نطالب عباس بالكف عن التهديد بالغاء “التنسيق الامني” لحماية اسرائيل.. لانه لن يصدقه احد.. ولا يأتي بأي جديد وليته يصمت!

بقلم: عبد الباري عطوان

باستثناء المجموعة الصغيرة المحيطة به في رام الله حيث مقر قيادته، لم يعد هناك اي احد في الوسطين الفلسطيني، والعربي، علاوة على الوسط الاسرائيلي طيعا، يأخذ تهديدات الرئيس الفلسطيني محمود عباس واقواله على محمل الجد، لانهم يعرفون جيدا انه لا يجرؤ على تنفيذ هذه التهديدات، بل سرعان ما يتراجع عنها، وينفي انه اطلقها بالاساس.

ففي خطابه الذي القاه مساء السبت في اجتماع طارىء للجامعة العربية (لم يحضره اي وزير خارجية سواء من الوزن الثقيل او الخفيف) طلب بنفسه عقده لبحث الاوضاع في الاراضي المحتلة، هدد الرئيس عباس بوقف التنسيق الامني مع اسرائيل، وقال انه لن يعود الى مائدة المفاوضات طالما ان الاستيطان الاسرائيلي مستمر.

عندنا مثل يقول “ان الذي يهدد لا يكبّر عصاته” (بتشديد حرف الباء) والرئيس عباس اطلق مثل هذا التهديد عشرات المرات، وعندما هددته واشنطن، بتحريض اسرائيلي، بوقف المساعدات المالية لسلطته، سحب كل تهديداته، والانكى من ذلك تأكيده في مقابلات مع اجهزة اعلام اسرائيلية، وخطابات سابقة ان التنسيق الامني مع اسرائيل “مقدس″ وان استمراره “مصلحة فلسطينية” بالدرجة الاولى، وشدد بأنه لن يسمح مطلقا بانتفاضة ثالثة ضد الاحتلال، و”تباهى” بنجاح قواته الامنية بمنع اي مظاهرات او اعمال عنف في الضفة الغربية اثناء العدوان الاسرائيلي الاخير على قطاع غزة وتأييدا لرجال المقاومة الذين تصدوا له بإعجاز اسطوري.

***

القدس المحتلة تشهد انتفاضة فلسطينية بطولية قدم خلالها اهلنا في الارض المحتلة العديد من الشهداء دفاعا عن المسجد الاقصى الذي يواجه التهديد والتقسيم، ولم يحرك الرئيس عباس وسلطته ساكنا، ولا نعتقد انه سيفعل اي شيء، هو وكل جامعته العربية لو حرقه الاسرائيليون وليس تقسيمه فقط.

هذه المواقف “الباهتة” من رئيس السلطة، ورئيس دولة فلسطين، ورئيس منظمة التحرير، ورئيس حركة “فتح” والقائد العام للقوات المسلحة الفلسطينية (جميعها القاب عباس الرسمية) هي التي اوصلت القضية الفلسطينية الى ذيل اهتمامات العرب والعالم، واتحدى ان يكون انسان عربي واحد قد سمع بخطاب الرئيس عباس في الجامعة العربية او عرف اصلا ان هناك اجتماعا طارئا لها، ولا استبعد ان يكون اجتماع الجامعة المقبل على مستوى “البوابين” لمناقشة القضية الفلسطينية اذا استمر الرئيس عباس على لامبالاته نفسها، هذا اذا انعقد اساسا.

المملكة العربية السعودية احد اكبر الدول العربية واغناها الغت صفة “العروبة” على الصراع مع دولة الاحتلال الاسرائيلي، وباتت تعتبره صراعا “فلسطينيا اسرائيليا”، وسمعنا الرئيس عباس يشيد بها ومواقفها اثناء خطابه الاخير في اجتماع الجامعة، ولم يوجه كلمة “عتاب” واحدة لها، ولن نفاجأ في الغد القريب اذا ما حذت الدول الخليجية كلها حذو السعودية، وتبنت التوصيف نفسه، ومن يمنعها او يلومها، فلم تعد القضية الفلسطينية قضية مركزية عربية بالنسبة لها تضعها على سلم اولوياتها عندما كانت هناك قيادات فلسطينية بما تعنيه هذه الكلمة من معنى.

يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني الذي اقرته الامم المتحدة، وتصادف يوم امس (السبت) بات يوما عاديا مثل كل ايام العرب، ولا اعرف اذا كان الرئيس عباس ما زال يتذكره، ومر مرور الكرام ولم تحتفل به السلطة نفسها، ولا اجهزة اعلامها، ولا اعرف السبب، وشكرا للجاليات الفلسطينية في اوروبا وامريكا التي احتفلت به كعادتها، فمن المسؤول عن هذا التقصير؟

ربما ينبري بعض مقربين من الرئيس عباس للدفاع عنه بتوجيه اللوم الى الوضع العربي السيء، وهذا صحيح، ولكن متى كان الوضع العربي جيدا، وهل كانت المقاومة مرحب بها عندما تبنتها حركة “فتح” ولحقتها باقي المنظمات الفلسطينية الاخرى؟ الم تطارد اجهزة المخابرات العربية من تبنوها لاعتقالهم والزج بهم في السجون؟

***

الرئيس عباس يتحمل المسؤولية الاكبر عن كل حالة الهوان هذه التي تعيشها القضية الفلسطينية وتنعكس في انفضاض الاهتمامين العربي والعالمي بها، لانه يقمع اي تحرك لمقاومة الاحتلال من خلال قوات امنه التي باتت حارسا للمستوطنين الاسرائيليين ومستوطناتهم التي يؤكد انه، اي عباس، لن يذهب الى اي مفاوضات طالما استمرت في التوسع، وكأن هناك من يدعوه الى هذه المفاوضات، او كأن عشرين عاما من التفاوض اوقفت وحدة سكنية واحدة في الضفة الغربية والقدس المحتلة.

لم نعد نطالب الرئيس عباس بحل السلطة او وقف التنسيق الامني، او حتى الانضمام الى المنظمات الدولية لمطاردة مجرمي الحرب الاسرائيلية لاننا ندرك جيدا انه لا يقرأ، ولا يسمع، ولا ينفذ بالتالي، كل ما نطالب به هذه المرة ان يصمت،  يتوقف عن التهديد، رحمة بالشعب الفلسطيني، واعصابه، ومصداقيته، وتاريخه النضالي المشرف، ورحمة بشهدائه، نقولها ونحن كلنا ثقة بأنه لن يصمت وسيستمر حتى لو ظل يتحدث الى نفسه، ولن نستغرب اذا قال لنا القراء لقد اضعت وقتتك ووقتنا بمثل هذا المثال، فلا حياة لمن تنادي.