العنف ضد المرأة عنوان عريض يحمل في طياته ملفات كثيرة فيها من الأحداث الدامية والمؤلمة والذي يتخذ أشكالا ومظاهر مختلفة ومتعددة، من ممارسة العنف والذي نرى تجسيداته وتجلياته العملية من خلال جرائم القتل والتخريب والاقتتال والاحتراب العشائري والشللية في المدارس القائمة على العشائريةوالجهوية ، وفي هذا الجانب نسجل بأن البعض يرجع العنف الممارس بحق المرأة مرده إلى حالة الإحباط واليأس وتردي الأوضاع الاقتصادية والتي تضطر وتدفع بالرجل إلى ممارسة والقيام بسلوك عدواني تجاه زوجته او أخته أو ابنته،ولكن يضاف الى ذلك الثقافة الأبوية والتسلطية والقمعية السائدة في المجتمع وما يرافق ذلك من نظرة وتقاليد اجتماعية بالية ودونية للمرأة ككائن بشري،حتى أن البعض لا ينظر ويتعامل مع المرأة فقط على أساس أنها خادمة او جاريه له ومكانها الوحيد هو المطبخ، بل وأبعد من ذلك كبضاعة وسلعة يستبدلها متى يشاء،أو رجس ونبتة شيطانية، والعنف بحق المرأة ليس قصراً على العنف اللفظي بل يمتد للجوانب الجسدية والاقتصادية والعاطفية،حيث يحرم الكثير من الأزواج زوجاتهم من التحكم في مرتبها او دخلها ،وفي الجانب العاطفي نشهد تزايداً في الاعتداءات الجنسية على المرأة والفتيات.
لا يمكننا بأي حال من الاحوال فصل قضايا النساء في أي من المجتمعات عن طبيعة المجتمع ومدى تبعيته الاقتصادية والسياسية للدول الكبرى، المجتمعات التي تعاني شعوبها بمختلف اطيافها من القهر والاستبداد ، فكيف ونحن نتحدث عن النساء الطرف الاضعف في أي معادلة اجتماعية والمتضرر الاكبر من تلك السياسات ، من هنا يعتبر النضال من اجل حرية المرأة ومساواتها مهمة أصيله من مهمات النضال الاجتماعي ضد القوى المستبده، وضد سياساتها القائمة على تدوير ممارسات القهر والتمييز تجاه مجموع النساء المنتمية لها بصيغ أبوية ذكورية تتستر خلف موروث ثقافي وتفسيرات دينية مختلفة لإحكام السيطرة على النساء بهدف تقويض دورهن في مختلف المجالات وعلى كافة الاصعدة.
ان ما تعانيه المرأة من سياسة التخلف ، تتطلب ترسيخ المفهوم الثوري والوطني والقومي من خلال تعميق ارتباطاتهم بالحركات الثورية والعربية والعالمية، فالتغيير لا يمكن أن يكون مجزءاً أي أن يوفر الأرضية الملائمة لحركة فئة من المجتمع وتفاعلها مع أنظمته فيما يحرم فئة أخرى لا تتمكن من الاستفادة من هذه الأرضية بحكم ثقافة وقوانين وتقاليد المجتمع الذكوري الذي يمنع غالبية النساء من التمتع بالحرية والديمقراطية فمن يطالب الحرية والديمقراطية لا يمكنه أن يغض النظر عن العلاقات غير الديمقراطية في إطار الأسرة والسرعة في قوانين الأحوال الشخصية والتي تفسح المجال أمام انتهاكات واسعة لحقوقها الإنسانية وأمام أشكال عنف مختلفة يمارس عليها لذا كان لابد من أن نكتب عن هذا الموضوع لعلنا نجد اذن صاغية من اجل معالجة العوامل التي تضع معظم النساء في مجتمعاتنا العربية في موقع هامشي وأهمها موضوع العنف الممارس على المرأة بكافة أشكاله، فلم يعد مقبولا تجاهل هذه المشكلة التي تزعزع بنية المجتمع وتمنع النساء من إطلاق طاقاتهن والانخراط في عملية التنمية والتقدم الاجتماعي ما دامت المرآة مثقلة بالمحرمات الاجتماعية التي تضع قضايا النساء في مرتبة ثانوية ، اضافة الى مواجهة ما تتعرض له النساء تحت مسمى جريمة غسل العار ، في حين أن جريمة القتل ذاتها مخلة بالشرف وفق كل شرائع الدول في العالم ، باعتبارها اكثر الأفعال إثارة للاشمئزاز والإدانة ، ولأنها بكل المقاييس الأخلاقية فعلا منحطا ووحشيا وغاشما لا يقدم عليه الانسان مهما كانت الظروف .
إن طرحنا لهذه الخصوصية المرتبطة بقضية المرأة ، يستهدف التصدي لهذه النظرة الموروثة المستقرة حتى الآن في الذاكرة الجمعية لمجتمعنا ، كامتداد لاستقرارها في العلاقات الاجتماعية والعادات و التقاليد و الأعراف التراثية و الموروثة المشوهة التي تتجدد يوميا في سياق عملية إعادة إنتاج التخلف عبر الأزمة الراهنة في البلدان العربيه وفلسطين ، بما يجعل من التصدي لكل هذه العوامل الموروثة السالبة قضية ترتبط أولا و أخيرا بالتصدي لأزمة مجتمعنا كله بكل أبعادها ، ذلك لأن أي حديث عن خصوصية المرأة ، أو قضاياها بمعزل عن هذه الأزمة العامة ، لا يرتقي في أحسن الأحوال إلا إلى شكل من أشكال الترميم الظاهري أو الشكلي لبنيان مهترئ ، فالعمل الإصلاحي لا يحل القضايا الأساسية المتعلقة بحرية المرأة ، و لا يحقق لها المساواة في الحقوق المدنية و الاجتماعية ، بالضبط كما هو العمل الخيري أو الاغاثي السائد اليوم عندنا في ظروف االنضال الوطني بصورة خاصة ، حيث يبقى عملا هامشيا ، غير أساسي ، لن يقضي على الفقر و الحاجة كما لن يسهم في تعزيز الصمود و المقاومة بقدر ما يسهم في خلق قيم سالبة.
فالتحرر الحقيقي للمرأة إذن ، هو التحرر من الاضطهاد الاجتماعي بمساواتها بالرجل في الحقوق ، و في اتخاذ القرار في كل الميادين و على كل المستويات ، و المشاركة في الأنشطة السياسية و الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية و الأسرية ، هذا هو التعبير عن حقيقة الارتباط الوثيق بين قضايا المرأة و قضايا مجتمعها و النهوض والتقدم الاجتماعي والتنمية و العدالة الاجتماعية و الديمقراطية بالالتحام العضوي بالعامل القومي العربي ، وهي قضية يتحمل مسؤوليتها الطليعة المثقفة من الرجال و النساء على حد سواء ، لأن مواجهة جوهر الأزمة الراهنة ، بكل مظاهر التخلف و التبعية و الجهل و الاستبداد و القهـر ، إلى جانب الفقر وغياب العدالة الاجتماعية ، يحتم هذا الترابط الجدلي الفعال بين السياسة و الاقتصاد ، أو بين التحرر الوطني و القومي من جهة ، و التحرر الديمقراطي المجتمعي الداخلي من جهة أخرى ، فإذا كان العامل السياسي في ظل الأزمة الراهنة يلعب دورا هاما في تعزيز الهيمنة السياسية الطبقية البيروقراطية الفردية ، فإن العامل الاقتصادي يعزز و يكمل ذلك الدور في المجتمع عموما، و في إخضاع المرأة بصورة خاصة بالاستناد إلى التشريعات و القوانين من جهة أو بالاستناد إلى الهيمنة الذكورية الاقتصادية والتاريخية من جهة أخرى ، إذن وفي سياق حديثنا عن قضية المرأة ، فإن التحرر الاقتصادي شرط أولي لكل تحرر مادي أو معنوي ، اجتماعي أو سياسي أو غير ذلك ، وهنا تتبدى أهمية العمل بالنسبة للمرأة المعزز بالشهادة العلمية كشرط أساسي لعملية تحرر المرأة في سياق العمل ، إذ أن العمل المجرد الذي يتيح دخول أعداد كبيرة من نساء الطبقات الشعبية الكادحة إلى سوق العمل المأجور ، لا يوفر سوى شكل من أشكال التحرر الجزئي الاقتصادي ، وهي ظاهرة معروفة ، بحيث تبقى المرأة خاضعة لشروط الاضطهاد والخضوع الاجتماعي داخل الأسـرة وخارجها ، خاصة وأن طبيعة التطور المشوه في مجتمعنا ، وتعدد أنماطه، وتباينها في القرية عن المدينة عن المخيم عن المناطق الفقيرة من حيث العلاقة والموقف من المرأة ، رغم شكلية هذه التباينات التي تتوافق في النهاية أو الجوهر مع طبيعة البنية الذكورية للمجتمع التي لا تقبل الاختلاف أو التعدد في الرأي أو النقاش الحر المفتوح إلا في حالات استثنائية ، والمفارقة إن العدد الأكبر من جماهير النساء ،يقبلن بهذه الذكورية في ظل استمرار غياب شعور المرأة بذاتها بصورة واضحة ، بل وتتحمل بصورة طوعية أحيانا لاعتبارات دينية أو تراثية النصيب الأكبر من هذا التفرد والاستبداد الذكوري .
ولكي لا نسـاق إلى التحليل غير العلمي ، الذي يكتفي بظواهر الأشياء كحقائق فعلية للواقع بعيدا عن جوهره، نقول أن الخصم الأول للمرأة هو المجتمع بأغلاله وقيوده وفقره وتبعيته الناتجـة عن تخلفه وعجزه عن التحرر الوطني والاجتماعي ، وليس الرجل زوجا أو أخا أو أبا الخ ، الذي يبرز في كثير من الحالات أو أشكال التعامل كخصم في ظرف محدد، فالمجتمع كسبب
أولي و رئيسي ، هو الذي يميز بين الطفل الذكر منذ صغره عن أخته التي تتعلم أو تتشرب الرضوخ لأخيها و للجنس المذكر عموما منذ نعومة أظفارها ، إذن فالرجل كجنس ليس مسؤولاً عن اضطهاد المرأة ، بدليل أنه يتعرض للاستغلال و الاضطهاد أيضاً و هذا بدوره يدفعه إلى اضطهاد المرأة في ظروف القهر و الفقر و التخلف المشترك لكل منهما، و هو اضطهاد مرفوض بالطبع بغض النظر عن دوافعـه و أسبابه .
على أي حال ، وبالرغم من هذه الصورة ، وتعدد المعوقات ، فهناك المئات من النساء الطليعيات اللواتي ساهمن بدورهن في مسيرة الكفاح الوطني والقومي عموما وفي مسيرة النضال الاجتماعي الحضاري من أجل تخليصها من كل الموروثات السالبة ، وتحريرها وخلاصها من كافة المعوقات الاجتماعية والسياسية و الاقتصادية على وجه الخصوص .
وفقا لهذه القاعدة ، فإن وعينا بأهمية الترابط المستقبلي العضوي لقضايا المرأة ، يشترط إدراك الخصائص المميزة لمجتمعنا الفلسطيني ، والمجتمعات العربية من حولنا ، لاستكشاف و استنهاض عناصر التوحد لقضية المرأة العربية ، في إطار العوامل التوحيدية على المستوى القومي بما يؤدي إلى تقاطع و تطابق المكونات الخاصة وتفاعلها مع الإطار و الأهداف العامة ، ذلك لأن الحركة النسائية العربية ، لم تزل بعد ،غير موحدة البرامج والأهداف ، ويغلب على بنيتها التشتت والضعف ، إلى جانب العديد من الخلافات ذات الطابع الفكري الديني والسياسي ، لذلك فالمطلوب أن تتوحد الطليعة النسوية الديمقراطية في إطار برنامج تقدمي عصري موحد ، يمكنها من النضال لتحقيق أهدافها بالتعاون المباشر مع الرجل عبر الأطر السياسية الحزبية للاحزاب والقوى الديمقراطية والقومية والتقدمية واليسارية، التي لا يمكن بدونها تفعيل العلاقة بين الأطر النسوية وجماهيرها ، فالعمل المنظم وحده ، الكفيل بتفعيل هذه العلاقة على الصعيد الجماهيري من جهة ، و بلورة دور الحركة النسائية كحركة اجتماعية فاعلة في صفوف الحركة السياسية الوطنية الديمقراطية العامة من جهة أخرى.
لذلك فاننا نرى ان مناهضة العنف ضد المرأة هو الاساس الذي يجب ان نناضل من اجل وضع حدا له ، باعتباره السمة المميزة لكل العصور وفي كل بقاع الأرض لا يحده مكان أو زمان ولا تحده ثقافة أو تخلف ويجمع بين المتحظرين والمتخلفين ، صحيح ان تأريخ العنف ليس بجديد بل عبر العصور التي مرت ضد المرأة ولكني سألتقط شواهد ملموسة وأُحللها وهي خير دليل على أن العنف لا يحده المستوى الثقافي ولا الإجتماعي بل هو ظاهرة إجتماعية خطرة تنبع من تضاربات عقلية وحسية ضد المرأة يمكن أن تصدر من مستويات ثقافية عالية نتيجة عدم تقبل باطني لموقف محدد مع المرأة أو مواقف عديدة وتعالي ذكوري على ضعف المرأة وإتخاذ للقرار عنها حتى لو كان قرارا يخص الحياة أو الموت أو يخص مستقبل المرأة أو معايشتها وأخذ سريع لزمام الأمور وقد يكون بمستويات مختلفة ما بين الرفض السهل والرفض المتوحش , كأن يرفض مثلا رجل متحضر ترْك زوجته أو صديقته له , وقد يكون رد الفعل لهذا الموقف عنيفا جدا وقد يصل الى درجة القتل , كما نرى بشعته اليوم , وقد يصدر هذا الفعل عن رجل متخلف ، وهناك ايضا خلل نابع من طريقة تحليلهما للأمور وإستنتاجاتهما , وخاصة إن ظاهرة العنف ضد المرأة في الدول العربية قد تأتي لأسباب واهية كالإشتباه الأخلاقي , ويتفنن المجتمع العربي في التخلص من المرأة في هذه الحالة , فقد تُجبر على الإنتحار بوسائل مختلفة لكي يبدو الموت بعيداً عن المشتبه بهم , اضافة الى بشاعته ما ترتكبه القوى الارهابية التكفيرية في مناطق بسورية والعراق على اختطاف النساء من طوائف عدة وعرضهن للبيع في أسواق نينوى (كسبايا) وانهن تبلغن ان الجميلات بينهن سيتم تزويجهن الى امراء داعش، وخاصة بعد احتجزهم لعشرات العائلات من طوائف الازيدينة والمسيحيات كسبايا وعرضوهن في احد الأسواق لبيعهن، وما زالت المرأة تنتظر ان يزال عنها ثوب الذلة والمهانة الذي البسها لها عصابات داعش والنصرة الإرهابيه ، و أن أسوأ ما تعرضت له المرأة هو فتاوى نالت من
كرامتها وشرفها كـ "جهاد النكاح" الذي شرع الجنس المجاني لاجتذاب أكبر عدد ممكن من الشباب المضللين واستغلالها كأي سلعة ما يسيء للمرأة وسمعتها واحترامها لنفسها واحترام المجتمع لها.
وفي ظل هذه الظروف اتت تهديدات عصابات الارهاب المسمى "داعش" ضد الكتاب والشعراء في غزة وضد المرأة الفلسطينية على وجه الخصوص ، ولهذا يجب عدم المبالغة في مثل هذه البيانات أو حتى تبسيطها لأن مثل هذه التهديدات مرفوضة من قبل المجتمع الفلسطيني والفصائل الفلسطينية، وهذا يتطلب القيام بسلسلة من التحركات الجماهيرية وتشيكل جبهة وطنية موحدة في مواجهة "الإرهاب المتنامي" في قطاع غزة، مما يستدعي من الأجهزة الأمنية التحقيق في هذه البيانات ومروجيها وإلقاء القبض عليهم لمنع تفاقم البيئة التي تشكل الدفيئة المناسبة للتطرف والإرهاب، كون هذه البيانات تحمل لغة التكفير والتطرف وتشكل خطرا على النسيج الاجتماعي الفلسطيني.
وامام كل هذه المخاطر من أشكال العنف الواقع على المرأة نفسياً أو اجتماعياً أو جسدياً ، وهي أشكال تناصرها العادات والتقاليد والقانون نفسه والعقليات الذكورية التي لا تنحصر فقط في الذكور بل تمتد للإناث أيضاً ضمن مفاهيم متوارثة تكاد أن تصبح حقائق لا مجال للبحث فيها.
وكي لا تبدو الصورة قاتمة لن تظهر النساء هنا مستسلمات أو مستكينات للحياة التي يعشنها، بل هنّ نساء يكافحن من أجل التغيير لأنفسهن وللمجتمع كله، فهن النساء اللواتي يناضلن من أجل التعليم والعمل وإثبات الذات ومكافحة أشكال العنف الواقع عليهن بقوتهن وعملهن على الأرض وليس فقط مجرّد شعارات ترفع على لافتات ورقية أو قماشية، والنساء معيلات وصاحبات قرار وقادرات على التغيير والعمل والنضال رغم كل ما يحدث، في ظل النزاعات التي تزيد العبء عليهن وتسمح بالعنف بشكل أكبر وأكثر قسوة، ولأن الحلم كبير فالعمل لأجل تحقيقه أكبر وأصعب، وهذا هو قرار المجتمع كله الذي يريد أن يسير نحو الأفضل.
لقد استطاعت المرأة أن تجسد إنها المدرسة الوطنية الأولى التي خّرجت مئات المناضلين في مواجهة الاحتلال والتشبث بالأرض والتمسك بالهوية الفلسطينية والعربية ولم تستطع العادات والتقاليد والقيود الاجتماعية أن تحول دون تطلع المرأة الى دورها الكامل في المجتمع .
لقد أكدت المرأة عبر تاريخها الطويل أنها تمتلك قوة في الشخصية وروعة في الأداء ووعيا كاملاً لدورها في النضال، هي قمة في الوطنية لم تقل يوما عن الرجل في استعدادها للتضحية من أجل وطنها فسطرت بذلك أروع آيات البطولة وأكدت ان النساء مقاومات مناضلات عفيفات شريفات تاريخهن حافل بالتحدي والانتصارات وهو ما برز من شجاعة النساء في مواجهة تنظيم “داعش”، ومن يقرأ أيضاً قصصاً عن نضال المرأة ، كيف أنها غيرت كثيراً من مفردات التاريخ النضالي للمرأة وغيرت معها النظرة عن المرأة العربية وفرضت على الرجال، قبل النساء، احترامها وإجلالها فقد سطرت بمسيرتها صفحات بيضاء مشرقة ناصعة ظلت باقية في ذاكرة الشعوب.
ان المرأة مازلت تناضل وتقدم التضحيات الجسام ، وهذا، ما يلفت نظرنا الان الى دور المرأة الفلسطينية بمواجهة الاحتلال الصهيوني اضافة الى ما قدمته المرأة اللبنانية والجزائرية بمواجهة الاحتلال ، وما تقوم به المرأة السورية والعراقية وهي تخوض تجربة ًمريرة بمواجهة الارهاب وقد فقدت زوجها وأبناءها وأخواتها وبيتها وأصبحت مهجرة، وما لعبته المرأة المصرية والتونسية واليمنية والبحرنيه ، حيث تثبت كل التجارب بانها صامدة وقادرة على الوقوف من جديد لأن أبناءها هم أحفاد طائر الفينيق، لهذا من حق المرأة ان تتطلع الى العدل
والحرية في زمن نادى الكثير من اجل اطلاق حرية المراة ومنحها آفاق واسعة في المجتمع وعلى جميع الأصعدة.
وفي هذا الجانب ، فإن تراجع دور الحركة النسائية كحركة ديمقراطية اجتماعية مطلبية ، هو انعكاس مباشر عن تراجع دور الاحزاب العربية ، بصورة خاصة ، في تفعيل القضايا والمطالب الوطنية الديمقراطية للمرأة ، و إذا كان لهذا التراجع أسبابه الموضوعية والذاتية ، إلا أنه شكل غطاء أو ذريعة لانتقال العديد من الكوادر النسائية نحو العمل في المنظمات والمؤسسات الاهلية والأجنبية غير الحكومية ، التي انتشرت بصورة واسعة غير طبيعية ، لاستيعاب هذه الكوادر من النساء و الرجـال بل وساهمت في خلق المناخات و المغريات المادية التي أدت إلى فك ارتباط هذه الكوادر بأحزابها و تحويل معظم النشاطات النسائية و المجتمعية الأخرى و تمركزها في هذه المنظمات بعيداً عن إطار العمل السياسي و دوره في العمل الجماهيري المنظم .
ومع إدراكنا لطبيعة هذه المرحلة الانتقالية وتعقيداتها ، السياسية والمجتمعية و التنظيمية ، التي ساهمت في هذه الحالة من الركود أو العجز أحيانا الذي أصاب فصائل و أحزاب وطنية وديمقراطية فيما يتعلق بقضية المرأة و عدم القدرة على تأطيرها في منظمات جماهيرية أو حركات اجتماعية مؤثرة ، إلا أن الرؤية الموضوعية لطبيعة المرحلة التي تقوم على الجدلية التبادلية في التفاعل بين ما هو وطني و ديمقراطي ، بحيث يصبح تطور و تقدم البعد الاجتماعي الديمقراطي الداخلي شرطا و مدخلا للبعد الوطني التحرري ، و ما يعنيه ذلك من انتقال أحزابنا وقوانا الديمقراطية من شكلها و طبيعتها إلى الشكل والمحتوى العصري في التنظيم و السياسة والأيديولوجيا المعبرة عن الواقع ، إلى جانب الأداء و الممارسة الملتزمة بقواعد وضرورات التخصص لكافة العناوين والقضايا الوطنية والديمقراطية المطلبية بما يسهم في ارتقاء الاحزاب والقوى من حالة الأحادية السياسية التاريخية إلى أحزاب سياسية ديمقراطية اجتماعية تستجيب لمتطلبات الوضع الراهن ، وهذا بكل تأكيد سيشكل ذلك مدخلا وأرضية لتفعيل دور الأطر النسوية و تحويلها إلى حركات سياسية ديمقراطية ذات طابـع جماهيري واجتماعي ، خاصة وأن الظروف الراهنة التي تعيشها الشعوب العربية والشعب الفلسطيني ، لم تعد تحتمل مزيداً من تكريس الرؤى التوفيقية أو سياسة المهادنة ، عبر الرؤية والتحليل الموضوعي لواقع ومتطلبات الواقع الاجتماعي ارتباطا بمصالح الفقراء والكادحين عموما، وبمصالح المرأة الفقيرة والكادحة خصوصا ، فهي الأكثر اضطهادا ومعاناة وعطاء وتضحية في ذات الوقت ، من غيرها من النخب النسائية تاريخيا و راهنا.
وامام كل ذلك نؤكد ان المرأة بنضالها ظهرت في عدة صور، فهي الأم التي حثت أبناءها وبناتها على التعليم والعمل والإنتاج، وأرضعتهم حليب الثورة والمقاومة وحثتهم على النضال والإستشهاد أيضا، وهي المعلمة التي علمت أجيال، والعاملة الكادحة التي أنتجت، وهي قادت خلايا تنظيمية فكانت المحرضة والداعية السياسية النشطة والقائدة الجماهيرية، والمقاتلة بمواجهة الهجمة الامبريالية والصهيونية والارهابية ، فشاركت في عمليات نوعية عجز عنها العديد من الرجال ، ولعبت دورا محوريا في حماية التقاليد والتراث وغرس احترام القيم، حيث شكلت بتضحياتها الأم المثالية والمناضلة المميزة والقائدة الفذة.
ومن هنا نقول ان الاستناد الى قدسية المرجعية الدينية والتفسيرات التي تعتمد على مدى انفتاح اي مرجع ديني او انغلاقه على قضايا المرأة ،تماما كما يتم صبغ الموروث الثقافي بصبغة دينية يخدم أجندات الاسلام السياسي في تعطيل نصف المجتمع وتحويله الى نصف خامل يحمل أعباء “شرف” الامه وتأخرها ويدفع ثمنها في الكثير من الحالات،الامر الذي لا يمكن الخروج عنه الا بمراجعة دقيقة للمرجعيات القانونية وتغييرها باتجاه التحلل من “المقدس” كما تفعل الاحزاب
اليسارية نحو نهضة قانونية وفكرية يمكن معها النقاش والتعديل والاضافه بما يتلائم مع العصر ، وللوصول لهذه الغاية نحن بحاجة الى اشتباك فكري تخوضه جميع مكونات المجتمع من احزاب وفصائل وقوى وحركة نسوية مع الفكر الراهن في محاولة للوصول الى مجتمع مدني علماني يقوم على اساس المواطنة والشراكة والمساواة.
ان الأمل المحرك الأساسي التي نعايشها ونقترب منها كل يوم، لنلمس قوة الأمل من أشياء صغيرة تحدث كل يوم، فالقوة تنبع من الضعف ، وهذا حال الكثيرين منا، فكم من مآس مرّت علينا جعلت من قلوبنا أقوى وأشجع على مواجهة الواقع بكل جوانبه، وخاصة ان الازمات التي تمر بها النساءً أقوى وأصلب من السابق، حيث جعلت منهن فارسات لا يستهان بشجاعتهن في زمن وظرف قاس وصعب، ما يدهش الكثيرين، فهذه الأحداث رغم تأثيرها الكبير في نفوسنا، لكنها لم تمنع تعزيز علاقات اجتماعية تضيئ الشعلة لمستقبل يزين دور المرأة رغم كل المصاعب لأنه لا بدّ من قبس من نور يخرج من قلب الظلام حتى نشعر أن الحياة تستحق منا العمل والجهد لتحقيق أحلامنا.
ونحن عندما نكتب عن العنف ضد المرأة فهذا يتطلب متابعة الحملات المباشرة لتوعية النساء والفتيات اللاتي يعنيان التحرش والتي زادت بشكل ملحوظ، لهذا يجب على وسائل الإعلام أن تلعب دوراً في غاية الأهمية بالنسبة لاستمرار الأعراف والسلوكيات الاجتماعية التي تتغاضى عن حالات العنف ضد المرأة، أو مناهضتها، إذ يمكن لوسائل الإعلام الحديثة أن لا تكون منبراً يتم من خلاله تحويل المرأة أو الفتاة إلى مجرد سلعة، وذلك ابتداء بالصور التي تظهر النساء والفتيات بوضعيات مبالغ فيها، وصولاً إلى العنف الصريح ضد المرأة.
لذلك فأن السبل المناسبة لمواجهة ومكافحة العنف ضد المرأة, وخاصة في تلك الدول التي لا تزال المرأة تعاني من التمييز وعدم المساواة في جميع المجالات , كما تتعرض لعنف الرجل والمجتمع في آن واحد. تتطلب تنظيم حملة واسعة للكشف عن أشكال واساليب وممارسات العنف ضد المرأة وسبل مواجهته ومعالجته فكريا وسياساً واقتصادياً واجتماعيا ونشر التنوير الفكري بشأن حقوق المرأة المشروعة ومساواتها بالرجل والدفاع عن مصالحها ودورها المساوي لدور الرجل في الدول والاحزاب والقوى والمجتمع، كما يستدعي الكتابة عن وقائع حية واشكال وأساليب فعلية في ممارسة العنف ضد المرأة في الوظيفة والعمل السياسي والاعلامي والنقابي والمهني والبيت والشارع والمعمل والمدرسة والجامعة والمجتمع ، وإبراز العلاقة الجدلية بين الأمية والجهل وعدم التنوير الديني والاجتماعي من جهة , وبين استمرار ممارسة العنف ضد المرأة ، وتحديث القوانين والأنظمة الراهنة (قانون الأحوال الشخصية ) التي تميز بين حقوق المرأة، اضافة الى سبل مكافحة العنف ضد المرأة فكريا وسياسياً واجتماعياً، اضافة الى دور المجتمع المدني الديمقراطي كضمانة فعلية لمكافحة وإزالة العنف ضد المرأة، وضرورة وضع القوانين والأنظمة التي تكافح وتعاقب التجاوز على حقوق المرأة وممارسة العنف ضدها، وهذا يستدعي دور فعال من قبل منظمات المجتمع المدني في نشر الفكر الديمقراطي ومكافحة سلب المرأة حقوقها وممارسة العنف ضدها.
ختاما : لا بد من العمل من اجل رفع الوعي تجاه قضايا المساواة بين الجنسين ومناهضة العنف ضد المرأة، عبر ورشات العمل وغيرها من الأدوات الاجتماعية، وذلك بهدف التشجيع على توثيق الحالات التي تتميز بحساسية تجاه مسألة التمييز بين الجنسين، ودعم كل من يدافع عن المرأة بهدف تطوير المهارات الإعلامية والتواصلية التي يمكنهم من خلالها التواصل بشكل فعال بهدف رفع الوعي بصورة فعالة تجاه مسألة العنف، وكذلك السعي لفضح مرتكبي جرائم العنف ضد المرأة أيضاً.