تتعدد أشكال الرحيل ويتخذ بعضها معاني أخرى للحياة, والبعض الآخر يتجسد ذاكرة عصية على الانكسار ويتماهى الوعي القائم والممتد عبر مسافة الزمن والمكان, عندما يرحل المفكرون وأصحاب المبدأ والكلمة الحرة يمتد ظلهم عاليا وعميقا في وجدان أمتنا العربية من محيطها إلى خليجها, فغياب الجسد لا يلغي البعد الوجودي لمن حملوا الأمة بقضاياها وهمومها وهويتها في وجه الآخر, هم الذين وقفوا في المساحة ما بين الوعي والقلب, فحملوا الفكر وتسلحوا بالانتماء لأمة تحمل في أصالتها معاني يحاول الآخر طمسها, أو النيل منها وتجريدها من كل عمق أو قيمة.
لقد غادرنا الكاتب الصحفي والمفكر الجزائري / اعمر أغيرغاوا (مدير جريدة المواطن - الطبعة الفرنسية le citoyen, هذا الرجل الذي حمل الهم العربي والقومي لأمته, وأبدع ليكون أحد رواد الصحافة والإعلام في الجزائر الشقيقة والوطن العربي بأكمله, لقد حمل الراحل / اعمر قضايا أمتنا العربية, وجعل من جريدة المواطن قناة ينطلق من خلالها الخطاب والرؤية العربية في وجه الآخر, إلى أوروبا والعالم ليقول ويفكر ويطرح وجهات النظر العربية في كافة القضايا, ويحاور ويناقش وينقل الوجه الحضاري لامتنا العربية في ظل الهجمات المتوالية عليه من قبل أعدائه.
لقد حمل الراحل العظيم على كاهله هم القضية الفلسطينية, بإصدار ملحق خاص بها, هذا الملحق الذي شمل كل ما من شأنه الدفاع عن القضية الفلسطينية, وإبقاءها في دائرة الضوء, ومواجهة الهجمة الأخرى والمضادة, لقد أصر الراحل على أن تحمل الملاحق المتوالية قضايا فلسطينية كالقدس والشهداء والأسرى والمقدسات, وكل أشكال المواضيع المرتبطة بالهوية والكفاح الوطني الفلسطيني, وهذا الملحق لم يكن موجها لأمتنا العربية فقط, ولكنه اقتحم العالم الغربي بترجمته إلى الفرنسية, وبالتالي فتح المجال لمخاطبة العالم بأسرة بهموم وهوية ونضال الشعب الفلسطيني.
لقد غيب الموت هذا الكاتب والمفكر والإعلامي صاحب العطاء, ولكن حيزه الوجودي ظل في الذاكرة العربية عامة, وفي الذاكرة الفلسطينية على وجه الخصوص, كيف لا وإرثه يحمل عمقا وانتماءا وصدقا وفكرا يشكل جانبا مهما في الحفاظ على الهوية وعلى خصائص أمة باتت تواجه الكثير من محاولات الإقصاء والتغييب, رحل الكاتب الكبير / اعمر تاركا مسئولية ثقيلة لمن خلفه بمواصلة الطريق, وليؤكد بأن الغياب الجسدي لا يلغي الحضور, وان ذاكرة الهوية والأمة لن تنسى ما هم في حجمه وقيمته وقامته.
رحم الله فقيدنا / اعمر أغيرغاوا وأسكنه فسيح جناته, وسلام لروحك من شعبنا الفلسطيني ومن أرضنا الفلسطينية ومن كل نسمة هواء تشوقت أنت لتنشقها في سماء فلسطين.
[email protected]