قانون "الدولة القومية اليهودية" من أخطر القوانين الإسرائيلية

بقلم: غازي السعدي

في خطابه أمام الكنيست 23-11-2014، قال "نتنياهو": أن أرض إسرائيل،-ويعني أرض فلسطين الكاملة من البحر إلى النهر- هي الوطن القومي لليهود، وهي لهم دون سواهم، فهذه الأقوال النارية تجرد الفلسطينيين من حقوقهم، فإن "نتنياهو" على حد قوله، عازم على تمرير قانون القومية اليهودية العنصري، باتفاق أو دون اتفاق مع المعارضين لهذا القانون من الأحزاب الإسرائيلية، وهذا القانون، الذي لا يتوفر له أغلبية من أعضاء الكنيست، هو قانون "أساسي" حسب التصنيف الإسرائيلي، أي أن القوانين "الأساسية"، لا يمكن إسقاطها إلا بأغلبية (61) نائباً من بين نواب الكنيست البالغ عددهم (120) نائباً، بينما القوانين العادية، تلغى بالأغلبية العادية من المشاركين في الجلسات، وللعلم فإنه لا حاجة إلى نصاب قانوني لجلسات الكنيست، بل أنها تجري بمن حضر.

إن قانون القومية أقر من قبل مجلس الوزراء بأغلبية (14) وزيراً، ومعارضة (7) وزراء، ومن أهم نصوص هذا القانون في بنده الأول: أن أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي ومكان إقامة دولة إسرائيل، يليه بأن دولة إسرائيل هي الوطن القومي للشعب اليهودي، الذي يجسد حقه في تقرير المصير بناء على تراثه الحضاري والتاريخي، وأن حق تقرير المصير في دولة إسرائيل، مقصور على الشعب اليهودي، وجاء في بند آخر، أن اللغة العبرية هي اللغة الرسمية للدولة، يليه بند آخر جاء فيه: للغة العربية مكان خاص، للمتحدثين بها الحق باستخدامها في إطار خدمات الدولة، بينما في السابق لغة رسمية، وهذا تراجع عن وضعها الحالي، وحسب المعارضين من بين الإسرائيليين لهذا القانون، هو تغيير وضع إسرائيل من دولة يهودية وديمقراطية، إلى دولة يهودية، إذ كانوا يتبجحون بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، يحولها القانون الجديد، إذا ما صودق عليه، إلى دولة يهودية عرقية وعنصرية، وإلى دولة دينية، تتناقض مع وثيقة الاستقلال التي أبرمت عام 1948، والموقعة من قادة اليهود في ذلك الوقت.

وثيقة الاستقلال نصت على المساواة في الحقوق والواجبات لجميع مواطنيها،العرب واليهود، مع أن هذه المساواة لم تتجسد، فإن تعداد المواطنين العرب في إسرائيل يزيد قليلاً عن 20%، مازالوا يعتبرون ويعاملون من الدرجة الثانية، لكن القانون الجديد سيكون سيفاً مسلطاً على رقابهم، بالتلويح بسحب الجنسية عنهم، ليتناسب مع مشروع وزير الخارجية "أفيغدور ليبرمان"، الذي ينص على نقل سكان المثلث البالغ تعدادهم نحو (400) ألف مواطن، إلى الدولة الفلسطينية، قبل أن تولد، بل يعطلون ولادتها، والقانون الجديد، سيعمل على تغيير جذري في القضاء، ويلحق أضراراً جسيمة بالديمقراطية المزعومة، في تفضيله اليهودية عن الديمقراطية وفي جميع المجالات.

إن قانون القومية الذي يتبناه "نتنياهو"، سيكون من أخطر القوانين العنصرية التي تُشرّعها إسرائيل، وكأنه جاء ليلتف على مطلب الحكومة الإسرائيلية من الفلسطينيين، الاعتراف بيهودية الدولة، واختراع "قومية يهودية" غير مدرج في جميع أدبيات اليهود والحركة الصهيونية، فقد كانوا يعتبرون بأن الصهيونية هي حركة التحرر القومي للشعب اليهودي، لكن تغيير المواقف سمة سائدة في العقلية الإسرائيلية، فحكومات إسرائيل المتعاقبة، وخاصة في عهد "نتنياهو" استكلبت واستفحلت في تشريع مسلسل من القوانين العنصرية، وتسابق نواب الكنيست مع بعضهم البعض، بتقديم القوانين العنصرية، للحصول على شعبية الشارع الإسرائيلي المتطرف، فقد أصبح التطرف عنواناً للتنافس على الشعبية، تمهيداً للانتخابات، والوصول إلى نيابة الكنيست.

لقد أسقط قانون القومية الذي تقدم به "نتنياهو" عمداً، كلمة المساواة، واستبدلها بنص: إسرائيل تقيّم الحقوق الشخصية لجميع مواطنيها، بناء على القانون، وقبل إقراره بدأت السلطات الإسرائيلية بسحب الإقامات عن المقدسيين، وتهديد كل مقدسي يدان بالمقاومة وأسرته بسحب الإقامة وربما بالإبعاد إلى غزة، وسحب الجنسية عن المتهمين بتنفيذ عمليات تمس بأمن الدولة، بما فيهم الذين يلقون الحجارة، وبعدم إعادة جثامين الشهداء إلى ذويهم، بل سيتم دفنهم في أماكن سرية، ويتم أيضاً إعداد قانون لإخراج جمعية "المرابطين والمرابطات" في الأقصى عن القانون، فمشاريع القوانين العنصرية لا تعد ولا تحصى، مع أن السلطات الإسرائيلية تتجاوز القوانين في تنفيذها، لكنها من خلال هذه التشريعات تسعى للظهور بأنها دولة قانون، فإسرائيل دخلت إلى مرحلة جديدة، من مراحل تكريس نظام الفصل العنصري "الأبرتهايد"، من خلال تشريعات وقوانين نافذة إضافة إلى حملة من الممارسات والتصريحات العنصرية، التي تعزز من عنصريتها بشكل مكشوف جداً، لتعزيز طابعها اليهودي، على حساب ما كانت تدعيه من ديمقراطية، وقامت بسحب الإقامات الدائمة عن مواطني القدس، وعن عائلة الشهيد "محمود نادي"، الذي أدين بنقل استشهادي بسيارته عام (2001) إلى تل أبيب، وحكم عليه بالسجن (10) سنوات، يأتي قرار سحب الإقامة عنه وعن عائلته بأثر رجعي، ففي قرار للمحكمة العليا من عام (1989) جاء فيه، أن الإقامة في القدس الشرقية، هي نتاج ضمها لإسرائيل، وأن سكانها لم يأتوا إليها من الخارج، وطالبوا بحق الإقامة، فقد حصلوا على إقامتهم بقوة قانون ضم القدس، الذي اعتبر القدس الموحدة عاصمة إسرائيل، ومع ذلك لا يراعون قرارات محاكمهم، فحرمان المقدسيين من الإقامة، بتهم التحريض على القيام بعمليات ضد إسرائيل، كذلك سحب الحقوق الاجتماعية من أبناء عائلاتهم، وحرمانهم من السكن الدائم، وسياسة هدم المنازل، إضافة إلى عقوبات أخرى، فهذه الإجراءات رغم قساوتها، لن تحقق الردع لإسرائيل، بل ستفاقم الأمور، وقد جربتها الحكومات الإسرائيلية دون أن تردع أحداً، ومن خطورة هذا القانون، منح هذه الصلاحيات لوزير الداخلية، وكما قال قاضي المحكمة العليا "ميخائيل حيشن" بأن هناك نصاً توراتياً يقول:"لا تأخذوا الأبناء بجريمة الآباء"، لكن العقوبات الجماعية يجري تطبيقها، دون اعتبار لا للتوراة، ولا للقوانين والشرائع الأخرى، ونفذ الاحتلال سحب بطاقات الهوية المقدسية عن نحو (15) ألف مقدسي، وما زالت هذه السياسة مستمرة فأي قضاء عبري سيكون مصدر الاستلهام حسب مشروع نص قانون القومية؟ وبكل وقاحة ينص مشروع القانون على منح أفضلية لليهود على غيرهم في كل مجالات الحياة، على حساب شرعية وجود عرب (1948) الذين يشكلون أكثر من خمس السكان، وأن هذا المشروع مقدمة لتشريع آخر، لفرض القانون الإسرائيلي على كامل الضفة الغربية المحتلة ومواطنيها، وإخضاع كافة القوانين والأنظمة إلى ما يسمى بـ"الهوية القومية اليهودية"، وعدم الاعتراف بلغة رسمية، سوى اللغة العبرية.

خلال مناقشته القانون في الكنيست، حسب "هآرتس 26-11-2014" افتخر "نتنياهو" بأن قانون القومية، يغلق الباب حيال تطبيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين، حتى أن مواطنة عرب (1948) ستكون دائمة مع وقف التنفيذ، وأشبه بالصدقة، وهم معرضون لسحب مواطنتهم، وكما قال "ليبرمان" أنه لا توجد مواطنة دون ولاء، فعرب الداخل مهددون، رغم حملهم الجنسية الإسرائيلية يعاملون قبل إصدار قانون القومية بالدرجة الثانية، ويعانون من التمييز، خاصة بمصادرة أراضيهم وفي السكن وفرص العمل إلى آخره، فهذا القانون سيحرمهم أيضاً من حقوقهم القومية، فإسرائيل لا تريد حلاً للقضية الفلسطينية، وهذا معروف، لكنها لا تريد التهدئة التي تنادي بها، ولو كانت تسعى إلى التهدئة، لما تقدمت بهذا القانون العنصري، لكن هذا القانون سيطال أيضاً الطائفة الدرزية في إسرائيل، الذين فرضت عليهم إسرائيل قانون خدمة العلم، والخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، رغم ذلك يعاملون كالعرب، والمحاولات الإسرائيلية بفصلهم عن منابتهم العربية، واعتبارهم طائفة مستقلة، وأقامت لهم محاكم شرعية منفصلة، فالعائلات الدرزية التي قتل أبناؤها خلال خدمتهم في الجيش الإسرائيلي، أعلنوا معارضتهم لهذا القانون، وشقيق الشرطي الدرزي الذي قتل في عملية الكنيس، يرفض القانون، محذراً أنه سيمس في العلاقات بين الدروز وإسرائيل، مما دفع بـ"نتنياهو" للاجتماع برؤساء الطائفة الدرزية "27-11-2014"، مقدماً لهم التعازي بمقتل الشرطي الذي قتل بعملية الكنيس، وقال لهم:"أنتم لحم من لحمنا، وجزء عضوي من المجتمع الإسرائيلي، وجنودكم الأبطال يسقطون من أجل الدفاع عن الدولة، وسندافع عن أمنكم من المتطرفين والمتشددين المسلمين، وأن معركتم هي معركتي، ومعركتي هي معركتكم"، فأقواله تندرج في المجاملات، لكن التمييز ضدهم ومصادرة أراضيهم، مثلهم مثل المواطنين العرب مستمر.

مشروع قانون الدولة القومية اليهودية، كانت أصداؤه سلبية وتعرض لانتقادات شديدة، من داخل إسرائيل وخارجها، فالرئيس الإسرائيلي "روبي ريفلين" يعارض القانون وهو لا يفهم ما الفائدة منه، كذلك الرئيس السابق "شمعون بيرس"، وقاضي المحكمة العليا "سليم جبران" الذي يعارض القانون ويقول بأن المواطنين العرب يعانون من التمييز العنصري، كذلك المستشار القانوني للحكومة، ووزير العدل الليكودي السابق "دان مريدور"، ووزراء، وبروفيسورات، وكتاب وصحفيون، حتى الولايات المتحدة، وصحيفة "نيويورك تايمز" التي اعتبرته قانونا عنصريا له انعكاسات مشابهة لقوانين العبودية التي كانت سائدة في الولايات المتحدة، لكن إصرار "نتنياهو" على تمرير هذا القانون جاء لإبعاد أنظار الإسرائيليين عن أوضاعهم المعيشية والأمنية، والغلاء والفقر، وتمهيداً لإجراء انتخابات مبكرة للكنيست ، وانخفاض أصوات دعاة السلام، ، ظناً أن مثل هذه القوانين العنصرية ستعيد انتخابه ليعود ليرأس الحكومة القادمة، فالعنصرية أخذت تحتل تياراً مركزياً في إسرائيل.