطعتها، ووقف التنسيق الأمني المشين.
وفي ظل هذه الظروف يجب العمل على ضخ دماء جديدة في عروق الحركة الوطنية الفلسطينية، واستعادة صفحات المجد والبطولة والريادة التي سطرتها الثورات والانتفاضات الفلسطينية التي كانت المشعل المضيء في تاريخ الشعب الفلسطيني، والمطلوب اليوم الكف عن رفع شعار "عملية السلام"، المطلوب اليوم تسمية الأشياء بأسمائها، كنس الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وضمان حق العودة للشعب الفلسطيني اللاجئين الى دياره وممتلكاته هذا هو الهدف الأسمى لكل حراك سياسي ونضالي، هذه هي مآلات الفعل الفلسطيني النضالي بشتى الطرق والأدوات والأشكال.
ختاما : لا بد من القول يتوجب علينا تعزيز دورنا الوطني، لكي تستعيد القضية الفلسطينية ألقها وصدارتها وأولويتها امام العالم ، وحتى نضع العالم بمجملة أمام مسؤولياته من جديد، وعلينا أن نبدأ الآن، وننطلق من هنا لفضح جرائم الاحتلال وفضح سياسياته العنصرية وانتهاكاته للأرض والإنسان والتاريخ والثقافة ، ومن أجل نزع الشرعية عنه ومحاسبته على الجرائم التي يقوم بها باعتبارها انتهاكا للقانون الدولي وللقانون الدولي الإنساني.
كاتب سياسي