يسعي العالم هذه الايام لإعادة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي الى حظيرة المفاوضات من خلال حراك اوروبي تقوده فرنسا منذ فترة وخاصة بعد الزيارة الاخيرة للرئيس ابو مازن و التي انطلق بعدها الى الامم المتحدة والقي كلمته المشهورة هناك , تأتي هذه التحركات في وقت يتجه فيه الفلسطينيين متسلحين بالمحور العربي دون استثناء للمجتمع الدولي والتقدم عبر الاردن العضو بمجلس الامن بمشروع قرار ينهي الاحتلال ويحدد حدود الدولة الفلسطينية , لكن المفاجئ أن الاتحاد الاوروبي يعمل على اساس أن الصراع لا يمكن أن يحل بغير المفاوضات مع الاقتناع أن اسرائيل لن تفاوض بجدية لحل الصراع بسبب عدم وجود خطة سلام تطرحها اسرائيل على الطاولة او حتى الاتحاد الاوروبي او واشنطن , ويبدو أن موقف الاتحاد الاوروبي ليس بعيدا كثيرا عن طموح واشنطن التي ترغب في ذلك والتي اضاعت فرصة حقيقية كان بالإمكان صناعة تاريخ للمنطقة العربية من خلالها وصناعة تاريخ للحزب الديموقراطي الذي سيخسر الانتخابات المرة القادمة , كل هذا يأتي دون تحديد أي اسس للحل او مرجعيات للتفاوض سواء من طرف الاتحاد الاوربي او حتى واشنطن التي باتت الادارة الديمقراطية لبيتها الابيض تعمل في الوقت الضائع وهذا ما جعل كل من مساعي اوروبا و واشنطن مساعي ضعيفة ولا تمتلك النصاب الشرعي ,لهذا تفكر فرنسا بمؤتمر دولي يجمع نصاب ما لإطلاق مبادرة سلام تكون بديلا مؤقتا عن استصدار قرار من مجلس الامن يحدد جدول زمني لإنهاء الاحتلال , ومع هذا تبقي دولة الاحتلال تعمل على الارض بطريقة مختلفة والمختلف اليوم أن اسرائيل بدأت تشرع في تطبيق قانون العنصرية الذي يحدد اسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي والذي يهدد وجود اكثر من مليون ونصف فلسطيني بفلسطين التاريخية ويهدد كل التاريخ الفلسطيني والاسلامي والعربي بالقدس العتيقة مسري الرسول وعاصمة الدولة الفلسطينية , ويهدد أي حل يمكن الوصول اليه يفضي لإقامة الدولة الفلسطينية ويهدد ثوابت الشعب الفلسطيني كلها بدءاً من حدود الدولة الفلسطينية وانتهاء بعودة اللاجئين وحقهم في العودة الى ديارهم وبلداتهم التي هجروا منها بفعل استخدام الحرب والقوة والبارود والقتل والتدمير .
تسعي اسرائيل لتطبيق قانون يهودية اسرائيل وبالتالي تحويل اسرائيل الى كيان قومي أيديولوجي لا يؤمن الا بذاته ولا يعترف الا بأحقية اليهود كل اليهود بالعالم في العيش على ارض فلسطين ولا يقبل بشراكة شعب اخر على الارض ولا قومية اخري ولا ديانة اخري مع أن العديد من حكماء الامن والسياسة الإسرائيليين وشركاء نتنياهو في الحكم نصحوه بأن هذا القانون يجعل من اسرائيل دولة عنصرية ويسئ لإسرائيل الديموقراطية الا انه ماض في تبني هذا القانون ومنهم من وصفة هو وشركائه بالحكومة بالمهووسين وبدأت بعض الشرائح السياسية تشعر بخطر هذا القانون فخرجت في تظاهرات أمام بيت نتنياهو لكن دون أن يحاول نتنياهو الاستماع لجلبة هذه المظاهرات او حتى التفكير بخطورة ما يسير فيه من سيناريو عنصري , واليوم خرج نتنياهو بتصريح خطير ينسف أي امل يمكن أن يتطلع اليه الأوروبيين أو الامريكان بأن الاعتراف بالدولة اليهودية يشكل الاساس لأي اتفاقية سلام وقال " أن اسرائيل هي الوطن القومي للشعب اليهودي وهي دولة ديمقراطية " , لعل اسرائيل تريد من هذا القانون أن تحل الصراع من طرف واحد وتطبق أخطر قانون عنصري على وجه الارض بالفصل بين الديانات والقوميات وانكار حقوق الاقليات في الدولة , فقد تعمد الى ترحيل اكثر من 20% من سكانها لحدود غير حدودها وقد تلجأ اسرائيل للإجهاز على المسجد الأقصى على اعتبار أن هذا المكان أصبح لليهود ويمكن للفلسطينيين المسلمين طلب الاذن والتصريح فقط للصلاة فيه على اعتبار انه جزء الدولة اليهودية.
اذا ما نجحت حكومة اليمين الإسرائيلي في فرض هذا القانون فإن المقابل انتهاء عملية السلام بالشرق الاوسط برمتها بسبب اغلاق مسار السلام العادل والحقيقي والتي ستؤدي الى انزلاق المنطقة كلها في حرب وصراع جديد على اساس ديني قد يستمر الى سنوات طويلة تتغير فيها خارطة المنطقة الجيوسياسية , واذا ما نجحت اسرائيل في فرض هذا القانون فإن ثوابت الفلسطينيين كلها سوف تنطوي تحت عنصرية هذا القانون و يعود الفلسطينيين للمربع الاول من المقاومة المسلحة والعمليات العسكرية بكافة انواعها بإسرائيل وخارجها , وهنا نستطيع القول أن أي حديث عن السلام سيكون مجرد حديث غير واقعي لان اسس السلام كلها قتلها قانون دولة اليهود القومية ولا يوجد أي افاق او مسارات امنة حتى للحديث عن السلام , وكل هذا قد لا يترك أي فرصة للمجتمع الدولي للحديث عن فكرة السلام لأنها انتهت وقبرت تحت اقدام العنصرية الاسرائيلية اليمينة المتطرفة , اما اذا اراد العالم أن يدخل في مساعي جديدة يحل الصراع على اساسها مع وجود قانون يهودية الدولة فإن العالم بذلك يبرهن على عنصريته و يبرهن على مناصرته العلنية لإسرائيل الدولة العنصرية الجديدة بالعالم , وهنا سوف ينقسم العالم الى حلفين حلف مع العنصرية وهو محدود وحلف اخر يناهض هذه العنصرية وتبقي اسرائيل و واشنطن في كفه والعالم الذي يدافع عن حرية الانسان وحقوقه في كفة اخري و من هنا سيتم عزل اسرائيل كليا وقد يمنع على أي مجرم اسرائيلي وصول اوروبا او أي دولة تقاوم العنصرية و تدافع عن الشعوب المقهورة .