برزت العديد من الخيارات التي يطرحها العديد من الكتاب والباحثين على حماس بعد المتغيرات الإقليمية والداخلية ولشتاء اعاصف ألم بالربيع العربي وآلمه، وبعد احرب شرسة قادها الاحتلال بمباركة بعض من دول المنطقة مالياً ومعنوياً في مواجهة حماس التي تعتبر إحدى الأدرع التنظيمية التي تنتهج منهج الإخوان المسلمين المحارب حالياً، ولعل أبرز هذه النصائح نحاول هنا التعقيب حولها لنرى بأنها نصائح قد تفقد حماس حماسها بمبادئها التي أنشئت عليها، وكانت هذه الخيارات كالتالي:
أولاً: تغيير الميثاق:
لو نظرنا جيدا للميثاق فإننا نرى فيه بنود شمولية مستلهمة من التشريع الإسلامي في الأهداف والوسائل والعلاقات مع الآخرين، فهي مبادئ عامة لم يضعها صبية أو وضعتها أهواء من أسسوا حركة حماس، بل جميعها مستوحاة من الدين الإسلامي بمفاهيمه الوسطية، إلا أنه بحاجة لتعديلات طفيفة في بعض الترجمات التي يترجمها الميثاق بما يتلاءم مع الواقع الحالي، كما بأنه بحاجة لإضافات تتلاءم مع المتغيرات الدولية والداخلية فيها نوع من المرونة التي لا تحيد عن المبادئ التي يتبناها الميثاق، أما طرح تغيير الميثاق بكلياته فهو تجريد من الفكر الإسلامي لحماس.
ثانيا: تغيير اسم حماس:
أما الحديث عن تغيير اسم حماس، فأصل التسمية التي أطلقت بها حماس كاختصار يأتي أصله من (حركة - مقاومة - اسلامية )، ولعل تغيير الاسم يقصد به التجرد من هذه المصطلحات المختصرة باسم، وخاصة المقاومة التي تعتبرها حماس الوسيلة الأولى على طريق هدفها الاستراتيجي (التحرير).
حماس تعتبر في استراتيجيتها أن التحرير يسير في خطوط ثلاثة متوازية ليست متتالية، قد تعمل في الوقت نفسه، وكل منها لها دورها، وهي:
- الخط الفلسطيني الوطني، وما يتطلب من مستلزمات في إطار الوحدة والإعداد والتعبئة، بإبقاء شعلة المقاومة قائمة في فلسطين بأشكالها العسكرية والسلمية والسياسية تعتبر طريق في التحرير.
- الخط العربي وما يتضمن من إسناد ودعم.
- الخط الإسلامي باعتبار قضية فلسطين قضية إسلامية.
فحماس ترى بأن قضية فلسطين قضية إسلامية، وتعتبرها أرض وقف إسلامي على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة، لا يصح التفريط بها أو بجزء منها، وأي تصرف مخالف لشريعة الإسلام بالنسبة لفلسطين، باطل مردود على أصحابه كما تذكر بالميثاق.
وعليه؛ فإن تغيير اسم حماس كما يطلبه بالبعض ليس بتغيير شكلي بل تجريده من المضمون الداخلي القائم على مبادئ مختصرة بالاسم، فهو نفي للمقاومة ونفي لإسلامية القضية، وعليه فتغيير الاسم فيه تغيير لأيدلوجية حماس الدينية التي أقامت نفسها على أساسها.
ثالثا: تجميد العمل العسكري:_
أما الحديث عن خيار تجميد العمل العسكري، فهو تلاعب بالمصطلحات بالحديث عن " تجميد " بدلا من " تهدئة "، ففيه تحييد للمقاومة العسكرية التي تعتبرها حماس ركناً رئيساً من أركان الصراع من الاحتلال من إعداد وتدريب وتجهيز وتصنيع وترتيب للصف العسكري داخل الحركة، والتوجه نحو المقاومة السلمية، وعليه انعدام القوة التي تمتلكها حماس.
فحماس في رؤيتها تجاه المقاومة العسكرية على أنها استراتيجية تحرير، وعمود فقري لمشروعها، وجزء من عقيدتها ودينها الذي جاء في القرآن " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنه لا يحب المعتدين "(البقرة:190)، وعلى أنه قتال في حدود شرع الله، ودفاع عن النفس والعرض، ضد الاحتلال ووجوده وممارساته القمعية.
رابعاً: فك الارتباط بجماعة الإخوان المسلمين:
أما الحديث عن انسلاخ ارتباط حماس بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، فكما هو معلوم فإن الارتباط بين حماس وجماعة الإخوان واقعيا هو " ارتباط معنوي " وليس ارتباط عضوي، والارتباط المعنوي هنا ترابط بين حماس وجماعة الإخوان المسلمين على نفس المنهج والطريقة، فكما هو المعلوم فإن حماس حركة شورية قرارتها تنبع من رأس هرمها " مجلس الشورى العام الفلسطيني " ومكاتبها التنفيذية السياسية، وتأتي وفق نظام السلم التنظيمي الخاص بها كتنظيم فلسطيني له أهدافه التحريرية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
خامساً: من تنظيم إلى حزب:
أما الحديث عن قلب التنظيم لحزب، فقلب التنظيم لحزب يحجم ويقزم من التنظيم الذي يرى ان حدوده كل فلسطين ليست البيئة السياسية الفلسطينية فقط، إلا أن تشكيل حزب سياسي أمر وارد لكنه في هذه المرحلة فلا يحبذ ولا يعتبر حل للخروج من هذه الأزمة.
بل من الممكن تشكيل الحزب في إطار النظام السياسي لجسم السلطة بأشكالها الثلاث الرئاسية والتشريعية والتنفيذية، فحدود الحزب تبقى داخل أروقة هذا النظام وهو طرح قد تتبناه الحركة في المرحلة القادمة ببرنامجه السياسي، لكن في إطار النظام السياسي للسلطة وليس في الإطار الوطني الفلسطيني الذي يجمع فلسطينيي الداخل والخارج، فالخروج من الأزمة عبر تشكيل حزب سياسي يعبر عن الضعف في التعامل مع الأزمات التي تواجهها حماس حاليا.
الخروج من الأزمة:
إن الخروج من الأزمة أو التقليل من حدتها يحتاج لحلول إبداعية من حماس في أشكالها المرنة، قد تتبلور من خلال الخطوط العريضة التالية، والتي بحاجة لتفصيلات جادة من حركة حماس، وتجريدها أكثر بشكل انسيابي هادف بوسائلها المفتوحة:
أ. تقوية الصف التنظيمي داخل الحركة.
ب. القيام بمراجعات جدية في سلوكها الداخلي الفلسطيني وفتح قنوات انسجام مشتركة ما بين الفصائل الفلسطينية الأخرى.
ج. القيام بمراجعات في سلوكها الدولي، وفتح قنوات اتصال دولية عامة دون حصرها في بعض الدول.
د. فتح قنوات " حوار " مع الدول الأخرى التي تكيل الاتهامات والعداء لحماس، وخاصة دول الجوار.
ه. عدم حصر القنوات الوسيطة في التفاوض مع الاحتلال مع مصر فقط، بل البحث عن قنوات أخرى عربية ودولية.
و. تأكيد حماس على السير نحو المصالحة الجادة، وتفويت الفرصة على تيار فتح الذي يحاول تعكير أجواء المصالحة .
ز. السعي بشكل جدي في اتفاقيات المصالحة بتشكيل حكومة وحدة وطنية، تشارك حماس فيه بعدد محدود من الوزراء، مع تفعيل المجلس التشريعي.
ح. تنمية المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي في القدس والضفة الغربية، والتأكيد في شعاراتها على انها مقاومة ضد الاحتلال وممارساته.