يعد الاعلام احد قنوات الاتصال الهامة جدا في عالمنا المعاصر وعنصر هام من ثورة الاتصالات الكبرى والتي تعد فتحا عظيما للمجتمعات المعاصرة ومن هنا يفترض بالإعلام ان يعكس هذه التطورات الكبيرة في منجزه السياسي والثقافي وغيره وهذا يتطلب ان يكون الاعلام على درجة من التأهيل والفاعلية في استيعاب والتفاعل مع هذه المتغيرات التي تجري أو تحصل.
والإعلام بمعناه الواسع في العصر الحالي لا يقتصر فقط على الصحافة والإذاعة والتلفزيون، بل إنه يمتد ليشمل وسائل التواصل الاجتماعي على اختلافها والمساجد والمؤسسات التعليمية والندوات وورشات العمل واللقاءات وغيرها من الأدوات التي تؤثر على الرأي العام.
وبالنظر الى الإعلام الفلسطيني السائد الان نكتشف أنه اعلام لا يلبي حاجات المجتمع الفلسطيني لانه اما اعلام حكومي ينقل او يتبنى وجهات نظر الحكومة او السلطة وهو من هذه الناحية اعلام سلطة او من جهة اخرى اعلام يفترض به ان يكون مستقلا الا انه في الحقيقة يدور في فلك المحددات التي تحددها السلطة او الفصائل والاحزاب الفلسطينية. ولذلك لا غرو أن نجد الاعلام الفلسطيني انزلق بطريقة أو بأخرى في الصراع والانقسام الفلسطيني، وساهم وما زال في تأجيج هذا الصراع وتعزيز حالة الانقسام. وبدلاً من أن يؤثر في الساسة تأثر بهم وأصبح تابعاً لهم، ما يعني أنه فقد دوره الحقيقي واتزانه وموضوعيته، مما يتطلب إصلاح البنية الإعلامية الفلسطينية، وإعادة بوصلتها لتؤدي دورها الوطني المناط بها..
ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد أصاب الضعف والشرذمة الجسم الإعلامي الى حد كبير، سواءً كان النقابة أو الكتل الصحافية المختلفة باختلاف توجهاتها وانتماءاتها أو حتى العلاقات بين الصحفيين، مما أثر على العمل الصحفي وكذلك مستوى الحرية في التعبير عن الرأي وقدرة الصحفي على العمل، خصوصاً فيما يتصل بالقضايا الداخلية مما يؤكد على أن هذا كله يحتاج إلى إعادة بناء وتأهيل وترميم، وربما نحتاج لاحقاً إلى إعادة تدريب الصحفيين أنفسهم، لأنه بعد أن تعلموا وتدربوا على الشيء السليم خاضوا تجربة شوهت ما تدربوا عليه.
ويمكن أن نشير الى العديد من المؤشرات الخاصة بالإعلام الفلسطيني على النحو التالي:
(أ) ضعف الأداء المهني للإعلام الفلسطيني بصفة عامة حيث يركز على الأخبار الرسمية وبرامج الترفيه والرياضة واخبار المال والاقتصاد فضلاً عن المعالجات الجزئية للأحداث من خلال خطاب صحافي - إعلامي تقليدي عاطفي أيديولوجي في عصر المعلومات. هذا مع عدم إغفال وجود استثناءات.
(ب) أزمة الإعلاميين الفلسطينيين الذين يتعرضون لشتى الضغـــوط والرقابة فضلاً عــــن ضعف برامج التأهيل والتدريب واضطراب علاقاتهم بمصادر المعلومات بسبب عدم توافر ضمانات ممارسات المهنة (التشريعات والقوانين - مواثيق الشرف). علاوة على غياب الديموقراطية داخل المؤسسات الإعلامية والصحافية حيث يعاني معظم الإعلاميين والصحافيين من تسلط رؤسائهم وانتشار الشللية واستبعاد الأكفاء منهم وتهميشهم وتدخل ذوي النفوذ والمعلنين وإفسادهم الكثير من الإعلاميين.
(ج) ضعف الإعلام الذي يعبر عن منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية ، ما أسفر عن ضعف هذه المنظمات في نشر قيم المشاركة وتفعيل المبادرات الشعبية المستقلة وتوعية الجمهور إلى حقوقه الاجتماعية والثقافية.
وعلى ضوء ذلك، وحتى نتجاوز المشاكل والصعب التي يواجهها الإعلام الفلسطيني من الضروري أن يتقدم الإعلام بحلول ومعالجات تساعد على الارتقاء بالعمل الفلسطيني خلال المستقبل المنظور فالتدخل في العمل الإعلامي من قبل غير المتخصصين وجميع القوى السياسية الموجودة على الساحة الفلسطينية يعوقه فضلاً عن ان الصحفي الفلسطيني اليوم فقد جزءاً من مصداقيته نتيجة العمل غير المهني نتيجة التحزب المقيت في العمل.
ولعلاج هذه المشكلة يكون بعلاج الحالة السياسية، اذا أردنا أي علاج لكل قضايانا فعادة يكون في مقدمتها هو الحالة السياسية، فالصراع السياسي القائم أضر بكل مفاصل الحياة المجتمعية والعلمية منها، ولذلك أتصور أن الإصلاح بداية يكون سياسياً وبدوره سينعكس على الإعلام والصحافة حتى الحزبية منها، لأننا سنجد أنه إذا تم التوصل إلى تفاهمات بين الكل الفلسطيني تفضي إلى إيجاد حل لحالة النزاع والصراع سينعكس على كل وسائل إعلامنا على مختلف توجهاتها، وستتغير اللغة الإعلامية والخطابية وكل المضامين الموجودة داخل وسائلنا الإعلامية يصب باتجاه صالح الوفاق الفلسطيني، ولكن إذا بقي الحال على ما هو عليه، بالتأكيد فإن ذلك سينعكس على كل واقع الحياة، وتحديداً الإعلام الذي ما هو إلا أداة يعكس الحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في داخل أي مجتمع، فالإعلام هو مرآة المجتمع وأداة عاكسة لما يجري داخل هذا المجتمع.
وينبغي كذلك أن يعاد النظر في طبيعة الرسالة الإعلامية الفلسطينية بحيث تكون حقيقية وموضوعية وحيوية وصادقة، وباعثة على الأمل ووفقاً لهذه العناصر سيكون بمقدوره تشكيل وعي المجتمع وتطوير آفاقها ومداركها الوظيفية والعلمية والبحثية وتنمية ذكاء الناس والتعرف على مضامين وأبعاد ثقافتهم العلمية والإبداعية، مع التأكيد على ضرورة تكثيف العمل من أجل إقرار قوانين تحمي الصحفيين والواقع الاعلامي و تعزيز المبادرات من أجل إنهاء تداعيات الانقسام الداخلي باتجاه تعزيز وحدة وتماسك البيت الصحفي ونقابة الصحفيين وكذلك سرعة التحرك مع المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية لتعزيز المعرفة بالقوانين الخاصة بالصحافة وبدء نقاش جدي لميثاق شرف صحفي وإقرار قانون الحق في الحصول على المعلومات مع موائمة وزارة التربية والتعليم العالي عدد الطلبة الراغبين بدراسة الصحافة والاعلام مع حاجة السوق في فلسطين لإنهاء ظاهرة البطالة التي تفشت في قطاع الصحافة والاعلام ، بالإضافة الى العمل على ترسيخ المصطلحات الفلسطينية الاعلامية وضرورة وجود خطة استراتيجية فلسطينية للرد على اكاذيب الاعلام الاسرائيلي وتفعيل الاعلام الفلسطيني والعربي في تغطيته للقضية الفلسطيني من زوايا مختلفة.
أما على المستوى الإجرائي للمواجهة، فهو يتضمن الأساليب والوسائل التي تتبناها الأحزاب والقوى السياسية والنقابات والاتحادات الإعلامية والمنظمات الأهلية في فلسطين ، لتفعيل المواطنة الإعلامية وتحويل الإعلام الفلسطيني إلى ساحة حقيقية للتنوع السياسي والفكري والثقافي والاجتماعي.